بداية لابد من تحديد مصطلح الأسواق الناشئة Emerging Markets ، فكما لاحظت بعض الدراسات أن المصطلح كثيراً ما أثار الجدل، لأنه تعبير يفتقر في مدلولاته التركيبية اللغوية إلى الدقّة حتى أصبح يخلط بين دول ناشئة تمتلك قدرة كبيرة على المنافسة في الأسواق العالمية، وأخرى ما زالت تعتمد في نموّها على الزراعة واستخراج النفط والمعادن والثروات من باطن الأرض. وينحو الأغلبية إلى استخدام المصطلح لتوصيف أسواق تتوزع في آسيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية والشرق الأوسط وإفريقيا باعتبارها تحظى باهتمام مديري الشركات الكبرى متعددة الجنسية لما تتمتع به من فرص استثمارية واعدة في الوقت الراهن (على أقل تقدير)، وتحتكم إلى مقوّمات وشروط الاستدامة. إن كافة المحللين ينتابهم القلق بشأن المخاطر التي ينطوي عليها اقتصاد عالمي راكد باطراد. وأحد الأسئلة المهمة التي تواجه العالم عام 2016 وهو عما إذا كانت بلدان من قبيل الهند وكوريا وتايوان وغيرها من الأسواق الناشئة ستصاب بأزمات اقتصادية، تماماً على غرار ما فعلته عام 1997. ففي خاتمة المطاف، في يوليو من ذلك العام أدى حدث يبدو أنه ليس على قدر عال من الأهمية في توليفة الأمور العالمية - تخفيض قيمة الباهت التايلاندي - إلى أزمة مالية انتشرت من إندونيسيا إلى كوريا الجنوبية وأطبقت في نهاية الأمر على بلدان بعيدة بقدر بعد روسيا والبرازيل. وانهار النمو في تلك البلدان، وجفت تدفقات رأس المال، وارتفعت معدلات الفقر ارتفاعاً كبيراً، وتم تفادي انهيار مالي عالمي بصعوبة. ثم شهد عام 2008 أزمة مالية طاحنة في أسواق الاقتصادات الناشئة نتيجة هروب الاستثمارات الأجنبية منها. ولكن لأن الاقتصاد الأمريكي وغيره من الاقتصادات المتطورة سعت لإنعاش نفسها عن طريق ضخ أموال رخيصة في الأسواق، فقد قرر الكثير من المستثمرين الأجانب التحول وإعادة أموالهم إلى الأسواق التي كانوا قد هربوا منها من قبل. وبدءاً من عام 2009 وعلى مدى ستة أعوام تقريباً، تدفق نحو 3.5 تريليون دولار إلى الأسواق الناشئة، ثم قامت لجنة الاحتياطي الفيدرالي بتقليص تدريجي لبرنامجه للتخفيف الكمي ثم إلى نهوه ، ونلاحظ أن السياسات النقدية التي كانت تتبعها واشنطن لا يمكن وصفها بالطبيعي أو العادي مع ضخ كميات ضخمة من الأموال في الأسواق وتدني سعر الفائدة الرئيسي لنحو 0%. ولإعادة الأوضاع لطبيعتها، قررت لجنة السوق الفيدرالية المفتوحة رفع سعر الفائدة بشكل متدرج بدأتها بربع نقطة، وسحب أكثر السيولة المتدفقة على الأسواق. ولا شك أن ارتفاع الفائدة الأمريكية يعني تحسن جاذبية الأصول المقومة بالدولار في أوساط المستثمرين في مختلف أنحاء العالم، وهو ما يعني مزيداً من المكاسب التي تضاف إلى قوة الدولار على حساب عملات أخرى. *كاتب وباحث أكاديمي مصري
مشاركة :