ماجد شاليار يسجل فعله الإبداعي بعفوية شديدة

  • 10/3/2022
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

تعجبني طريقة تعامل ماجد شاليار (خانقين 1965 ) مع البياض الذي أمامه، تعجبني تلك الهدنة التي يخلقها مع نفسه أولاً، ومع تلك الفضاءات البيضاء ثانياً، فلا مخططات مسبقة، كل منهما ( هو وهي - اللوحة ) يرسم الآخر، تعجبني ثقته بنفسه وبالتالي بريشته، وجرأته في التعامل مع البياض، تعجبني عفويته والسبل التي يمضي فيها دون أن يدري إلى أين، هي التي تجره دون يسألها إلى أين، يمضي معها حتى تلد اللوحة وتصرخ صرختها المعهودة، والأجمل في الوقت ذاته، الولادة المعروفة، حينها يرمي ريشه، وينتشي بوليده، كل منهما يفرح بالآخر، كل منهما ينتمي إلى الآخر، كل منهما جزء من الآخر، لا تقليد هنا، لا قوالب جاهزة، كل ما يرافقه عفويته التي ترى الأشياء كلها بأجنحة، وحبه الذي يزيد منابع الضوء تدفقاً، فيضيء الكون ويبهره، ولهذا لا بد أن تكون لحظة الولادة مبهرة أيضاً ومبشرة، فلا يغيب عنها إنفعالاته ولا تفاصيل حياته، كل منهما يواكب الآخر بكل لمساته وخطوطه وأوضاع شخصيته، فشاليار من القلائل الذين يعيشون التأمل ممارسة، فلا يرمي نفسه ضمن نمطية يعرف مسبقاً بأنها ستزيد الخناق عليه حتى تنهيه، يرفض المخططات والمسودات بكل أنواعها، يعيش المفاجأة بكل لحظاتها، وبكل إدهاشاتها، لا ينظر إلى ورائه، ولا يلتفت إلى ما يشغله عن لحظاته تلك، لحظات العشق التي يعيشها مع محبوبته، مع لوحته بكل آهاتها، تمنحه نفسها بكل مفاتنها، لا تهرب منه، وهو كالساحر يغوص في عوالمها التي تأخذه هي كيفما تشاء وإلى أينما تشاء، فهو في حالة دمج وإرتباط لا فكاك منها إلى أن تنتهي سكرته ويجد نفسه في سيرتها التي هي سيرته أيضاً، فهو واللوحة في حالة من النضوج الدائم، فكل منهما يختزل هواجس الآخر، ويعيش كل منهما معاناة الآخر، كل هذا يقوده إلى أكثر من تجربة في كل منها يحاول إيجاد إنتماءاته، والإنعتاق من كل المسلمات المسكونة بالقلق والتوتر، فهو يكرس إنسجاماً عبر العاطفة المرتبطة بفعل معرفي، عبر إسترخاء وراحة الذات التي تحتفظ مبادراته بصفتها مقامات مضاءة تدعو إلى الإحساس بنشوة لازمانية، والتي يتركها تواجه الآثار الحسية التي ربما تكون قريبة من الإحساس الذي يشعر به. يمكننا إعتبار عملية شروعه بالعمل، تلك الشروعية الحاضرة والمشبعة بالحماس قيمة تضاف لرصيده، ومن المناسب أن يصب ذلك في صالحه، فهو الذي يحاول جاهداً أن يحيط بالأسئلة الجديدة المطروحة بصيغ معينة، علّه يقوم بقلب الترتيبات التي تبدو محددة للوهلة الأولى، ويجب هنا التساؤل عن الفرصة السانحة له كي يبقى فضاءه مفتوحاً أمامه، وصالحاً لإستقصاء إفتراضاته من وجهة نظره، فهو من ناحية يقاد بالفعل من قبل سويات بقعه اللونية وهي تمتص الضوء كي تتحول إلى لون آخر، ببريق آخر، ومن خلال أسلوبه بقطبها الإيقاعي المتسارع حيناً، والمتباطىء في حين آخر يتم تجاوز عتبات الظلمة نحو السكينة والطمأنينة والهدوء، وهذه صفات عاطفية تشكل بعداً عاطفياً تتلاقى مع البعد المعرفي بفعل التأمل، وهنا تتحول اللحظة إلى بريق لوني آخر فيها يتكثف الصمت، لتبدأ الأحاسيس البصرية بالتسابق على محتواها لتذوقها، هذا يعني أنها يمكننا أن نستشف منها ما تعتليها من ترتيبات أساسية من الشفافية وما يقابلها من قبول التغييرات اللونية أو رفضها، كذلك بالنسبة لتركيباته التعبيرية التي يمكن تفسيرها كترتيبات فاعلية محسوسة، فهي تتواجد بحالة من التكافىء، وبحالة من التمايز الذي نراه في تلخيصه لآثار معناها الشعوري والعاطفي منفتحة على صيغ إحتمالية لا حدود لها.  بعفوية شديدة يسجل ماجد شاليار فعله الإبداعي، ولا قبول لديه للإطارات التقليدية، يرميها بعيداً، فحتى إطاراته التي لا بد منها في بعض الأحيان تبقى قابلة للتغيير، باحثاً عن الأفضل، عن الأميز، عن المختلف، وكأنه يعيد قراءة الواقع قراءة جديدة، فتعامله اليومي مع الواقع المعاش، والذي يعطي نتائجه كتصريف أمور لا أكثر لم تجعل منه عبداً لحركاته ومفرداته، فهو الباحث أبداً عن إشارات دقيقة حتى تومض له فيمضي في أثرها وكأنه راكب موجة جديدة خالصة لذاتها، تتعاظم علوها وإنخفاضها تبعاً لكل تداخل جديد يعلنه بين تقنيته والصور التي تتوالد كحواش حيناً، وحيناً كعلاقات من شأنها أن تتفق مع تفاصيلها الموحية والمشجعة على البحث، ذلك البحث بقيمه الجمالية والمعرفية، وبتفاصيله التي تتتابع كلقطات لتشكل سرود مصورة هي التي ستجل مشهده البصري بكل تقاطعاته التي تتم بفعل الزمان أو المكان وهذا بحد ذاته سرد آخر جميل، مشهد آخر تذكرنا بأننا في إيهام حكاية أخرى وجديدة، ومن الواضح جداً أن المشروع الذي يشتغل عليه شاليار . يطلب منه المشاركة بنجاح مرموق في كل مبادرة تقربه من الصورة الحقيقية لعالمه وعالم المجتمع الذي يعيش فيه، فهو يأخذ في عين الإعتبار تلك الفجوات التي قد تعترضه هنا أو هناك، فعليه أن يتجاوزها ويعبر إلى الضفة التي يبغيها، فالإشكاليات التي قد ترافق خطواته لا تؤثر عليه، ولا تلفت نظره، فهو على دراية بأن الصعوبات لا تهد الفنان الحقيقي، بل تقويه، وتجعله أكثر حرصاً في إنجاز مشروعه الفني الجمالي، وعليه فلا تهدأ محاولاته وهو يبحث عن البدايات، عن النصوص الأولى للتنقيب فيها، وللإثبات لنا بأن تلك المحاولات ما هي إلا أطروحات، العودة إليها ممكنة، وعلى هذا الأساس لا يستعير الشكل من أحد، وهذا يقتضي منه تتبع أشياء وأشياء كنوع من التضافر حتى يدخل مجالات التعبير من جذورها وهذا يؤثر في إنتاجه ويضيف عليه ويوقض زمن البياض فيه، الزمن الفاصل بين الحواش والمتن . ماجد شاليار يملك من المشاعر والأحاسيس كمّاً يدفعه بالضرورة إلى حب عمله الإبداعي إلى حد العشق، يفرغ تلك الشحنات النقية بين ألوانه ومعزوفاتها، وبين تلك اللحظات الحساسة التي يتصيدها منها، فهو عاشق الطبيعة بالمطلق وهذا ما يبرر شغفه الكبير بالإنطباعية، والتعبيرية منها على نحو خاص، حين يكون هناك بين أحضانها وترافقه ريشه وألوانه ينسى نفسه، ولا يفكر مطلقاً إلا بالمكان الذي فيه واللحظة التي يعيشها، وهذا أيضاً ما يبرر لنا حبه للإنسان بقدر حبه للطبيعة، كلاهما جناحاه في التحليق في عوالمه التي يخلقها هو، ويرسمها هو، عندها يشعر أنه ولد كي يكون فناناً يعشق الحياة. ومن المعلوم أن شاليار من خريجي كلية الفنون الجميلة / قسم الفنون التشكيلية ببغداد عام 1991، وهو عضو في نقابة الفنانين التشكيليين العراقيين، وعضو في نقابة فناني كردستان، وأستاذ في معهد الفنون الجميلة في مدينة خانقين، وكما يعشق التشكيل يعشق الموسيقا ويعزف على آلة الهارمونيكا، له معارض شخصية في كل من خانقين والسليمانية وبغداد وتونس، كما له مشاركات كثيرة في المعارض الجماعين تجاوزت العشرين معرضاً.

مشاركة :