عرفت «أهل العوجا» كنخوة ارتبطت بالدولة السعودية، وبجميع ما ينضوي تحت لوائها، وهي كأي نخوة مرتبطة بمعنى ودلالة، فتعود مكانيًّا للدرعية، وشهدت إنشاء دولة قوية نشرت الأمن والاستقرار في الجزيرة العربية، وأيدت الدعوة الإصلاحية، كما جاء في القرآن الكريم وسنّة نبيه المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم.تفسيرات محتملةوجاء الاهتمام بتوثيق هذه النخوة، بناء على إيضاح مهم بشأنها، قدمه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز –رعاه الله- عندما كان أميرا لمنطقة الرياض، نشر في الصحافة منذ سنوات، باعتبار خبرته الواسعة ومعرفته التاريخية الوطنية القيمة، ما جعل دارة الملك عبدالعزيز توثق ذلك عبر إصدارها «أهل العوجا»، للمؤلف د. فهد بن عبدالله السماري، تضمن الآراء المثارة عن هذا المصطلح، مشيرًا إلى أن هناك عددًا من التفسيرات التي تناولت معنى النخوة «العوجا» في محاولة لتفسيرها، وهي: اسم لفرس عربية مشهورة، أو اسم قطيع من الإبل المشهورة، أو يقصد بها الدعوة إلى الدين الصحيح، أو كلمة «لا إله إلا الله»، أو الملة الحنيفية، أو اسم لمكان.الخيول والإبلوتضمن هذا الكتاب أن ما يتعلق بالرأي القائل بأنها اسم لقطيع من الإبل أو اسم لفرس مشهورة، لا يتناسب مع حجم النخوة التي لها تأثيرها الكبير في أصحابها على مدى زمن ليس باليسير، كما أن الخيول والإبل ليست من الأشياء الدائمة التي يرتبط بها في مثل هذه النخوة القوية والقديمة، وليست قصرًا على فئة بعينها ؛ لأن صفة الإعوجاج في الإبل أو الخيل هي متحققة في كثير من الإبل والخيل في أكثر من مكان، وهذا لا يعني عدم وجود نخوات ترتبط بإبل مشهورة أو فرس مشهورة، وإنما قدم هذه النخوة وأثرها الكبير لا يتناسب مع هذا التفسير، علاوة على ذلك فإن تلك الإبل أو الفرس غير معروفة، ولم يرد عنها معلومات حتى يمكن القول إنها مرتبطة بهذه النخوة.ليست الحنيفيّةوأضاف: أما بشأن التفسير الآخر الذي يقول: إن العوجا هنا هي الملة الحنيفية التي تدعو إليها دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، فإنه يمكن مناقشته من جانبين أولهما: أن تفسير معنى «الملة العوجا» في الحديث المشار إليه له وجه آخر ذكره الإمام ابن حجر في «فتح الباري» في كتاب تفسير القرآن، وهو أن الملة العوجا هي ملة الكفر، وجاء في شرح صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن «إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا»، أن لها معنيان: أحدهما ما ذكره الشارح -أي ابن حجر في فتح الباري- وهو: أن الملة العوجا ملة الكفر، ومعنى حتى يقيم به أي: حتى يتقي الشرك ويثبت التوحيد. والثاني: أن الملة العوجا هي التوحيد، وسميت عوجاء لميلها عن الشرك كالحنيفية من الحنف وهو الميل، والحنيف هو المائل عن الشرك إلى التوحيد، ومنه وصف إبراهيم عليه السلام حنيفًا، أي: مائلًا عن الشرك إلى التوحيد، ومعنى حتى يقيم به أي: حتى يجعل الدين قائمًا به ومستقيمًا، ومنه قوله تعالى: «دينًا قيمًا ملة إبراهيم حنيفًا» وقوله: «ذلك الدين القيم».وأشار إلى أن التسمي بأهل العوجا بمعنى الانتساب للملة الحنيفية فيه نظر، لأن المسلم مأمور بالانتساب للأسمى، وهو هنا الفطرة، وليس للملة بعد التغيير والتحريف، أما التفسير الآخر لهذه النخوة وهو القول بأنها تعني دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، فهو غير دقيق أيضًا، حيث لا توجد أي إشارة تفيد بوصف ما كان يقوم به الشيخ محمد بن عبدالوهاب في العيينة أنها دعوة عوجاء، كما أن وصف الدعوة بالعوجا بعد أن انتقلت إلى الدرعية، كما ورد في بعض الروايات غير منطقي؛ لأنها كانت تحظى بالقبول والتأييد في مراحلها الأولى في العيينة.الدرعية الأصحوقال الدكتور السماري: إن معنى «العوجا» في هذه النخوة المؤثرة يعود إلى المكان، وهو هنا الدرعية عاصمة الدولة السعودية، وملتقى طرق التجارة والحج من الجنوب إلى الشمال ومن الشرق إلى الغرب والعكس، ومنطلق بناء دولة راسخة وقوية وذات نفوذ واسع، مشيرًا إلى أن الافتخار هنا أصبح مرتبطًا بالمكان الذي قدم الوحدة والدولة الذي ارتبط به أيضًا افتخار آخر؛ هو أن طبيعة الدرعية كمدينة على ضفاف وادي حنيفة المتعرج جعلها مصد اعتزاز وقوة لأهاليها والتابعين لها. وأشار الدكتور السماري إلى أن هذه النخوة ممتدة عبر تاريخ الأسرة المالكة «آل سعود» العريق في وسط الجزيرة العربية، الذي نتج عنه تأسيس الدولة السعودية إلى يومنا هذا، حيث كانت نخوة أجدادهم آل مقرن مثل «خيّال العوجا».قصائد قديمةوأضاف: الشعر هو مصدر من المصادر التي تدل على المعاني المقصودة، وبالرجوع إلى العديد من القصائد القديمة يتبين أن الشعراء استخدموا كلمة «العوجا» بكل وضوح للدلالة على المكان وهو الدرعية، وتأتي هذه الكلمة «العوجا» لوصف الدرعية التي تتسم من الناحية الجغرافية الطبيعية بالموقع غير المستقيم، والذي فرضه تكوين المنطقة على طرفي وادي حنيفة المتعرج، وهو ما أشارت إليه المعاني اللغوية لكلمة «العوجا»، حيث تبين إطلاقها في الغالب على وصف الشيء المادي بالإعوجاج.دلالة الاستمراروأشار إلى استمرار استخدام هذه النخوة في عهد الملك عبدالعزيز - رحمه الله- للدلالة على ارتباط المملكة العربية السعودية بمنطلق تأسيس الدولة السعودية في الدرعية، وإذا نظرنا إلى عدد من القصائد المبكرة والمتأخرة نجد أن كلمة «العوجا» استخدمت لاستنهاض الهمم والفخر والاعتزاز لدى الأهالي في البلاد السعودية، والأهم من هذا هو استخدام كلمة «العوجا» للدلالة على أنها تعني المكان، وليس كما ورد في بعض الآراء الأخرى.ومن ذلك مثلًا ما قاله الشاعر محمد أبو نهية:وأبكي على عوجا ربينا بربعهاصغار كبار نشتري ونبيعوقال الشاعر فهد بن دحيم:ليا قيل أبو تركي من العوجا ظهرتزلزلت نجد ورقص شيطانهاواشتهر الملك فهد بن عبدالعزيز قوله:حنا هل العوجا ولا به مراواةشرب المصايب عندنا مثل شرب الفناجيلمدلول تاريخيوحرصت الدارة على نشر كتاب «أهل العوجا» لتوثيق مدلول تاريخي وطني مهم وأثره الحماسي في النفوس، وتضع يد الأجيال المقبلة على مدلول هذه الكلمات التي كتب الله لها البقاء على الألسنة، بما التصق بها من معانٍ سامية ومقاصد نبيلة، وستستمر في المستقبل لتكون منطلقا مستمرا لتعزيز الانتماء والفخر بتاريخ المملكة العربية السعودية العريق. أخبار متعلقةقطاع النقل والخدمات اللوجستية.. عصب الاقتصاد الوطنيرحلة التقنية.. منجزات نوعية منذ عهد «المؤسس» إلى عصر «الرؤية»
مشاركة :