أفكار متناثرة عن الحرب والغطرسة لو كان الغرب يريد تدمير روسيا ما كان ساعدها في أن تخرج من محنة انهيار الاتحاد السوفييتي ولكن فلاديمير بوتين هو الذي يريد تدميرها بحماقته وغطرسته وأفكاره السخيفة عن العظمة. عندما تصبح الهزيمة واضحة - القوة العظمى الحقيقية تعرف متى تقبل الهزيمة. عندما كان الاتحاد السوفييتي قوة عظمى حقيقية، تقبل الهزيمة في أفغانستان. وعندما أصبحت روسيا قوة عظمى هزيلة، صارت تهدد بأسلحتها النووية. الولايات المتحدة قبلت الهزيمة عدة مرات، وظلت قوة عظمى لأنها تعرف متى تنسحب. - الكرامة الوطنية تنفع في صنع مكان في السياسة، إلا أنها لا تنفع في الحرب. موازين القوى العسكرية على الأرض لا تأبه بالكرامات الوطنية. غزا العراق الكويت في العام 1991، بدافع من كرامته الوطنية، وعاد منها بلا جيش ولا كرامة. القوات الروسية دخلت الحرب بالآلاف من الدبابات. كان ذلك شيئا سخيفا وأحمق بالفعل. فتم تدميرها، وهجرها جنودها أنفسهم لأنها أصبحت صيدا سهلا في ذلك الوقت، كان فلاديمير بوتين ما يزال “صبيا” (عمره 39 عاما)، فلم يفهم ولم يتعلم. - كان يمكن لروسيا أن تكسب الحرب من دون أن تدخلها فعلا. الحجج التي انطلقت منها روسيا في مواجهة أوكرانيا كانت كافية لكسب موطئ قدم فعلي، يضمن تطبيق اتفاقية مينسك، وعدم التحاق أوكرانيا بالأطلسي، وتحافظ على روابط النفوذ الناعمة، بينما قدمت أوكرانيا إيحاءات واضحة بإمكانية التنازل عن شبه جزيرة القرم. الدرس الذي لم يفهمه بوتين هو “أن التهديد بالقوة أفضل من استخدام القوة”. - الغرب لا يريد تدمير روسيا. بوتين هو الذي يريد تدميرها. لو كان الغرب يريد تدمير روسيا ما كان ساعدها في أن تخرج من محنة انهيار الاتحاد السوفييتي، ولا كان وضع فيها استثمارات تزيد على تريليون دولار، ولا كان فتح لها أبواب الالتحاق بعالم القوى الصناعية الكبرى التي كانت سبعة فصارت ثمانية (قبل أن يتم طردها بعد غزو شبه جزيرة القرم). ولا كانت ألمانيا رهنت نفسها للغاز الروسي لتقدم لميزانية بوتين المئات من الملايين مطلع شمس كل يوم. ولكن بوتين هو الذي يريد تدميرها بحماقته وغطرسته وأفكاره السخيفة عن العظمة. - القوة العظمى ليست أسلحة نووية. الهند وباكستان وكوريا الشمالية وربما إيران أيضا تملك، أو يمكنها أن تملك، أسلحة نووية، إلا أن ذلك لا يصنع منها قوى عظمى. القوة العظمى الحقيقية تجدها في التكنولوجيا والعلوم والصناعة والزراعة والتعليم والإعلام والأدب ومستويات الرفاه الاجتماعي وحجم الناتج الإجمالي. روسيا نجحت في تطوير قوة صاروخية متفوقة من ناحية السرعة. ولكن جيشها متخلف تكنولوجيا الولايات المتحدة تقود “النظام الدولي” بهذه المعايير، لا بأسلحتها النووية. الاقتصاد الروسي، كله على بعضه، لا يساوي اقتصاد دولتين متوسطتين في الاتحاد الأوروبي، ليس بينهما ألمانيا ولا فرنسا. - عندما تخوض حربا، فإن قوتك تصبح عارية. قد لا ترى عريك خلال الحرب، ولكن نشر الأسلحة واستخدامها، وإدارة مواردها، تكشف الكثير من تفاصيل القوة. فلا يعود بوسعك المناورة أو تقديم الإيحاءات عن حجمها الضخم. روسيا عارية تماما الآن. عدا التهديد بالأسلحة النووية تكاد لا تملك ما يستحق الذكر. لا تملك شيئا لا يمكن تدميره وتكسير عظامه. عندما اكتشفت روسيا عريها، ارتدت ثياب التهديد بالنووي. - الإعلام الدعائي لا يرفع المعنويات ولا يخدم أي قضية. عالم اليوم لم يعد يقبل الإعلام السطحي ذا التوجه المدفوع بدوافع عظمة وهمية، أو تفوق قومي، أو عنتريات قوة. بدائل المعلومات كثيرة. والاعتبارات المنطقية للحقيقة لا تطيل الغياب. الروس شبعوا إعلاما سطحيا يزعم أنه وحده الذي يعرف الحقيقة. في عالم مفتوح، الأكاذيب والمبالغات ليست سلعا معمرة. - علائم الهزيمة لا يمكن سترها. حتى في عز ساعات الانتصار في المعارك، يمكن لعلائم الهزيمة أن تظهر. يوم نجحت قوات بوتين في اقتحام مدينة ليسيتشانسك، كانت هذه القوات مُتعبة الى درجة أن بوتين نفسه وعد جنوده بالراحة بعد تلك المعركة. كان ذلك أول بشائر الهزيمة التي قدمها بوتين بنفسه، من قبل أن يفترضها أي أحد. المحارب الحقيقي لا يرتاح وهو في وسط المعركة. الكتيبة التي تتعب تحل محلها اثنتان، لا أن تأخذ إجازة من القتال. في تلك الساعة بالضبط بدأت العجلة تدور إلى الخلف بالنسبة إليه. ومنها بالضبط بدأت الأسلحة الغربية تدخل المعركة. - الجيش الروسي ليس مؤهلا لكسب أي حرب، لا تقليدية ولا حتى نووية. دخلت القوات الروسية الحرب بالآلاف من الدبابات. كان ذلك شيئا سخيفا وأحمق بالفعل. فتم تدميرها، وهجرها جنودها أنفسهم لأنها أصبحت صيدا سهلا. نسي ضباط بوتين ما معنى “خطوط الإمداد”، فصار جنودهم يطلبون الطعام من منازل الذين احتلوا أرضهم ودمروا منازلهم. نجحت روسيا في تطوير قوة صاروخية متفوقة من ناحية السرعة. ولكن جيشها متخلف تكنولوجيا. ومدافع هيمارس، التي تقصف أهدافها بتقنية “جي.بي.أس”، كانت كافية بمفردها لتلقن العسكريين الروس درسا ثمينا، يقول إن مدافعهم العمياء التي تقصف المستشفيات والمدارس لا تصلح لخوض معارك حديثة، حتى وصلنا إلى الاستعانة بطائرات مسيرة إيرانية أثبتت أنها ناجحة تماما في ضرب الموقع المجاور للهدف! أما النووي، فحدث ولا حرج. إنها قوة لا يمكن استخدامها أصلا، ولا حتى في ساعة انتحار. الضباط الذين سوف يتلقون الأوامر باستخدام أسلحة نووية، سوف يقصفون الكرملين. - السلام لا يتحقق بالقوة وحدها، بل بالقدرة على تقديم التنازلات أيضا. السلام يتحقق بالقدرة على أن تمنح خصمك نصرا عز عليه أن يكسبه بالقوة! أي أن تعطيه بالسياسة مما كسبته بالقوة. لا تحاول أن تسحقه، لأنه يوم يعود لينهض، سيعود ليطلب سحقك. وهذه دورة مُرّة. الروس، عندما يتم تجنيدهم في حرب ظالمة ينقلبون على الظالم خسرت ألمانيا الحرب العالمية الأولى، فعوقبت وأُذلت كما لم يعاقب أو يُذل أحد. فعادت لتكون أكثر شراسة في الحرب العالمية الثانية. المنتصرون تعلموا الدرس. فبدلا من أن يزيدوا الإذلال، قدموا مشروع مارشال وتعاونوا لإعادة بناء ألمانيا! روسيا بوتين لا تملك المال ولا العزيمة لإعادة بناء ما هدمته في أوكرانيا. هذا أمر يعتزم الغربيون أن يفعلوه بأنفسهم، لكي يكسبوا أوكرانيا إلى الأبد، وتخسرها روسيا إلى الأبد. - المنتصر الحقيقي هو الذي يتصرف مع خصمه كمهزوم. ذات يوم من أيام نهاية الحرب بين العراق وإيران، وبعد أن قرر خميني أن يشرب كأس السم، تمسك العراق بأن تكون آخر طلقة له من دون أن ترد عليها المدافع الإيرانية. وأطلقت المدافع العراقية على طول حدود تمتد 1200 كيلومتر، آخر الطلقات على سبيل الإهانة. قبل الإقدام على ذلك، كان الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز قدم نصيحة لأخيه صدام حسين، تقول: لا تذل خصمك. بوتين لم يفعل غير أن حاول إذلال شعب بأسره، فعاد هذا الشعب ليلقنه درسا. فولوديمير زيلينسكي الذي لطالما سخر بوتين منه، أصبح بطلا حقيقيا، برباطة جأشه، ليس في أعين الأوكرانيين وحدهم، بل في كل مكان (باستثناء محطات التلفزيون الروسية). - الذهاب إلى أي حرب بقناعات أيديولوجية وصفة مسبقة للهزيمة. نظرية استعادة أمجاد الإمبراطورية الروسية ليست سوى نظرية أوهام ومشاعر غطرسة. لو أنها كانت جديرة بالحياة لما كانت قد تعرضت للانهيار مرتين. الأولى بسقوط الإمبراطورية القيصرية والثانية بسقوط الاتحاد السوفييتي. السقوط الثالث، هو هذا الذي يصنعه بوتين الآن. - بوتين يعرف أنه يخسر احترامه في الغرب، فيبالغ في التصعيد. إعلان التعبئة “الجزئية” كان في الواقع محاولة فاشلة لرد الاعتبار لماء وجه مسكوب. 300 ألف جندي إضافي لن يغيروا الكثير في هذه الحرب. دخلت روسيا الحرب بـ120 ألف جندي أصلا، فغرقوا في مستنقع من الخسائر. نصف هذه القوة على الأقل أصبح خارج المعركة، حتى صار الباقون يؤثرون الهرب. هؤلاء الجنود هم كل ما بقي لروسيا. ولن يطول الوقت حتى يعلن بوتين التعبئة العامة، لتجنيد كل قادر على حمل السلاح، أو ما يصل إلى نحو 25 مليون إنسان. الروس، عندما يتم تجنيدهم في حرب ظالمة ينقلبون على الظالم. هذا ما حصل في العام 1917. هل يحتاج التاريخ أن يتكرر كمهزلة؟ كل هذا إنما يدل على أن بوتين مصاب بلوثة عقلية. خائف. مذعور. يدرك الآن أنه ارتكب خطأ، ولكنه يعجز عن الاستدراك فيه. وكل خياراته خاسرة. وكلما بالغ في التصعيد كلما خسر المزيد من ماء الوجه. - المهزوم لا يفرض شروطا. غنيمته الإياب بعار ما كسب. عندما كان الاتحاد السوفييتي قوة عظمى حقيقية، تقبل الهزيمة في أفغانستان. وعندما أصبحت روسيا قوة عظمى هزيلة، صارت تهدد بأسلحتها النووية عندما تصبح الهزيمة واضحة، فإن التصعيد لا يوفر شروطا أفضل. إنه فقط يزيد الطين بلّة. يقول المثل “إذا وجدت نفسك في حفرة، فأول ما يتوجب أن تفعله لتخرج منها، هو أن تتوقف عن الحفر”. بوتين يواصل الحفر، ويصر عليه، لكي لا يخرج من الحفرة أبدا. والحرب مثل جهنم، كلما ألقيت فيها حطبا، قالت هل من مزيد؟ ولكن تنجو بالحطب، فقط عندما تتوقف عن الغطرسة. لا تأمل بأكثر من ذلك. - ابتداع “عدو” لأجل خوض الحرب، لا يصنع نصرا مطلقا. الأوكرانيون ليسوا أعداء لروسيا. تهجيرهم وهدم منشآتهم وبنية بلادهم التحتية كان عملا من أعمال الحقد المريض والمجرد. الحقد، ولأنه نوع من العمى، لا يصنع انتصارات. يصنع هزائم فقط. مع الحقد لن تعرف لماذا يتم قصف السدود. الحقود لا يكسب. لا يجب أن يكسب. ولا بأي ثمن. والروس ليسوا أعداء لأوكرانيا. يعتبرونها امتداد لتاريخهم وثقافتهم. وبينما كان يمكن لجسور التاريخ والثقافة أن تصنع سلاما وجوارا حسنا، على أساس الاحترام المتبادل لهذه الجسور، إلا أن بوتين قصفها، لأنه لا يؤمن بالتاريخ ولا بالثقافة. فعل ذلك لأنه هزيل الثقافة، لم يعرف من التاريخ إلا ما يعجبه، فلم يعرف من أين يُكتسب الاحترام أصلا. - روسيا أكبر وأصغر بلد في العالم. تزيد مساحة روسيا على 17 مليون كيلومتر مربع. إنها أكبر بلد في العالم. أكبر من الصين وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا مجتمعة. ما يجعلها في غنى عن التوسع في أراضي الغير. الحرب من أجل التوسع، جعلتها أصغر بلد من حيث المكانة والروابط. الطمع في أراضي الغير يعني أنك لا تفهم ما لديك، ولا تحترمه ولا تستحق أن تكون رئيسا عليه. - نهايات المجانين متشابهة. علي الصراف كاتب عراقي
مشاركة :