في حياتها اليومية، ترْتَدي إيران وَجْهين، الأول: تخرج به حين تتحدث للعالم بوصفها دولة إسلامية ذات تأثر وتأثير، وهنا تطرق على وتر العاطفة ممررة نفسها على أنها «الضعيفة المظلومة»، أما وجهها الثاني: فتلبسه حين تستعد كل مساء للتخطيط برفقة الأصدقاء من ذوي المصالح المشتركة، لرسم الألعاب السياسية الرديئة، وأداء الأدوار التي يكشفها الوقت المتقلب تبعاً لتقلب المصالح وتغير الأفكار التي تدور في الرؤوس. من أخطر ما تفـــعل السيدة «ذات الوجهين»، إشـــغال الرأي العام، وتغيير بوصلة الاهـــتمام من وطن لآخر عبر إحْداثِ الفوضى المتـــقنة، وإشعال النيران المحرِقَة، تسحب -بمكر- دائرة الاهتمام الدولـي من قُطْر إلى قــطر في ظــــرف ساعة واحدة من دون أن يَشُــك متعلق في الشأن العام أن يكون لها أصابع سرية أو نصف يد مستترة في الفعل والتفاعل. باختصار، هي تمارس كل هذه الأدوار السرية وتظهر أمام الملأ في دور البريء النـقي، وإن كانت كشفت تماماً كل هذه الألعاب والحيل. يحدث أن نختلف في الميدان الشرق أوسطي على أشياء كثيرة لكننا نتفق على أن إيران مغذية للفعل الإرهابي حد العار، وشيطان مستتر في كل القضايا والحرائق المشتعلة هنا وهناك. إيران تتــمتع بانتـــفاخ هـــائل، ثــــقة منها في أن الملالي ستقودها إلى بر الأمان فتــــطلق في حضرتـــهم لغات الاعتداء والتهديد والوعيد، ولكنها تحتــــفظ بما رخص من الاعتذارات التي ظنتها يوماً ما صالحة لكل الحالات والصراعات، لكنها في المجمل اعتذارات وهـــمية لا تولد إلا في لحظات الانهزام والافتضاح، وها هــي الألعاب انكشفت وقطعت من الوريد، ولنا هنا أن نضحك حد التمدد على دولـــة تطبّل لحقوق الإنسان وهي تدس السموم والإرهاب، وتغذي الطائفية صباح مساء، وليــتها تبدأ بنفسها ولو لمرة واحدة كي تعالج جسدها المريض من الرأس المعــمم للقدمين المتوترتين. أن تكون «إيران» خلف كل الملفات الشائكة ووراء الألغاز المستعصية -زمناً- على الحل، على رغم التصالح والتغافل وغض الطرف وتصديق الأقوال، فذاك ما يتطلب قوة جماعية صادقة في المقبل من الأيام، ورفضاً قاطعاً لكل حيل التبرير والتظاهر الكاذب بفداحة الذنب، وتتطلب مع هذه القوة تركيزاً لا يسمح بمرور خيط بسيط من حسن النوايا، فأكثر الحكايات التي صفعتنا بها الأيام كانت من تأليفها وحبكها. المرحلة المقبلة تستدعي أن نقف بلا تلون ومن دون خروج عن المسار الحاد في ما يتربع من إجابات فاضحة خلف الأسئلة الحارقة، كالتي تأتي على وزن لماذا تتلون إيران هكذا؟ وما الذي تريده بالضبط؟ وإلى متى؟ ما نتفق عليه وقالته الأيام حتى تاريخه، أن إيران صوتياً «تقول ما لا تفعل، وتفعل ما لا تقول»، ولذا لم يعد من المقبول أن نرضى بضعف تقديم التنازلات من قبلنا، بل على الجسد المريض أن يعالج نفسه أولاً، ومن ثم يذهب إلى الأفعال لا الأقوال، كي نبدأ في حسابات أخرى، لكنها بالتأكيد ستكون أكثر تعقيداً.
مشاركة :