في زمنين مختلفين، تدور رواية «غَرّبْ مَالْ» للكاتب أحمد عطا الله، الزمن الأول رحلة أبي زيد الهلالي وأبناء شقيقته الثلاثة يحيى ومرعي ويونس من نجد إلى تونس لاكتشافها قبل العودة إلى بني هلال في نجد ليقودهم في تغريبة ملحمية بهدف التوطن في ذلك البلد الخصب بعدما ضرب القحط موطنهم المعروف بـ«الهلالية». والزمن الثاني يتضمن حكاية الصحفي (الراوي) انطلاقاً من بداية ارتباطه عبر منصات التواصل الاجتماعي بفنانة تشكيلية عام 2015 قبل أن يلتقيا في بيروت. ويحاول عطا الله في روايته هذه أن يغير الفكرة المتوارثة المعروفة عن ملحمة السيرة الهلالية التي ترتبط عادة في المخيال الشعبي بالصراعات وغبار المعارك والمواجهات، عبر تركيزه على الجوانب الإنسانية والنفسية لأبطال الحكايات العشر من السيرة، منقباً عن التفاصيل الدالة، والمشاعر والمواقف وملامح الأشخاص. ويعتمد المؤلف في «غَرّبْ مَالْ» على الحكاية المنسوبة إلى شخص يدعى «علي جرمون»، وهو أحد الرواة من صعيد مصر لم ينل ما يستحق من شهرة، وكان معروفاً عنه ولعه بالغناء، وكذلك كان أبناؤه من بعده. كما أن في اقتران اسم هذا الشاعر باسم أحد أجداد أبي زيد الهلالي دلالة على ما كان ينتشر في الصعيد من الفخر بالانتساب إلى أحد أبطال السيرة الهلالية. ويمزج الكاتب المصري في روايته الفائزة بجائزة الدولة التشجيعية، سيرة بني هلال الشعبية الأسطورية في التراث العربي مع سرد مليء بالمشاعر لحالة الكاتب نفسه وسيرته الذاتية وحكايته مع حبيبته وحكايات قريته «أبو دياب شرق» في صعيد مصر، ناقلاً صوراً حية ترصد أهلها ورغباتهم وإنسانيتهم وهجرتهم وراء حاجاتهم الحياتية. وقد استغرق عطا الله 4 سنوات في كتابة «غرب مال» من خلال البحث وإعادة صياغة سيرة الشاعر علي جرمون، وربطها بحكايات من الواقع، إلا أنه تماسّ أو تناصّ، بصور مختلفة، مع عدد من الروايات المشابهة التي تحول بعضها إلى أعمال درامية وتلفزيونية. والحال أن السيرة الهلالية عولجت أيضاً في مسلسلين أحدهما مصري والآخر سوري، واستلهمت منها أعمال مسرحية عدة، خاصة مع توثيقها من طرف الشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودي إذاعياً ثم في كتاب، هذا فضلاً عن أشرطة كاسيت، استناداً إلى أشهر صيغها المروية بوساطة الشاعر جابر أبو حسين. ولم ينسَ عطا الله أيضاً مسايرة المرويات الخارقة والخرافية التي ترددت عن السيرة الهلالية وأبطالها، وعلى رأسهم أبوزيد الهلالي الذي صوره على أنه يلقى رعاية خفية من شخصية أسطورية كلما ضاقت عليه سبل النجاة. ولذا ونظراً لتعدد السرديات المتداخلة في هذه الرواية فربما اعتبر بعض القراء أن العمل ثلاث روايات، في الواقع، تبرز مكابدات الإنسان في الحياة والرحلة والغربة والتجارب المستخلصة من الأسفار والتسيار والكشوف الممتدة في المخيال أو الزمان أو المكان، على حد سواء.
مشاركة :