حسابات القوة الذاتية ترصف الطريق بين ويستفاليا وكربلاء | عبدالمنعم مصطفى

  • 1/8/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

لا أحد يملك تغيير حقائق الجغرافيا، خصوصًا فيما يتعلّق باختيار أو قبول مَن بالجوار.. ولا أحد في العلاقات الدولية يختار جيرانه، لأنَّه لا أحدَ في الجغرافيا يملك ترف حمل متاعه، والانتقال إلى جوار آخر أقل صخبًا، وأعلى تقديرًا.. ولا أحدَ في العلاقات الدولية يملك ترف رفع دعوى طرد ضد جاره المزعج.. لكن التاريخ الإنساني يحفل بقصص بناء علاقات الجوار، وفق ضوابط اعتمدت في أغلب الأحيان على حسابات القوة، بمعناها المطلق، وبمصادرها المتعددة. أثقل علاقات الجوار في التاريخ الحديث، عرفتها أوروبا، بين كل من فرنسا وألمانيا، العالم كله سدّد فاتورة ضبط تلك العلاقة بين ألمانيا، وبين جوارها الأوربي -فرنسا بصفة خاصة- عبر حروب استنزفت طاقات أممه، وأرواح شبابه، ثم انتهت إلى إمكانية التعايش وفق ضوابط صاغتها في التحليل الأخير، حسابات القوة. لدينا في الشرق الأوسط، مشكلة في ضوابط علاقات الجوار، مصدرها الرئيس هو أن تلك الضوابط، يضعها الخارج، ويديرها أيضًا، ولهذا تبدو تفاعلات القوى الإقليمية بالمنطقة في بعض تجلياتها، انعكاسًا لصراعات قوى عظمى فوق خارطة الإقليم، وهو ما يبدو الآن بوضوح فوق مسرح العمليات السوري. في هذا السياق، يمكن رؤية الاتفاق بين مجموعة ٥+١، وبين إيران حول ملفها النووي، باعتباره عنصرًا مؤجِّجًا للتوترات الإقليمية، إن لم يكن منتجًا لها، ويمكن استشعار حالة استقواء أصابت طهران عقب هذا الاتفاق، الذي يتيح إعادة دمجها في الأسرة الدولية، ويضخ مئات المليارات من الدولارات في اقتصادها المتداعي، دون أن يُعنى بانعكاسات ذلك على الجوار الإقليمي لإيران. راقبوا سلوك طهران بعد تبني واشنطن الدفاع عن الاتفاق النووي معها، لاحظوا كيف أصبح هذا الاتفاق ذاته، هو ما تخشى عليه واشنطن الآن، باعتباره أحد أهم منجزات إدارة أوباما بحسب الرؤية الأمريكية، لاحظوا مستوى رد الفعل الأمريكي، على تجارب أجرتها إيران على إطلاق صواريخ باليستية يبلغ مداها ١٧٠٠ كيلومتر، ويمكن لاحقًا تزويدها برؤوس نووية.. لقد بدت واشنطن خائفة على الاتفاق النووي مع طهران، بأكثر من خوفها من صواريخ إيران الباليستية الجديدة، التي تقوض الأمن والاستقرار في الجوار الإقليمي!! ردود فعل واشنطن السلبية على استفزازات طهران، سواء بالصواريخ الباليستية، أو بإطلاق صواريخ قرب حاملة الطائرات الأمريكية هاري ترومان في مياه الخليج قبل أيام، ينبغي أن تكون كافية لإقناع دول المنطقة بالاعتماد على مصادر جديدة للقوة الذاتية، وعلى حلفاء جدد لا يديرون ظهورهم إذا ما جد الجد. خبرات التاريخ تقول بأن حسابات القوة وحدها، هي من يمكنها ضبط علاقات الجوار، وإنتاج مبادئ مقبولة للتعايش السلمي بين كافة أطرافه، هكذا تعلّمنا، وينبغي أن نتعلَّم من التاريخ الأوروبي، الذي أنتج أفكار التعايش، وتخلَّص في صلح ويستفاليا التاريخي قبل نحو ثلاثة قرون، من أوهام سحق الخصم بالضربة القاضية، أو بلمس الأكتاف. هناك مواجهة دائمة مع الجوار، وهناك اشتباك دائم معه، لكن تلك المواجهة وهذا الاشتباك، يجب أن يُدار بأدوات السياسة، بدءًا بأعلاها على سلم الدبلوماسية، حيث لا يمنع الحروب سوى الاستعداد الجيد لخوضها، بامتلاك أسباب القوة المستدامة، من بنية عصرية، ورؤية حضارية، تحترم التنوُّع، وتدير الاختلاف، وباقتصاد يجني ثماره الجميع دون تمييز، وبقوة ردع عسكرية، تمسك بتلابيب التقنية، وبالعلم العسكري المتقدم، وبعلاقات اعتماد متبادل تصنع خارطة للمصالح، لا يمكن لأحد أن يغامر بتقويضها، وبعلاقات تحالف مع قوى تتشارك في الرؤية، وتستوعب طبيعة التهديد، وتمتلك القدرة على إزالة أسبابه. لدى ايران أطماع في الجوار لا شك فيها، ولديها صحيفة سوابق متخمة بمحاولات التدخل في شؤون دول الجوار، وهي لن تتخلّى بسهولة، لا عن أطماعها، ولا عن محاولاتها لإقامة مناطق نفوذ لها في المنطقة، على حساب أمن واستقرار جيرانها العرب في منطقة الخليج. ولو باستخدام الدين كغطاء، والطائفية كوسيلة. حرمان إيران من إمكانية استخدام الدين والطائفة كسلاح في حربها ضد الجوار، يُجرِّدها من أخطر أسلحتها، ويتيح مواجهة معها، تحت عناوينها الحقيقية المجردة. الفارق الوحيد بين إيران الشاهنشاهية، وبين إيران الخومينية، هو في طبيعة الغطاء المستخدم للتوسع وإقامة مناطق نفوذ في الجوار، الشاهنشاه كان يستدعي التاريخ من عهد قروش الأعظم، والخوميني يستدعي المقدس من عهد نكبة كربلاء. لكن إيران في الحالين واحدة، كرب، وبلاء. moneammostafa@gmail.com

مشاركة :