يحفز الفلاسفة الناس على تهديم المسلمات من خلال طرح التساؤلات حولها والشك في الأشياء العادية والمألوفة، يطلب الفيلسوف من الناس أن يكونوا متشككين في كل مسلماتهم: من حقيقة الأشياء في العالم، إلى التساؤل فيما لو كانت عائلتك بشرًا أو روبوتات، ومن هذه الزاوية يظهر أن للفيلسوف والكوميدي أواصر قرابة فيما بينهما، فالكوميدي أيضًا يطلب منك أن ترى العالم من زاوية معاكسة: عالم تتحدث فيه الحيوانات فيما بينها وتصبح الأشياء الجامدة قادرة على الكلام والتعبير. يطلب منك الفيلسوف والكوميدي إذن أن تنظر للعالم كأنك دخيل عليه وكأنك قادم من كوكب آخر. الكوميدي الحقيقي إنسان جريء، فهو يجرؤ على رؤية ما يستحي منه المستمع ويخشى التعبير عنه، ما يراه هو حقيقة الناس، وأوضاعهم، وما يرعبهم ويجرحهم، النكتة تشد الانتباه.. لكن النكتة الجيدة عليها أن تطلق سراح الإرادة والرغبة، ينبغي عليها أن تغير الوضع القائم وهذا بالذات ما يقوم به الفلاسفة بأفكارهم الجريئة والغير متوقعة. ل الأنثروبولوجية البريطانية ماري دوغلاس أن النكتة تلاعبُ بالأساليب يتيح فرصة إدراك أن نمطًا مقبولًا معينا ليس أمرًا حتميًا، النكت إذن تتلاعب بالممارسات المقبولة في المجتمع وتظهر أن هاته الممارسات ليست أمرًا حتميًا يجب الانصياع له، يُظهر مفهوم "نقيض الطقوس" في النكت أن الطقوس التي نمارس في الحياة ليست سوى إمكانيات محددة من عدة امكانيات ويمكن تجاوزها وعدم التقيد بها، للنكت وظيفة نقدية للمجتمع وتُظهر أن ما نُعرّفه على أنه ثابت وغير متحرك مجرد إمكانية ويمكن تغييره. يقول الفيلسوف الفرنسي بيرغسون أنه لكي نفهم الضحك يجب أن نضعه في مكانه الطبيعي، ألا وهو المجتمع وأن نحدد وظيفته وهي فائدة اجتماعية، يجب على الضحك إذن أن يستجيب، إلى متطلبات معينة في الحياة المشتركة وأن يحتوي على أهمية اجتماعية، لذلك تفشل النكات في إضحاك أشخاص من مجتمعات أخرى، إلقاء النكت لعبة لا يلعبها اللاعبون بنجاح إلا حينما يفهمون القواعد ويتبعونها، يذكر الفيلسوف فيتجنشتاين هذه الفكرة في كتاباته ويتساءل كيف سيبدو الأمر إن لم يمتلك الناس حس الدعابة نفسه؟ لن يتفاعلوا مع بعضهم كما ينبغي كلعبة رمي الكرة والتي من المفترض إعادة رمي الكرة فيها لكن عوض ذلك يضعها الشخص الآخر في جيبه.
مشاركة :