الشعر يسيل من وجدان بدر شاكر السيّاب كما يسيل المطر من السحاب، إنه كجرير يغرف من بحر، وهو، مثله، عَذْبُ الجَرْس، مُبدع الصورة، حلو الشعر، اختلاف السياب عن جرير أن الأول جرّب وجدّد، ولعله أول من قال شعر التفعيلة.. السياب أحب كثيراً، وقال في معشوقاته شعراً كثيراً، ولكنه حين مرض وضعف لم يجد غير زوجته الصابرة على طول السنين، زوجته (إقبال..) فطلب منها الحب واعترف لها أنه أحب كثيرات ولم تحبه واحدة منهن - يقول- ولا أعتقد أنه في حاجة لطلب الحب من هذه الزوجة الكريمة الصابرة، فهي كانت تحبه وتصبر على (شقاوته) ربما أراد بهذا الاعتراف أن يداوي جروحها لكنه زاد في عمق الجروح، فاعتراف الزوج أنه أحب كثيرات وعاش هنا وهناك، ولم يعد لزوجته إلّآ وقت الضعف والمرض الأخير.. أمرٌ يُثير العواطف لكنه لا يُداوي الجروح: وما مِن عادتي نكران ماضيَّ الذي كانا ولكن كل من أحببت قبلك ما أحبوني و لا عطفوا عليَّ .. عشقتُ سبعا كُنَّ أحيانا ترفُ شعورهن عليَّ تحملني إلى الصينِ وهأنا كل من أحببتُ قبلكِ ما أَحَبُّوني وأنتِ لعلّه الإشفاق إذا ما كان عطف منك لا الحب الذي خلاه يسقيني كؤوسا من نعيم.. آه هاتي الحب رويني أحبيني لأني كل من أحببت قبلك لم يحبوني)! وفي لحظاته الأخيرة يوجه لزوجته هذه المشاعر الكسيرة، ويوصيها بطفله (غيلان). «من مرضي.. من السرير الأبيض من حُلمُيَ الذي يُمدُّ لي طريق المقبرة أكتبُها وصية لزوجتي المُنتظرة وطفليَ الصارخ في رقاده: «أبي أبي» دونَ يقين أن يعودَ في غدٍ لداره: (إقبالُ) يا زوجتي الحبيبة: لا تعذليني ما المنايا بيدي ولستُ لو نجوتُ بالمُخَلَّد كوني (لغيلان) رِضى وطيبَةْ كوني له أباً وأُماً وارحمي نحيبَهْ وعلِّميه أن يُلينَ القلبَ لليتيم والفقيرْ»
مشاركة :