صحيح أن ألمانيا لم تكن الوحيدة التي تصرفت بغرابة، فلقد كانت المجر والنمسا مؤيدتين لبوتين، كما فشلت بلغاريا وجمهورية التشيك وسلوفاكيا في التكيف مع الظروف الجيوسياسية المتغيرة، لكنها دول أصغر بكثير وأقل أهمية من ألمانيا، وبينما سمحت إيطاليا لنفسها بأن تصبح ثاني أكبر مستورد للغاز من روسيا، إلا أنها سرعان ما وجدت موردين بديلين في الجزائر وأذربيجان، ما يعني أن ألمانيا هي من تتحمل المسؤولية. إذن، ما الذي يمكن عمله؟ لا توجد شركة واحدة تسببت في متاعب للاتحاد الأوروبي من خلال تلاعبها في السوق مثل شركة غازبروم، حيث من الواضح أنه لا يمكن التعويل عليها ولدرجة يصعب التعامل معها. إن الحل المثالي هو أن يعاقب أو يمنع الاتحاد الأوروبي شركة غازبروم من المشاركة في أي أنشطة اقتصادية داخل الاتحاد الأوروبي. لقد جاءت حزمة الطاقة لـ2009 بالفكرة الصحيحة فيما يتعلق بالتجزئة، لكنها لم تذهب بعيدا بما فيه الكفاية، فينبغي ألا يسمح لمنتجي ومصدري الغاز بامتلاك مرافق تخزين الغاز في الاتحاد الأوروبي، وعلاوة على ذلك يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى وضع معايير إلزامية بحيث يتم ملء سعته التخزينية بشكل موثوق إلى مستوى أدنى معين. خلال أزمة النفط في سبعينيات القرن الماضي، لم تتردد أوروبا في فرض معايير من أجل توفير الطاقة، حيث يتوجب على أوروبا عمل ذلك مجددا مع البدء بالضغط على ألمانيا للحد من السرعة في قيادة السيارات على طرقها السريعة، وهو ما بدأت دول الاتحاد الأوروبي تطبيقه فعليا، كما يجب على الاتحاد الأوروبي أن يطلب من الدول الأعضاء أن تبقي على محطات كافية للغاز الطبيعي المسال. إن غياب أي منشأة للغاز الطبيعي المسال في ألمانيا هو مجرد واحدة من عديد من أوجه القصور في فترة ولاية ميركل التي امتدت إلى 16 عاما. علاوة على ذلك وبما أن شركات الطاقة الوطنية تريد بطبيعة الحال احتكار أسواقها، فإن العلاقات في مجال الطاقة بين عديد من دول الاتحاد الأوروبي غير كافية أو غير موجودة، وفي حين إن إسبانيا والبرتغال لديهما سعة كبيرة في محطات الغاز الطبيعي المسال، إلا أن سعة خطوط الأنابيب محدودة للغاية بحيث يصعب تزويد فرنسا، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن الفرنسيين حافظوا على سياسة ضيقة الأفق من أجل إبقاء الغاز الإسباني الرخيص خارج السوق المحلية. وبالمثل، فإن سعر الكهرباء في شمال السويد والنرويج أقل بعدة مرات مما هو عليه في الأجزاء الجنوبية من تلك الدول، وذلك يعود ببساطة إلى عدم وجود خطوط طاقة كافية تربط إمدادات الكهرباء الشمالية، "التي يأتي معظمها من الطاقة الكهرومائية"، بالطلب الفاعل الموجود في الجنوب، حيث يجب على الاتحاد الأوروبي أن يطلب من هذه الدول توسيع شبكاتها. أخيرا، تتمتع أوكرانيا بإمدادات هائلة من الطاقة ـ الغاز الطبيعي والكهرباء والبترول ـ التي لا يتم بيعها بسبب المعوقات التجارية التي لا يمكن فهمها في أوروبا، ومن أجل تخفيض أسعار الطاقة المبالغ فيها، يجب على الاتحاد الأوروبي أن يفتح أسواقه وأن يطلب توسيع خطوط أنابيب الغاز وشبكة الكهرباء من أجل إنشاء سوق متساوية. تحتاج المفوضية الأوروبية إلى تحمل مسؤولية أكثر شمولية بالنسبة إلى سياسة الطاقة الأوروبية، لضمان فاعلية عمل سوق الطاقة وحماية الأوروبيين من السياسيين غير المسؤولين وغير الأكفاء على المستوى الوطني. لقد كانت حزمة الطاقة لـ2009 خطوة في الاتجاه الصحيح، لكن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى أن يذهب أبعد من ذلك، فخلال العام أو العامين المقبلين، يجب أن تكون أوروبا قادرة على أن تعلن أنها أصبحت مستقلة تماما عن الروس المتقلبين. خاص بـ «الاقتصادية» بروجيكت سنديكيت، 2022.
مشاركة :