(تسخير الذرة من أجل السلام).. هذا هو شعار وكالة الطاقة الدولية.. وهذا ما يتطلع إليه العالم المشحون بالصراعات وهو يترقب المؤتمر السنوي العام السادس والستون للوكالة والذي سيعقد الأسبوع القادم في فيينا، والمؤتمر يعد محفلاً عالمياً يجمع 175 دولة، الأعضاء الوكالة. (في كل عام، ينقل أكثر من 20 مليون طرد يحتوي على مواد مشعة في جميع أنحاء العالم!). هذا المحفل الدولي سيكون فرصة لبلادنا لتقدم الإنجازات التي تحققت في مجال تنظيم أوضاع الرقابة النووية والإشعاعية في المملكة، بالذات إبراز الدور الرقابي النووي الذي نحرص عليه، و(هيئة الرقابة النووية والإشعاعية) تبذل جهوداً مكثفة لبناء الجهد الوطني، حيث أطلقت الأسبوع الماضي حملة التعريف بـ(الإطار القانوني للرقابة على الاستخدامات النووية والإشعاعية في المملكة)، وتشمل الحملة العديد من الأنظمة واللوائح الفنية المتعلقة بحماية الإنسان والبيئة من الآثار الضارة من الإشعاعات المؤينة. في هذا المجال الحيوي تكثّف المملكة جهدها لتواكب الجهود الدولية للاستفادة من التقنيات النووية والإشعاعية المتقدمة في مجالات طبية أو صناعية أو علمية أو اقتصادية. لذا تحرص على التنظيم الرقابي لهذه الاستخدامات حتى نعظم الاستفادة من التقنيات المتقدمة الإشعاعية والنووية، ويحقق الأمان في استخدامها. والهيئة انتهت من وضع أول 16 لائحة فنية للرقابة، معتمدة على السياسات الوطنية الثلاث، ونظام الرقابة على الاستخدامات النووية والإشعاعية وتنظيم هيئة الرقابة النووية والإشعاعية. هذا جهد يعد مقياساً للنمو الرقابي النووي الدولي ويعكس تقدم الدول، ويؤكد مدى حرصنا على تقدمنا في هذا المجال المهم والحساس عالمياً وإقليمياً. هذا الإنجاز يأتي في وقت يشهد عودة للصراعات الدولية.. وعالمنا في العقود القادمة لن يكون كما عهدناه، فالصراع على الطاقة ومصادرها يعيد تشكيل هيكل القوة في النظام الدولي. وهذا الذي يجعلنا نهتم بأي إنجازات نحققها في التقنيات المتعلقة بمنظومة الطاقة بشكل عام. طبعاً هناك أمور عديدة واسعة تحف قضايا الطاقة النووية واستخداماتها. والعالم أجمع يظل مشدودًا ومأخوذاً بهذا الموضوع، فذكر الطاقة النووية يستجلب الأفكار والخيالات، ويستدعي الحوادث والكوارث النووية الكبرى مثل قنبلتي أمريكا على اليابان، أو حادثة محطة تشيرنوبيل النووية.. فالناس أكبر مخاوفها من الحرب في أوكرانيا هو قصف (محطة زابوروجيا) التي تضم ستة مفاعلات نووية، والمخاوف قد لا تكون حقيقية في خضم الحرب النفسية والمبالغات الإعلامية. مخاوفنا ووعينا وثقافتنا النووية وما يغرسه الإعلام من صور تستقر في الأذهان، هذه المخاوف تبقى محصورة في إدراك الأمور الكبرى للطاقة النووية، ويبقى الفهم والوعي قاصرين عن استيعاب أثر ودور الإشعاعات النووية في مجالات عديدة في حياتنا. وهذه المجالات طبقاً لما ورد في التقرير السنوي الأخير لـ(هيئة الرقابة النووية والإشعاعية) في المملكة، يوضح أن التوسع في تطبقات التقنية النووية في المجالات الصناعية والطبية.. وغيرها، يعظم مسؤولية مراقبتها لتوسيع الفائدة منها دون إعاقة استخداماتها، فالمصادر الإشعاعية تستخدم في (الممارسات الطبية سواء في التشخيص أو العلاج الإشعاعي أو الطب النووي، وتستخدم كذلك في العديد من التطبيقات الصناعية، مثل التشعيع «أي التعريض للإشعاعات» بأشعة جاما أو الأشعة السينية لتعقيم المنتجات أو لحفظ الغذاء أو لتحسين خصائص المواد، والتصوير الإشعاعي، وأنظمة القياس، وتصوير طبقات الآبار، أو في ممارسات أخرى مثل التعدين والبحث العلمي والتعليم). وهذا النطاق الواسع للاستخدام يوضح لماذا تجعل الهيئة (ثقافة الأمان النووي والإشعاعي) من أولويات عملها؛ وما تتطلع إليه، بعد اكتمال التطبيقات الأولية لإستراتيجياتها، هو الوصول إلى تكريس متطلبات الثقافة والأمان في (الوعي الجمعي) بحيث يكون الموجه التلقائي للتعامل مع متطلبات السلامة النووية والإشعاعية. وهذا ضروري لأنه يُسرع ويُسهل التطبيق ويقلِّل تكلفة الرقابة، ويطلق ممارسات الجودة الشاملة لتكون نهجاً طبيعياً في جميع المنشآت. وتتركز الأعمال الرقابية للهيئة الآن في التحقق من توفر معايير حماية الجمهور والبيئة من المخاطر الإشعاعية، وحماية العاملين القريبين من مجالات العمل الإشعاعية. كما تشمل الأعمال الرقابية حصر المصادر الإشعاعية على المستوى الوطني، لاسيما تلك التي تندرج في التصنيفات الأمنية. وما يهم الهيئة الجديدة الآن هو معرفة (كيفية تأثير ثقافة الأمان الخاصة بها على تطبيق الأمور الضرورية التي تبني ثقافة الأمان لدى المرخص لهم وانعكاسها داخل بيئة العمل التنظيمي الأوسع)، وكيف أن ثقافة الأمان لدى العاملين في الهيئة يعكس مدى تفاعلهم مع المرخص لهم وجميع أصحاب المصلحة الآخرين. ثقافة الأمان النووي هدفها حفز الوعي المبني على إدراك الأمور الواقعية التي لا تثير الهلع والخوف، والتي تُبنى على حقيقة الاستخدام الصحيح وتوفر معايير الأمان. وحرص الهيئة على ثقافة الأمان النووي يتفق مع المنظمات المعنية، وعلى رأسها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والعديد من الهيئات الرقابية النووية الدولية ذات الخبرة والتجربة. فقصور ثقافة الأمان النووي كانت من أهم الأسباب الجذرية للحوادث الإشعاعية والنووية، (حيث إن الأمان النووي والإشعاعي يعتمد على قدرة المرافق النووية أو الإشعاعية، والجهات المعنية الأخرى، على توقع المخاطر الكامنة في هذه الممارسات النووية والإشعاعية، والقدرة على مراقبتها ومدى الاستعداد في الأنشطة اليومية لمواجهتها، ومستوى الاستجابة لها، والتعلّم منها. وتُعد هذه القدرات والاستعدادات جوهر ثقافة الأمان النووي الجيدة). الإنجازات التي حققناها في تنظيم مجال الطاقة النووية تضع سجل بلادنا في الموقع المتميز، وسيكون هذا المؤتمر فرصة لكي نشارك العالم تجاربنا وممارساتنا، فمنذ أن بدأت الهيئة عملها الفعلي في عام 2019م، استمرت في التطوير على عدة محاور لتحقيق أهدافها ومهامها المناطة بها وتحقيق رؤيتها وهي: التميز في العمل الرقابي. ولدى الهيئة العديد من التحديات، فالأمن النووي مفهوم له أبعاد خاصة غير تقليدية وقد يعتبر في جوانب منه ذا جوانب جديدة علينا، والهيئة عليها معالجة ندرة توفر بعض المعلومات الهامة المتعلقة بالأمان النووي، ومناط بها تقييم التهديدات والمخاطر. وتعمل على اكتمال الأنظمة ذات العلاقة بعملها وشركائها، وتحرص على بث الطمأنينة لكونها مصدراً موثوقاً لهذه المعلومات. كما أن عليها استكمال تحليل مهددات الأمن الوطني، ومعالجة التباين النسبي في مفاهيم بعض الجهات الوطنية المعنية بدورها في هذا الشأن. وتسعى لاقتراح (إستراتيجية وطنية للوقاية في حالات الطوارئ النووية أو الإشعاعية). هذه تحديات كبيرة بدون شك، ولكن ثمار الإنجازات التي تحققت في وقت قصير من إنشاء الهيئة تجعل بلادنا تقدم موقفها من قضايا الطاقة النووية السلمية بكل ثقة ومسؤولية.
مشاركة :