ما من شك في أن الحرية تُخيف. قد يسلب النجاح المرء جزءا من حريته. من غير تهويل فإن الفشل يكون متوقعا بالنسبة إلى الناجح. أما الفاشل أصلا فإنه لا يتوقع شيئا من ذلك. ولكن ما علاقة الفشل والنجاح بالحرية؟ غالبا ما تكون الدول الفاشلة قد انتهت من مسألة الحرية أو تجاوزتها باعتبارها عقبة مفترضة يمكن لإزالتها أن تشكل نوعا من السبيل للخروج من النفق، أما الدول الناجحة فإنها تتعامل مع الحرية كونها عنصرَ تحدّ. فكلما ازداد حجمه تعددت فرص النجاح. في كل الأحوال يظل الأمر رهينا بثقة الدولة بالشعب الذي تدير شؤونه. فالحرية هي عنوان تلك الثقة. حين يفشل النظام في مد جسور الثقة مع الشعب فإنه يقوم بالتضييق على الحريات الشخصية انطلاقا من شعوره بالحرج خوفا من الفضيحة. ذلك ما حدث في سوريا التي كان شعبها متقدما على النظام في فهم حاجته إلى الحرية. أما في لبنان فقد نشأت القطيعة بين الطرفين منذ أن اكتشف الشعب أن الطائفية إنما أقيمت من أجل أن تكون الدولة موزعة ومشتتة وهو ما يخدم استمرار نظام فاشل وبقائه. وإذا ما نظرنا إلى الدولة الدينية التي أقامها الخميني عام 1979 في إيران سنرى أن تلك الدولة قد أُقيمت خدمة لفكرة عقائدية هي «الولي الفقيه»، وهي في ذلك لم تكن لتضع إمكاناتها في خدمة الشعب إلا إذا تخلى الشعب عن حريته. أمثلة سيقدم عليها العراق في ما بعد بسبب انهيار القيم القديمة وإنشاء دولة يكون النظام السياسي مرآتها. وهو نظام طائفي لا ينتمي إلى مفهوم الدولة الحديثة. لا شك أن إيران دولة تركز على القوة العسكرية. وتكمن قوتها في السلاح وسباق التسلح. ولكنها دولة لا تثق بشعبها. وهي لا تملك أيّ مساحة متاحة للحرية. حرية الشعب هي فقرة منسية ومهملة بل هي الخط الأحمر الذي يجب عدم الوصول إليه. كلما أرادت الشعوب الإيرانية أن تعبّر عن حريتها أو حاجتها إلى الحرية اشتعلت حرب بين الطرفين. الشعب والنظام. ليس في إمكان ملالي إيران أن يستفيدوا من تجربة الاتحاد السوفيتي السابق. ذلك الهرم العملاق الذي تهاوى من الداخل. كلمة واحدة من رجل أطاحت بنظام مركب ومعقد وبوليسي. فجأة تفككت تلك الدولة التي كانت تُخيف العالم الغربي وانتهى النظام الشيوعي إلى غير رجعة. لقد اكتشف ميخائيل جورباتشوف أنه يقود دولة فاشلة وشعبا محبطا وخائفا ومقيدا ومحروما من الحرية. تلك الحقيقة سيظل النظام الإيراني يقاومها وهو في ذلك يمثل قدوة للأنظمة السياسية في العراق ولبنان وسوريا التي تتبعه بغباء أو عمى أو لشعورها العميق بالفشل من جهة قدرتها على الاستمرار من غير حمايته من عدوّها في الداخل. سيكون صحيحا القول إن شعوب الدول التابعة والخاضعة للهيمنة الإيرانية قد ضيعت الكثير من الفرص للتحرر من الانزلاق إلى تلك الهاوية من خلال الصمت والانتظار والتفاؤل المريض. تلك مقاربة واقعية غير أنها لا تمثل الحقيقة كلها. هناك لاعب أو لاعبون دوليون كانوا قد خططوا ورسموا وموّلوا ونفّذوا كل ما جرى ويجري. فالمواجهة بين الغرب وإيران ليست حقيقية في كل المجالات. هناك خلافات بين الطرفين غير أنها لا تمسّ السياسة الإيرانية في المحيط الإقليمي. لذلك نرى أن الشعوب الإيرانية تعلن ما لم يعلنه العرب من احتجاج على تلك السياسات ليس حبا بالعرب ولكن احتجاجا على ما تتطلّبه الهيمنة الإيرانية من نفقات مالية هي من حق الإيرانيين. في ذلك الجانب يفكر الإيرانيون بالمال لا بالحرية. لا حريتهم ولا حرية الشعوب الأخرى. ولكن الخوف من الحرية لا يمكن أن يصنع الإمبراطورية التي يحلم بها قادة الحرس الثوري الذين يستلهمون أحلامهم من مخيلة الولي الفقيه الذي أقام نظاما معزولا عن الشعب ولا يعرف عنه شيئا وليس في رأسه سوى أن يحقق حلم الخميني في تصدير الثورة أي احتلال الدول العربية، كانت هناك وصاية في غير محلها وهي تعبّر عن سلوك يخترق الأعراف الدبلوماسية والقوانين الدولية. ولو أن شعوب تلك الدول كانت تتمتع بالحرية لرفضت تلك الوصاية وقطعت جذور تلك المشكلة. لا يملك الإيرانيون أن يفرضوا سلاحهم على شعوب ترفضهم. في ذلك يمكن أن تُلام الشعوب ولكن الوقت صار متأخرا. ما يحدث اليوم في إيران وما سيحدث غدا إنما يمهد لنهاية النظام الإيراني الذي تنتهي معه الدول الفاشلة التي أقامت أنظمتها على غراره. { كاتب عراقي
مشاركة :