قبل كل مباراة، تتمثل الطقوس المعروفة بالنسبة لأي مشجع أو محلل أو لاعب أو مدير فني في إلقاء نظرة على تشكيلة الفريقين والطريقة التي يلعبان بها، وتكون هناك مناقشات حول المعركة التكتيكية بين فريق يلعب بطريقة 4 - 4 - 2 وآخر يلعب بطريقة 3 - 5 – 2، على سبيل المثال، لكن في العصر الحديث أصبحت الأمور أكثر تعقيداً، ولم يعد اللاعبون يلعبون وفق خطة ثابتة. وبدلاً من ذلك، أصبح اللاعبون يقومون بأدوار فردية ضمن خطة مرسومة وموضوعة بعناية. وأصبحت جميع الخطط هجينة ومتغيرة في الوقت الحاضر، ولم يعد من السهل تعريفها أو وصفها من خلال الطرق التقليدية. ولم تعد الطريقة التي يصطف بها اللاعبون قبل صافرة بداية المباراة تعكس ما سيحدث خلال التسعين دقيقة التالية. وأصبحت كرة القدم على المستوى العالي تشبه كرة القدم الأميركية، حيث أصبح لدى المديرين الفنيين خطط محددة لكل مرحلة من مراحل اللعب. وسيعرف اللاعبون المكان الذي يجب أن يكونوا فيه عندما يكون فريقهم مستحوذاً على الكرة من أجل إيصال الكرة إلى أكثر اللاعبين فاعلية في الثلث الأخيرة من الملعب. وكانت مباراة تشيلسي ضد توتنهام ضمن منافسات المرحلة الثانية من بطولة الدوري هي أفضل مثال رأيته مؤخراً على هذه السلاسة والانسيابية في طريقة اللعب. لقد أحببت حقاً ما كان يفعله تشيلسي عندما كان يلعب بخمسة لاعبين في الخط الخلفي: كان ريس جيمس يلعب على يمين ثلاثة مدافعين، وكان روبن لوفتوس تشيك يلعب في الجهة اليمنى ويقوم بمهام الظهير والجناح. وكان من مهام جيمس مراقبة سون هيونغ مين، وإذا ذهب اللاعب الكوري الجنوبي إلى خط الوسط، كان جيمس يذهب معه، في الوقت الذي كان يغطي فيه زملاؤه المساحة الخالية خلفه. وفي أحيان أخرى، كان جيمس يغير مركزه ليصبح جزءاً من خط دفاع مكون من ثلاثة لاعبين، وكان لوفتوس تشيك يلعب في مركز الظهير الأيمن، وفي بعض الأحيان كان يحدث عكس لهذه الأدوار، وفي مناسبات أخرى كان جيمس يلعب كمحور ارتكاز أو كظهير أيمن. وبالتالي، كان جيمس ولوفتوس تشيك يقومون بثلاثة أو أربعة أدوار في وظيفة واحدة، وهذه هي الجوانب متعددة الأوجه لكرة القدم الحديثة. ويلعب فريق تشيلسي للسيدات تحت قيادة إيما هايز بالفلسفة نفسها. ومؤخراً، ضد ليفربول، كان تشيلسي يلعب بمرونة شديدة فيما يتعلق بالتحرك وتغيير المراكز بين اللاعبات، وكنا نرى في بعض الأحيان لاعبات خط الوسط وهن يلعبن ناحية اليسار، والمهاجمات وهن يتواجدن في مركز الظهير الأيسر. لقد كان هناك الكثير من التغيير في المراكز، وفي بعض الأحيان كان هذا الأمر يحدث أكثر من اللازم. ربما كانت هذه تجربة لمعرفة كيف يمكن اللعب بخطط مختلفة طوال الموسم، خاصة أن هذه كانت أول مباراة للفريقين وكانا يحاولان التعود على مستويات المرونة المطلوبة. غالباً ما تدافع الفرق بأربعة أو خمسة لاعبين، وتهاجم بخمسة أو ستة لاعبين. لقد رأينا ذلك كثيراً تحت قيادة جوسيب غوارديولا في مانشستر سيتي، حيث اعتاد المدير الفني الإسباني أن يطلب من ظهير الجنب أن يدخل إلى عمق الملعب، والآن نرى ظهيري الجنب يدخلان إلى خط الوسط، من أجل زيادة الفعالية الهجومية، وهو الأمر الذي يسمح للفريق بالهجوم بستة لاعبين. في الحقيقة، لا يمكن تصنيف لاعب مثل كيفين دي بروين على أنه يلعب في مركز واحد، حيث يتحرك النجم البلجيكي في الأماكن التي يمكن خلالها أن يصنع الفارق ويحدث أكبر تأثير ممكن. وبالتالي، فإن المستحيل تحديد دوره بالضبط داخل المستطيل الأخضر. إنه يعرف فقط المكان الذي يجب أن يتحرك به من أجل تحقيق أقصى استفادة ممكنة من القدرات المذهلة التي يتمتع بها، سواء كان ذلك على الأطراف أو في عمق الملعب، وتسمح له طريقة اللعب المرنة بالتحرك في الأماكن الصحيحة في أفضل وقت. هذه نظريات معقدة في كرة القدم، ويتطلب الأمر تدريب اللاعبين كثيراً من أجل أن يفهموا ما هو مطلوب منهم. ويمكن لأفضل المديرين الفنيين تبسيط الأمور حتى يستوعبها اللاعبون. وإذا شاهدت الفيلم الوثائقي الأخير لآرسنال، فستعرف كيف يساعد المدير الفني للمدفعجية، ميكيل أرتيتا، لاعبيه على فهم التعليمات الخططية من خلال رسوماته وتفسيراته الواضحة. ومن الواضح أن غرانيت تشاكا يلعب في دور متقدم داخل الملعب مع آرسنال هذا الموسم، وهناك لاعب آخر يغطي المساحة الموجودة خلفه. يعتقد الناس أن تشاكا لاعب خط وسط بقدرات دفاعية، لكنه يتحرك الآن بشكل مختلف ويلعب بشكل هجومي أكبر مما اعتدنا عليه خلال السنوات الماضية. وإذا ألقيت نظرة على الخريطة الحرارية لتحركاته داخل الملعب، ستجد أنه يتحرك بشكل أكبر في الأمام، نظراً لأن آرسنال يلعب بأربعة لاعبين في الخط الخلفي، لكن عندما يستحوذ الفريق على الكرة تتغير طريقة اللعب للاعتماد على ثلاثة مدافعين، وينتقل أولكسندر زينتشينكو أو بن وايت إلى خط الوسط، وهو ما يسمح لتشاكا بالتقدم إلى المناطق الأمامية. ومن حين لآخر، يتحرك كلا الظهيرين، في الوقت الذي يتراجع فيه توماس بارتي للخلف للتغطية واللعب كمدافع ثالث. في الحقيقة، يتعين على اللاعبين إلى أن يكونوا أقوياء للغاية من الناحية الذهنية وأن يكونوا أذكياء من الناحية الخططية والتكتيكية للقيام بالمهام المطلوبة منهم، كما أن فهمهم للأدوار التي يتعين عليهم القيام بها مهم للغاية بالنسبة لأي فريق. ويتمثل أحد الأسباب وراء هذه التغييرات الواضحة في الخطط التكتيكية في الاستخدام المتزايد - والهام - للأرقام والإحصاءات. فهناك قدر لا يُصدق من المعلومات المتاحة للمديرين الفنيين، بدعم من فرق المحللين الذين يمكنهم المساعدة في تحقيق أقصى استفادة ممكنة من هذه الإحصائيات. ومع تحسين اللياقة البدنية للاعبين، يمكن لمدربي الخطط التكتيكية ومحللي البيانات القيام بأشياء مختلفة من خلال تحقيق أقصى استفادة ممكنة من الإحصائيات والخرائط الحرارية للاعبين. يحدد المديرون الفنيون نقاط الضعف في الفرق المنافسة، ويحاولون استغلالها من خلال إسناد أدوار إضافية لأحد اللاعبين. على سبيل المثال، إذا كانت هناك نقطة ضعف في الجانب الأيمن للفريق المنافس، فقد يكون وجود لاعب إضافي يقوم بدور محدد في تلك المنطقة أمرا بالغ الأهمية. لقد أصبح كل شيء يعتمد الآن على الإحصائيات: السرعة التي يركض بها اللاعبون، وعدد التمريرات التي يقومون بها، ومعدل التمريرات الصحيحة، وعدد الأخطاء، والتسديدات، والتصديات. ولم يعد بإمكان أي مدير فني الآن الاستغناء عن هذه الإحصائيات. لقد أصبحت كرة القدم بيئة ديناميكية تتكيف وتتغير دائماً نحو الأفضل، ولم تعد الخطط التكتيكية تقتصر على التشكيلات الثابتة. تستخدم أفضل الصناعات الأبحاث من أجل التحسن والتطور، وكرة القدم تفعل ذلك باستخدام الإحصائيات لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من نقاط قوتك ونقاط ضعف الآخرين.
مشاركة :