اليوم نحن في مفترق طرق إما أن نصلح أو لا نصلح اقتصادنا للوصول إلى المفهوم الشامل للاقتصاد الحديث، وأعتقد أن الحراك القائم خلال هذا العام سيركز على الإصلاحات الاقتصادية والتنمية الشاملة ولكن عبر رفع كفاءة الإنفاق وتعدد مصادر الدخل ومراجعة منظومة الدعم الحكومي للحفاظ على المال العام. اليوم من أهم التحديات التي ستواجه مبادرات التحول الوطني موضوع كفاءة الموظف الحكومي الذي بيده الكثير من مفاتيح الأقفال المقفلة أمام أخيه المواطن في القطاع الخاص الاستثماري المنتج، ونحن نعلم أن من فئة المواطنين الذين تصرف عليهم الدول ما يزيد على أربعمائة مليار ريال كرواتب، هناك من يعانون من ضعف في الإنتاجية وبالتالي فهم من أكبر التحديات التي تواجه برامج التحول وليس الأفكار والمال والمبادرات فكلها حبر على ورق إذا لم نجد من يتبناها ويعتد بها ويحولها إلى برامج تنموية على أرض الواقع وإلا فلن يكون هناك تحول . اليوم أشبه تلك المقاومة من قبل الموظف العام للإنتاجية كالذي يحدث في الجسم البشري عندما تقاوم كريات الدم البيضاء ودفاعات الجسم أي أجسام غريبة حتى وإن كان ذلك علاجاً أو زراعة لعضو قد يترتب عليه بقاء الإنسان من عدمه مما يضطر المعالج إلى إعطاء الشخص أدوية لتقلل من رفض الجسم لهذا الدواء أو العضو المزروع... وهذا ما ينطبق على الممارسات غير الناضجة للكثير ممن يمارسون الوظيفة العامة بخلق العراقيل والتعقيدات وتطويل الإجراءات أمام أي مستثمر سواء كان صغيراً أو كبيراً . اليوم ما دام الموظف الحكومي والمسئول يعتقد أنه الحاكم بأمره وأنه يملك مفاتيح اللعبة وهو من يمنح أو لا يمنح الترخيص أو أي ورقة، وأن توقيعه يحل ويربط وأنه هو النظام والقانون ولا يعلو عليه نظام أو قانون فسنجد أمامنا حالة من الانفصام والازدواج في الشخصية الوطنية ما بين فئة تخطط وتبادر وتحلم وتصلح وفئة تغرد بطريقتها وتلعب بعصا المسئولية والأنظمة خارج إطار التنمية الشاملة، وهذا مرض تنموي اجتماعي كثير التعقيدات والتشابكات والمصالح . وما دمنا في سيرة التحول وتنويع مصادر الدخل ، أعتقد أن أمامنا حزمة من النشاطات التي كانت تقوم بها الدولة وبالذات الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليم والتي يفترض أن تتاح للقطاع الخاص الاستثمار فيها والشراكة مع الدولة وتقليل العبء على ميزانية الدولة ولكن المراقب والممارس للواقع يجد أن الوزارات المعنية بتلك الخدمات مازالت لم تعرف أو لا تريد أو لوجود تعارض مصالح تجعلها تتجه نحو تعقيد كل من يريد أن يشاركها في تقديم الخدمة، ويجد المستثمر الصغير أو الكبير أنه يشحذ منهم الموافقات والتنازلات ونجدهم أشداء ويتفاخرون في وسائل الإعلام بأنهم أقفلوا المنشأة تلو المنشأة لأبسط المخالفات تاركين القطاع الخاص الفتي دون رعاية وإرشاد ودعم وبالمقابل نجد المؤسسات الحكومية التي يشرفون عليها من حفرة إلى دحديرة من المخالفات وعدم الالتزام بالاشتراطات ... ولكنهم لا يقفلونها أو يحاسبونها فكيف نريد أن نقود سفينة التحول بوجود ربابنة مثل هؤلاء . أعتقد أن سياسة التحول تحتاج إلى تحول باتجاه إعادة هيكلة مفاهيم وسلوكيات موظفي القطاع العام قبل الطلب من القطاع الخاص المشاركة..
مشاركة :