في رواية "نشوق" للروائية الشابة السعودية شهد الغلاوين الصادرة عن منشورات ضفاف ودار الامان، حكاية امرأة طحنتها الحياة وضاعت منها الاختيارات ولم تجد امامها سوى أن تدوس على شرف أخلاقيات المجتمع، حين جرّمها على الرغم من أنها ضحية ذنب لم تقترفه، هذه الرواية التي وصلت لقائمة البوكر بالرغم من منعها في السعودية ودول الخليج العربي تتناول نظرة المجتمع وتعاطيه مع مجهولي الهوية وكيف لامرأة استطاعت أن تلوي عنق المجتمع لتعيش بقوانينها هي، تقول شهد عنها: هي رسالة لكل المجتمعات التي تدين هذه الفئة بذنب لا يد لها فيه، كما تؤكد أن لكل فتاة حقا في إيصال أفكارها لمجتمعها دون أن توصف بأنها فتاة سيئة، كذلك نجد في هذه الرواية تعاطيا للحب بصورة فلسفية لا ترتبط، لا بزمن ولا عمر محدد او نوع العلاقة.. عن الرواية وأجوائها كان لنا مع الروائية شهد الغلاويين هذا الحوار: * عنوان الرواية "نشوق" ومحتواها محملة بمفردات شعبية محلية تكاد تندثر. فهل تخاطبين القارئ المحلي حصرا؟ - الرواية هي رسالة لكل المجتمعات التي تدين مجهولي الهوية بذنب لا يد لهم فيه، ولم تكن لمجتمع بعينه وحين أقول تدين أي أنها لم تتعايش معهم بالطريقة المناسبة، فأكبر وجع ممكن أن يتحمله الإنسان حين يشعر أنه غير مرغوب فيه في محيط الأصدقاء أو الأقارب فكيف يتأكد أنه في الحقيقة غير مرحب فيه بهذا العالم وممن؟ من قبل الأم التي أنجبته وبخصوص مفردة نشوق لها ارتباط روحي ووثيق بيني وبين والدي (رحمه الله) وهي بالأصل مفردة شعبية دارجة جدا وقديمة في أغلب المجتمعات العربية ولم تندثر حتى الآن لكن أصبحت هناك أمور بديلة عنها وأتت في سياق العمل كرائحة وكذاكرة وشغف وأيضا كمزاج. * بداية الرواية كانت مقدمات واهداءات متعددة ما سبب اتخاذك هذا المنهج؟ - الإهداء الأول يخصني كمؤلفة في كل عمل. والاهداء الاخر هو بوابة الدخول لعوالم الرواية وبما أن العمل سيرة ذاتية لامرأة ما بعثتها لكاتب تعشقه لينشر سيرتها عنونتها باهداء خاص له والذي بدوره قدم العمل فقط بمقدمة بسيطة وترك التفاصيل ترويها كما هي دون تدخل في صياغتها. *في روايتك "نشوق" التي رشحت لجائزة البوكر، كان موقفك نقديا واضحا، كيف وجدت تقبل المجتمع لموقفك الجريء جراء قضية حساسة له؟ - فئة مجهولي الهوية قضية معاشة داخل كل مجتمع ولا يمكن لأي مجتمع تجاهلها وإقصاء الأعمال التي تطرحها كذلك لا يمكن أن تمر عند حدث كهذا برمزية لذا تعمدت المباشرة حين تركت الراوي يتحدث بصوته وكأنه يسرد سيرته الذاتية بلا رتوش.. أردت أن أطرحها بتصالح تام مع كل ماشعرت به حتى مع أقبح الأشياء التي ممكن أن تطرأ على مخيلة أحد من فئة مجهولي الهوية لأني بالحقيقة لم أقتحم القضية بمخيلتي فقط كما يفعل الكتاب إنما تحدثت قبل الشروع في الكتابة مع البعض من مجهولي الهوية وجدت الحلقة الأضعف المرأة.. لكن ذلك لا يعني أن الرجل متصالح مع حقيقته إنما لم يكن لديه هاجس الانتقام من نفسه وتشويه ذاته كما تفكر المرأة حين تنخرط بحياة لا تشبهها فقط لتتماشى مع حقيقة كونها خطيئة لذنب لم ترتكبه، أردت في وقتها أن ألمس الوجع كما هو دون أن تتلاعب مخيلتي على وتر الاستعطاف لأن آخر ما أفكر فيه بالكتابة أن أستعطف القارئ بشكل عابر دون أن أترك أثرا عميقا بروحه عن هذه القضية.. لذا كتبت بكل تجرد ودون أدنى استعطاف عن كيف تكون الحياة حين تكون هامشا وبلا هوية؟ لذا السؤال الذي أوجهه للقارئ كيف تمارس الحياة حين تكون بلا هوية؟ *روايتك تحمل تصورا فلسفيا للحب. هل هو إيمان بذلك؟ -الحب حالة لها قداستها لا ترتبط بزمن ولا بعمر محدد، لا يمكن أن تكون علاقة روتينية لذا تغيرت قناعاتي حول الحب كعلاقة لا يمكن أن أقف بصف الزواج عن حب كما كنت سابقا الزواج علاقة معاشة وروتينة ولها ديمومتها حسب الظروف المتاحة والحب حالة روحية مختلفة لا يمكن أن تستهلك الحب كحياة وتقيد عاطفتك بظروف لا يمكن ان يتعايش معها الحب لأن التقيد بمسألة الحب يشوهه، لذا الحب حالة عابرة كالأشياء الطارئة أو المشاهد القديمة والتي بقيت من وجه الطفولة أو كضحكة عميقة في محطة عابرة أو كنظرة سجين للسور الخارجي أو كقيد فكرة جريئة في عوالم لا تؤمن بالحرية. * هل ثمة مواضيع أدبية تفرض على كاتبها اتباع هذا النوع الابداعي أو ذاك خصوصا وان روايتك "فتاة سيئة" و"نشوق" تناقش قضايا اجتماعية / انسانية / نفسية عميقة؟ - في الحقيقة أنا عاطفية جدا وأميل للكتابة الوجدانية وهو ما يدفعني للكتابة عن قضايا اجتماعية وانسانية لأننا في داخل هذا المجتمع ونتعايش بشكل أو بآخر عما يؤثر في عواطفنا لذا الكاتب في تصوري لا يكتب عن أمر ما إلا حين يلمسه ويترك أثرا عميقا بروحه وحين كتبت فتاة سيئة عايشت ما عايشته كل فتاة في فترة المراهقة وتخبط القرارات والحالة النفسية التي تمر بها حين تكون بين حياتين وقرار مصيري .. لذا أغلب ما وصلني من ردود فعل حول العمل كان من فتيات عشن نفس التجربة لدرجة كل رسالة وصلتني كان في سياق ماجاء فيها (هذه الرواية قصتي.. وكأنك تكتبين عني بأدق التفاصيل)، أما في نشوق لم تأخذ حقها في التوزيع بسبب المنع وما وصلني من ردود جيدة حتى الآن رغم أن هناك صدمة للقارئ في سياق الأحداث وهو ما أثار فضولهم واشمئزازهم من العمل في نفس الوقت. *استنادا لروايتك الاولى " فتاة سيئة " متى تكون الفتاة سيئة بالقدر الذي يشوهها في أعين الناس والمجتمع؟ - دائما لدى الفتاة محاذير كثيرة حول لفظ (سيئة)، ربما طبيعة البيئة والتنشئة والخوف من نظرة الناس وأقاويلهم حول سمعة الفتاة، أوجد هذا الخوف الداخلي لدى كل فتاة من أن تكون وصلت لدرجة السوء الذي يشوهها في عين الناس والمجتمع. وهي لم ترتكب أي محظور متعارف عليه، فالإرهاب الذي يمارس على الفتاة يرتبط بطبيعة جرأة الفتاة من عدمها بحكم التقاليد والأعراف وقانون العادات المتوارثة، لذا أعتقد من حق أي فتاة أن يصل صوت أفكارها دون أن تنعت بالفتاة السيئة. * هل من الممكن استبعادنا من حياة الاخرين لمجرد اننا متحرورن؟ - من لا يقبلك بفكرك وكل تفاصيلك لا يستحق أن يكون في مساحتك، لأن الأمر الوحيد الذي تعيش من خلاله هذه الحياة هي أفكارك.. رؤيتك للأشياء من حولك، وتعايشك وفق ما تؤمن به على الأقل في حدود حياتك الخاصة ومن لا يحترم هذه الحرية من الأولى أن تستبعده عن حدودك ولا تنتظر أمر استبعاده لك، لذة الحياة الحقيقية أن تعيشها بطريقة تفكيرك لا كما يمليه عليك الآخرون.
مشاركة :