شغف الهواية.. وقود الأحلام

  • 1/8/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

ما من وصفة جاهزة للنجاح والتميز والاستمتاع بالحياة، وما من طريقة سهلة لاصطياد الشغف، لكن ثمة نتيجة نستخلصها من حياة كل أولئك الناجحين الذين قرأنا عنهم، وأيضاً من حياة أولئك المميزين حولنا، إذ تخبرنا حكاياتهم أنهم استطاعوا أن يمتلكوا الرؤية لحلم ما، صغيراً كان أم كبيراً، وتحلوا بالالتزام لبذل جهد إضافي لتحقيق هذا الحلم، أو الحصول على نمط حياة مختلف يبقيهم على قيد الشغف، ليستمتعوا بكل يوم جديد، كأنه رهان رابح مع الوقت، مع ممارسة الهوايات التي يحبونها، وكأنها وقودٌ لأحلامهم الكبرى لتحقيق المشاريع التي آمنوا بها رغم المهام الكثيرة، وظروف الوقت. لم يكن أحمد قاسم معد برامج في تلفزيون دبي، من عشاق كرة القدم من قبل، كما يتوقع من يعرف أنه يستيقظ قبل الفجر كل يوم جمعة لينضم إلى أصدقائه للمشاركة في اللعب، لكنه منذ عامين تقريباً أصبح يعتبرها اللعبة المفضلة لديه، ويلتزم بها كما يلتزم بعمله، وبالكثير من الأشياء التي لا تقبل التأجيل، وعن الفكرة التي تجعله يغالب النعاس، ويستيقظ رغماً عن التعب، وعن ظروف العمل، ليتخلى عن ساعات نومه المتاحة، ويقطع مسافة طويلة بعيداً عن منزله، يقول: في البداية كنت أعتبرها فرصة للقاء الأصدقاء غير المتواجدين معي في العمل، وهذا الموعد تحديداً هو الموعد الأكثر ملاءمة للجميع، فحتى لو كان لدي عمل يوم الجمعة، لن يكون عند الفجر، وعادة لو سهرت في الليل ألتزم بالذهاب، فالحماس في هذه اللعبة يعيدني إلى أيام الشباب الأولى، وذاك الحماس الرائع الذي كنا نتمتع به في عمر المراهقة، فتبدأ المشاحنات، والصراخ، ولكن في أجواء ممتعة، ولا أحد يتخيل الفرحة الكبيرة لتي نعيشها عند تسجيل الهدف، رغم أن الجميع لم يذهبوا بغاية التحدي، هذه اللعبة أصبحت طقساً رائعاً في حياتي، وأشعر بالسعادة لالتزامي بها، وعن تنظيم لقاءات اللاعبين يوضح أن الجميع مشترك في مجموعة على برنامج واتس آب، ليتم التخطيط في السابق للعبة، فقد يحصل ويعتذر أحدهم، فنضطر للجوء إلى الاحتياط، أو البدائل، وعن هذه البدائل يوضح أنهم من الموظفين، في الملعب الذي يؤجرونه. ولا شك في أن التحدي يكون أكثر صعوبة بالنسبة للأمهات العاملات، فكثيراً ما نسمع شكواهن من المسؤوليات الكثيرة التي يحملنها، عكس أم ميرفت أبوردن موظفة حكومية، حيث تقول: لا أرى في العالم امرأة أعظم وأكثر صلابة من أمي، تلك التي كانت تتقن كل ما تقوم به، كأنها تنجز عملاً فنياً، حتى إن كان مجرد فنجان قهوة، كانت تصحو في الصباح الباكر، تنهي تمارينها الرياضية وتتجه نحو العمل، لتعود عند الظهيرة وتسخن الغداء الذي حضرته في الليلة السابقة، حيث اعتادت أن تنهي أعمال المنزل وتجهيز الطعام قبل أن تنام، أما في مدة ما بعد الظهيرة فكانت تتجه إلى ركنها الخاص لتبتكر تصاميمها الرائعة من الخزف، لتجلس مع هوايتها ساعات قليلة تخرج الإبداع الذي بداخلها، بعد أن تنهي واجباتها تجاه الجميع، وتوضح أنها رغم هذا كانت مثالاً للمرأة الاجتماعية المنظمة، فلم تكن تقصر في الواجبات الاجتماعية أو تحرم العائلة من الرحلات والترفيه، بل على العكس كانت كتلة من النشاط، وعن آثار موهبتها في حياتها تخبرنا أنها استطاعت الحصول على وظيفة جيدة في الفترة المسائية لتعلم الفنون والأشغال اليدوية في أحد المعاهد الفنية، وأنها أقامت معرضاً رائعاً لهذه الأعمال الرائعة التي اختارتها للعرض، بينما كانت تهدي بعضها للمقربين. صباحات نشيطة وأحياناً قد تدفعنا بعض المشكلات الصحية إلى التنعم بحياة رائعة عنوانها الصباحات النشيطة، كما هو حال باسل أبو الفيلات، مخرج تلفزيوني، ويقول: منذ عامين وأنا ملتزم بلعب كرة القدم مع الأصدقاء فجر كل جمعة، لكن الرياضة بالعموم تعتبر جزءاً أساسياً في حياتي من قبل، فعدا عن كوني مولعاً بها، هي حاجة صحية بالنسبة إلي، كوني أعاني مرض السكري والكوليسترول، ولهذا أمارس الرياضة بأنواعها مدة الصباح، فأذهب للنادي الرياضي خلال أيام الأسبوع، عدا يوم الجمعة الذي أخصصه لكرة القدم مع الأصدقاء، والشيء الذي يسعدني هو أني استطعت أن أنقل هذا الشغف إلى أبنائي أيضاً، فهم أيضاً مولعون بكرة القدم وبالرياضة عموماً، ومنهم من يلعب في النادي الأهلي الآن، أما عن موعد استيقاظه اليومي قبل الخامسة صباحاً، فيوضح أنه منذ أكثر من عشرين عاماً وهو معتاد ألا ينام بعد صلاة الفجر، بل ينطلق لممارسة التمارين الرياضية ليبدأ يومه بعدها، رغم أن عمله لا يتطلب منه الاستيقاظ باكراً، بل قد يداوم في الفترة المسائية، ومع هذا يرفض أن يضيع ساعات الصباح وجمال الحياة الصحية السليمة التي استطاع أن يعود أبناءه عليها. نشاط مفضل ولعل الشغف وحده هو من يمتلك هذه القدرة على قهر سلطان النوم، الذي يعتقد الكثيرون أنه لا يقهر، ولأن مدة الصباح غنية بخياراتها، والأنشطة التي يمكن أن نقوم بها فيها، يصحو محمد ريماوي مذيع أخبار في تلفزيون دبي في الخامسة صباحاً كل يوم، ويعتبر النشاط المفضل لديه هو ركوب الخيل كل يوم جمعة، إضافة إلى ممارسة التمارين الرياضية والجري في النادي بقية أيام الأسبوع، وعن الفكرة التي تدفعه للاستيقاظ باكراً، يقول: لا أحب أن تكون حياتي عشوائية، ولهذا أرتب حياتي بالمواعيد الثابتة، وأحب أن أستيقظ في الصباح الباكر لأمارس التمارين الرياضية، وهذا عائد إلى كوني إنساناً صباحياً، أستمتع بالأنشطة الصباحية كما يستمتع غيري بالسهر وصحبة الليل، فأنا أرى أن للصباح بركة، وأن هذه العادة صحية، وحتى الطقس يكون أجمل في الصباح، وعندما أتأخر قليلاً في الاستيقاظ، أشعر بأن الكثير من هذه البداية الجميلة فاتتني وضيعتها وخسرت يومي، فأنا في الصباح أنجز أكثر، وحتى عقلي يكون متفتحاً أكثر، وجسمي يكون مرتاحاً أكثر، ولكن لا شك في أن كونك كائناً صباحياً في مجتمع أغلبيته من محبي السهر، سوف يجعل برنامجك معرضاً لاختراق بين الحين والآخر، فلابد من المجاملات الاجتماعية التي تكون ليلاً في العادة، والتي يختار منها الريماوي ما يفضله بين الحين والآخر، ليضحي بساعات نومه من أجلها، بينما يعتذر عن الكثير منها. وتوافقه الرأي آمال محمد موظفة مبيعات، التي كانت تعاني مشكلة في التعامل مع وقتها، ودائماً ما تشعر بأنها مقصرة في جميع جوانب حياتها، إلى أن قررت أن تتبنى عادة الالتزام قبل عامين تقريباً، بعد أن تأثرت بشخصية إحدى صديقاتها، وبكتاب قرأته بنصيحة منها، وتقول: كنت في السابق أختار الدوام المسائي دوماً، ولا أصحو إلا في وقت متأخر، فلا أستطيع الجلوس مع ابني الصغير، إلا بضع دقائق قبل أن أنطلق للعمل، حتى إني كنت نادراً ما أجد الوقت لأطهو لعائلتي، رغم وجود خادمة في منزلي، إلا أنني أطلب الطعام الجاهز بشكل يومي تقريباً، لكن بعد أن تغيرت بدأت أصحو باكراً، وقررت أن أرتب وقتي، وألتزم بالخطط التي أضعها لنفسي، ومن وقتها صرت أجد الوقت للذهاب إلى النادي في الصباح، وتحديت نفسي بالحصول على الرشاقة بعد أن كنت مستسلمة ويائسة، إضافة إلى قيامي بالكثير من الواجبات تجاه زوجي وأبنائي، وتضيف أنها تشعر بالرضا عن النفس وتستمتع بحياتها حقاً، لكونها صارت تمتلك خطة تلتزم بها. ورغم أنه قد يكون عائداً من السفر في ساعات متأخرة من الليل، إلا أن هذا لا يمنعه من الاستيقاظ في الخامسة صباحاً، للالتزام بتمارين رياضية مثل ركوب الخيل التي يعشقها، وحدث هذا مرات عدة مع محمد حسين مدير التسويق الإلكتروني للشركة الأم لفنادق "فيرمونت، رافلز، سيسوتيل"، في الشرق الأوسط وإفريقيا والهند، الذي يؤكد أنه حتى في هذه الأوقات التي يكون مرهقاً فيها، ولم ينم إلا ساعتين أو 3 ساعات، فإنه يغالب النعاس والتعب ويستيقظ في الخامسة، ليذهب إلى التمرين، ويقول: أنا إنسان صباحي عموماً، أستمتع بكل ما أقوم به في الصباح، كممارسة ركوب الخيل لمرة أو مرتين في الأسبوع، وركوب الدراجات النارية التي تكون يوم الجمعة أيضاً، وهي النشاط الذي أستبدله بركوب الخيل بين الحين والآخر صباح الجمعة، فألتقي مع الأصدقاء الذين يشتركون معي في الهواية نفسها، ولا يسهر محمد إلا مضطراً، أو في المناسبات التي تتماشى مع اهتماماته، لكنه حتى إن سهر يصحو باكراً كعادته حيث ينتصر الشغف والعادة على الرغبة في المزيد من النوم، حسب قوله، فدوامه في العمل يبدأ في التاسعة صباحاً، وهو يفضل أن يستمتع بممارسة الرياضات التي يحبها مثل ركوب الدراجة، والذهاب إلى النادي، إضافة إلى هواياته الأساسية التي أخبرنا عنها. جلال برجس: بذرة خفية في داخلي تُنبت شجرة في حكاية أخرى نرى ثمار الالتزام بالموهبة وتنظيم الوقت، تحمل الكثير من التميز في حياة جلال برجس مهندس طيران وشاعر وروائي، الذي يخبرنا أنه حينما تخرّج في المدرسة عام 1988، كان يعتقد أنه سيحقق حلمه بدراسة الطب، ظاناً أن هذا هو حلمه الوحيد، لكن ثمة ظروف وقفت بوجه ما يريد، فقاده القدر لدراسة هندسة الطيران، فنظر إلى هذا التخصص على أنه محض وسيلة للعيش فقط، ويقول: شيء خفي أخذ مع الأيام يجسّر المسافة بيني وبين مهنتي، فقد عيّنتُ في العام 1991 في مطار صحراوي في الشرق الأردني، ومع الوقت الذي كان يتكاثر بشراهة، وجدتني أخلد للقراءة، كأنني أخلد لنوم هانئ، ومع الأيام تكدست الكتب في غرفتي، وبدأ القلم يحنّ لبياض الصفحة، ثمة أشياء كان عليها أن تُكتَب، إذ إن ماء القراءة جعل بذرة خفية في داخلي تُنبت شجرة، طالما لجأت بظلها في هجير صحراوي قاس، كتبت على كل جناح طائرة أجهزها للانطلاق أمنية أثيرية: أريد امرأة مثلك لا تأبه بالريح، حينها أدركت أني أحببت عملي وأحببت الكتابة، واكتشفت أنها أمنيتي التي لم أنتبه لها من قبل، ويكمل: صرت أحلم بكلمتي تصل لقارئ يحتويها، والحلم يحتاج ليد تعبّد الدروب أمامه، وما كان لي من يد إلا يدي أنا، إذ رحت أقرأ في كل الأوقات والأماكن، إلى أن وجدتني شغوفاً بالشعر، فأنجزت ديواني كأي غصن على شجر ومخطوطات أخرى لم أتمكن من نشرها إلا حينما انتهت مدة عملي الصحراوي بعد ثمانية عشر عاماً، تلك المدة التي انتقلت بعدها إلى عمل جديد أخرج إليه فجراً، وأصل البيت بعد انتهائه مساء، وعن طريقته في التعامل مع الوقت ليبدع في هوايته، يوضح، تأخذ مني الطريق عبر بيتي والعمل ثلاث ساعات، أمضيها في القراءة، إذ صار لزاماً علي في تلك الأيام أن أستثمر ما تبقى لي من وقت، ومنذ العام 2007، وعبر أربع ساعات متاحة لي يومياً، أنجزت كتبي: قمرٌ بلا منازل، رذاذ على زجاج الذاكرة، الزلزال، شبابيك تحرس القدس، مقصلة الحالم، وأفاعي النار، وعبر ذلك الوقت القصير حصلت على جائزة رفقة دودين للإبداع السردي 2014، عن روايتي مقصلة الحالم، وجائزة كتارا للرواية العربية 2015، عن روايتي أفاعي النار.. حكاية العاشق علي بن محمود القصاد، ووقعت عقوداً لترجمة كتبي لعدة لغات أجنبية، وعقداً لتحويل رواياتي لأعمال درامية، وما زلت عند كل عاداتي في الحلم، رغم كل الدخان الذي يتصاعد من بدن الكرة الأرضية. د. فادي أوضه باشي: الرؤية تمنحنا الطاقة لم يكن نائماً، ذاك الذي استيقظ صباحاً وأصبح عظيماً بهذه العبارة يبدأ د. فادي أوضه باشي، مستشار في إدارة التغيير والتنمية البشرية المتكاملة، ورئيس المجموعة العربية للتطوير، حديثه عن المشاريع الكثيرة التي تشغل حياته، ويسعى من خلالها إلى إيصال رسالته في الحث على الإبداع، إضافة إلى تعزيز قيمنا وإيماننا بهويتنا وثقافتنا العربية التي بدأت تتلاشى مع المفاهيم الخاطئة للعولمة، ويقول: "من خلال دراستي للإدارة استطعت الدمج بين المفهوم الإداري، والعلوم والفنون، ووجدت أن إيصال الفكرة عن طريق الفن والأدب والشعر، أفضل بكثير من محاولة إيصالها بالطريقة الأكاديمية والنظرية، ولهذا بدأت مشروعي في الشام القديمة عن حوار الحضارات بمساعدة الشاعر الكبير محمود درويش، الذي أطلق عليه اسم (الحلم الجميل)، وركزت فيه على الياسمين الذي يمثل بيوتنا وقلوبنا، إضافة إلى التركيز على الشباب وعلى ذوي الإعاقة، كنت أؤمن أن مواردنا البشرية بحاجة إلى إعادة تنظيم قيمي، خاصة فيما يتعلق بالأصالة والانتماء، لهذا بدأت العمل على عدة مشاريع تدور في الفلك ذاته، ومنها عدد من المؤلفات التي أصدرتها، وآخرها كتاب (رحلة من أجل الحلم)، الذي سوف يصدر قريباً، وأناقش فيه بطريقة علمية قدراتنا البشرية التي لا نستخدمها، كما أطرح تجربتي المتواضعة في الحياة بطريقة أدبية، أوصل القارئ من خلالها إلى السؤال الوجودي (من أنت؟)، ويمكننا القول إن الكتاب عبارة عن دعوة لتحفيز مجتمعاتنا المرهقة، والتي افتقدت للرؤيا وفقدت الحلم، ولدي أيضاً البرنامج التلفزيوني (بلا إطار)، الذي نحضر له حالياً، وهو مزيج بين برنامجي (د. فيل) و(أوبرا) الشهيرين، لكن بمعالجة عربية، وأعمل فيه على أن يكمل حلمي في هذه المعايير التي أعمل عليها، أناقش فيه فكرة الإطار الذي وضعت حياتنا فيه، وأهمية كسره للخروج بطاقاتنا وقدراتنا الدفينة". وإضافة إلى مشاريعه الكثيرة يدأب باشي على كتابة سيناريو مسلسل بعنوان حب حسب توقيت دمشق، ويشير إلى أهمية وضوح الرؤيا بالنسبة لكل شخص يمتلك حلماً، أو هدفاً، فهي تمنح الإنسان الطاقة التي يحتاجها للعمل على تحقيق حلمه، إضافة إلى إدارة الوقت وتقسيم المهام، وإعداد فريق، إضافة إلى معرفة ذروة الطاقة لديه كشخص سواء أكان ليلياً أو صباحياً، والهرب من لصوص الوقت، بالشغف الذي يجعل الإنسان ينجز أضعاف ما ينجزه غيره، لافتاً إلى أنه يجب مراعاة أن نطلب من أنفسنا تحقيق أهداف منطقية.

مشاركة :