وجبات الغذاء.. من تمر ولبن إلى أشهى المأكولات

  • 1/8/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

عندما تصحو وتحس بلسعة الجوع تبادر إلى إعداد وجبة الفطور ولكن يعيقك عن إعدادها شيء واحد ألا وهو الحيرة في اختيار ما ستتناوله من غذاء، ولاشك بأن هذا هو حال الكثيرين منّا اليوم ولكن لو تأملنا حال أسلافنا من الأجداد لوجدنا الحال مختلفة جداً، فهم عندما يستيقظون من مناهم فإنهم تصيبهم الحيرة فعلاً ليس في اختيار وجبة الفطور بل في التفكير فيما سيجده من طعام للإفطار، وذلك بسبب الفاقة وقلة ذات اليد ومحدودية الطعام الذي يجدونه، فجل مأكلهم مما تنتجه الطبيعة من خيراتها التي أنعم الله بها على إنسان هذه الأرض، ومن أهمها التمر وقليل من حبات القمح الذي يسمونه "العيش" مما استزرعوه بطريقة "البعل" وهو رمي البذور في انتظار وابل السماء في وقت الوسم وهطول الأمطار، أو بزراعته وتعاهد سقياه باستخراج الماء بمشقة بالغة من الآبار، تلك هي حالهم فيما مضى حتى جاء الخير وكثر بعد توحيد البلاد وتدفق النفط وإنتاجه بكميات تجارية، مما جعل الناس يودعون حياة الشقاء وتتغير موائدهم إلى الأفضل بما تحويه من ما لذ وطاب من الأطعمة التي بدأت البلاد تستوردها، فعرف الناس أصنافا جديدة لم يعتادوا عليها ومن أهمها الأرز الذي بات الوجبة الرئيسة في كل بيت، إضافةً إلى الفواكه والخضار والأطعمة المعلبة والمثلجة وأنواع الحلويات وبقية أصناف المأكولات. في الماضي جل المأكولات تنتجها المزارع.. وفي الوقت الحالي ساهم الاستيراد في التنوع وبات الناس في رغد عيش، فبعد أن كان المرء في الماضي القريب تضيق به الأرض ذرعاً حين يرى صغاره يتضورون جوعاً فلا يجد ما يسد به رمقهم، بات المرء يشجع أبناءه على الأكل الصحي مما لذ وطاب من الأطعمة المتوفرة على مدار الساعة بل الدقيقة، الأمر الذي يستوجب شكر الله على نعمه بحفظها وعدم الإسراف فيها. غذاء الأمس كانت الوجبات الرئيسة فيما مضى وجبتين؛ الأولى بعد الاستيقاظ من النوم وغالباً ما تبدأ من بعد صلاة الفجر وتسمى وجبة الإفطار، والتي كانت تتكون عادةً من تمر ولبن وبعض من "رصع" وهو خبز القمح والذي يسمونه "عيش"، وقد يعرض على سفرة الميسورين من أهل الفلاحة بعض من "الجريش" و"القرصان" أو "المرقوق" أو مخلوط الجريش ب"الدقس"، ولم يكن الناس يبدأون صباحهم بتناول القهوة، إذ كانت تعد في بعض بيوت البلدة أو القرية لدى عدد محدود من الناس تكاد عد على أصابع اليد الواحدة، حيث يبدأ المضيف بإعدادها بعد صلاة الفجر مباشرة في مكان في البيت يسمى القهوة أو "الروشن" العلوي حيث يقوم بشبة النار ومن ثم حمس القهوة على النار، ومن ثم تبريدها ووضعها في النجر من أجل طحنها بضرب يدها بحبات القهوة في النجر الذي يصدر صوتاً شجياً يجمع عشاق القهوة من الجيران والمعارف القريبين، حيث يتبع ذلك غلي القهوة في الدلة الكبيرة التي تسمى "الخمرة"، وبعد ذلك تزل القهوة في الدلة بعد تبهيرها بالهيل والقرنفل -العويدي-، ومن ثم يدار فنجان القهوة بالتناوب بين الجميع، فقد كانت فناجين القهوة محدودة إذ لم يملك البعض سوى فنجان واحد يشرب به أحد الجلوس ومن ثم يشرب الذي يليه حتى يشرب جميع الحضور. وبعد فترة الفطور يمتد الوقت إلى الوجبة الثانية إلى ما بعد صلاة العصر ويتخلل تلك الفترة أكل بضع تميرات لدفع الجوع إلى أن يحين موعد الفترة الثانية، والذي يبدأ عند البعض قبل المغرب والبعض الآخر إلى قبيل صلاة العشاء بقليل حيث يتناولون وجبة العشاء التي تتكون غالباً من "المرقوق" أو "الجريش" أو "الأرز" على ندرته وقد يضاف مع هذه الأصناف بعضاً من اللحم الطازج أو المجفف أو "القفر" أو بعض الجراد، ومن ثم يؤدي الجميع صلاة العشاء ثم يخلدون إلى النوم. يغنش ومنتو من المناطق التي كانت تعرف أنواعاً عديدة من الأطعمة تختلف عن غيرها من مناطق المملكة فيما مضى هي منطقة الحجاز، خاصةً مكة المكرمة وجدة، ويعود السبب في ذلك إلى أنها كانت تستقبل العديد من أفواج الحجاج من جميع الأقطار العربية والإسلامية عبر ميناء جدة، وبذلك أصبح طعامهم خليطاً من أطعمة تلك الشعوب الذين يحضرون معهم أطعمتهم الخاصة والتي وافقت هوى سكانها، فصاروا يقبلون على أكلها مثل الفول و "اليغمش" و"المنتو" و"السمبوسة" و"المعرق" و"المعصوب"، وكذلك "المطبق" و"السليق" و"الصيادية" و"البرياني" و"الهريسة" و"الفول" وغيرها من الأكلات الحجازية التي كانت تشتهر بها مكة وجدة في ذلك الحين، وهذا ما حدا ببعض الشعراء خلال زيارة مكة المكرمة عندما رأى هذه المأكولات الغريبة على بيئته إلى القول: مل قلب ما يبي شوف الملاوي ما يحب الشعب واللي يدهلونه ديرة هلها يبيعون القهاوي العدس والفول فيها يجلبونه وهكذا صار أهل مكة وجدة يعرفون أكلاً بات متغيراً عليهم، فبعد أن كان جل أكلهم التمر الذي كانوا يحضرونه من منطقة تسمى "أرهاط" والتي تبعد عن "الزيمة" بمقدار ستين كيلومتر تقريباً حيث كانوا يجمعون التمر بعد أن ينضج ويرصونه رصاً شديداً على شكل مكعبات كبيرة أكبر حجماً من "التنكة" بحيث لو سقط على الأرض لم يعلق به شيء من التراب ولا يجتمع عليه النمل؛ لعدم وجود مسامات به، فيجلبونه إلى مكة ومدن الحجاز، فصار هو أكلهم حيث كانوا يقومون بتكسيره بأداة حادة -معول- إذا أرادوا أكله حيث يتفتت فيقتاتون عليه مع الحليب واللبن و"الإقط" وما تنتجه أراضيهم من القمح والذرة والدخن وبعض الخضروات. انتشار الأكلات مع تزايد الوافدين من حجاج بيت الله الحرام شهدت أطعمة أهل الحجاز اختلافاً كثيراً كما أسلفنا، حيث تأثروا بما صار يفد اليهم من أطعمة جديدة لم يكونوا يألفونها، وبعد فترة من الزمن انتقلت هذا الأصناف والمأكولات إلى باقي مناطق المملكة، فبعد انتشار السيارات انتقلت هذا الأكلات أولاً إلى العاصمة الرياض حيث كانت سيارات النقليات التابعة للشركة العربية للسيارات والتي تنقل البضائع إلى الرياض بواسطة سائقين يتوقف سائقوها للراحة في موقف كان يسمى "قراش" في "الحلة" فنقل هؤلاء السائقون ثقافة طعام أهل الحجاز معهم إلى العاصمة الرياض، حيث عمد بعض العاملين إلى افتتاح محلات تقدم مثل هذه الأطعمة كالفول و"المقادم" و"المعرق" و"خبز الشريك" للسائقين فصار عدد من سكان الرياض يترددون عليها ويشترون من أصناف هذه الأطعمة، خاصةً محلات الفول التي فتحت في "الحلة" أولاً ومن ثم في "منفوحة" وبقية الأحياء، حتى انتشرت المحلات التي تبيع هذه الأصناف وغيرها بسرعة نظير الإقبال الكبير عليها، ومن ثم انتقلت هذه الأكلات إلى مدن وقرى الرياض وعدد من المدن الأخرى، والتي قدم إليها عدد من الباعة من منطقة الحجاز وصاروا يبيعون الفول والخبز بعد إعداده في بيوت استأجروها وسكنوها مع عائلاتهم طلباً للرزق، حيث يضعونه في عربات يدفعونها بأيديهم يجوبون فيها الشوارع ويبيعون على أصحاب البيوت. وجبة الكبسة مع انفتاح الاستيراد على مصراعيه بدأ الناس يعرفون أنواعاً جديدة من الأطعمة مثل الأرز والذي لاقى رواجاً كبيراً بين الناس، فسرعان ما صار الأكلة المفضلة في جميع البيوت بدون استثناء وإلى يومنا هذا حيث باتت "الكبسة" وهو ما يطلق على طبخة الأرز سيدة الموائد بل الوجبة الرئيسة اليومية، وهذا ما حدا ببعض الشعراء بأن يقول قصيدة فكاهية تعبر عن ذلك قائلاً: ياما حلا الرّز البخاري على الجوع لا صار مع بيبسي على حزّة النوم وإن كان مع شطّه ترا الهرج ممنوع اضرب بيمنى ما تبي عرف وعلوم خلك ذهينٍ واتبع الرز متبوع من كل جرجير على الجوع مهضوم واليا انتصف بطنك عطه نصّ قرطوع خلّه يهضّم ما خلق بطن معصوم ثم واصل الرحلة ترى الرز دلّوع لا ترحمه يا كود من كرشتك يوم وان كان به تفاح مع موز موضوع والبرتقال أشكال والوان ووسوم شمّر ذراعك واضربه ضرب مسموع لا تلتفت لو جاك من عاذلك لوم وترى الجلي له ذوق من نوع عن نوع لا تاكل الا راقي الذوق معلوم واليا شبعت وصرت ما تشكي الجوع برّاد شاهي عقبه الراس محكوم ومن أول أنواع الأرز المستورد هو الأرز المصري ثم الهندي والباكستاني من بيشاور وكانت ترد في أكياس كبيرة من الخيش تسمى "سرابيل" ومفردها "سربال" ويباع في الحجاز بالكيلة وفي الرياض وما جاورها بالصاع، وهو ما يعادل الثلاثة كيلوجرامات حيث كان ثمن صاع أرز "هورة" على سبيل المثال عند بداية استيراده بخمسة ريالات والأرز المصري -الصاع- بثلاثين ريالاً، وكان من أوائل الموردين "الشربتلي"، واشتهر في ذلك الوقت العديد من أنواع مسميات الأرز من أرز "البكة" و"الفورة"، و"أبو رصيص"، خاصةً في وسط نجد و"البيشاور" و"مزه" و"أبو بنادق" و"أبو سيوف". خضار وفواكه وكانت المزروعات التي تعود الناس على زراعتها محدودة جداً ومن أهمها النخيل ليأكلوا التمر الذي ينتجه والقمح وشيء من الخضروات والبقوليات، أما الفواكه فتكاد تكون محصورة بالحمضيات كالليمون و"الأترج"، إضافةً إلى اشتهار عدد من البلدان بنوع من الفاكهة كاشتهار الدرعية على سبيل المثال بإنتاج نوع من التفاح بقدر حجم الليمون، والتين في مرات، والخوخ والعنب في العيينة، أما ماعدا ذلك من الفواكه فلم يعرفه الناس إلاّ بعد فتح الاستيراد على مصراعيه لكل شيء، ومن ذلك الأغذية كالفواكه فعرف الناس الموز الذي كان يستورده "الشربتلي" في جدة والتفاح والبرتقال وأنواع جديدة لم تكن معروفة كالكمثرى والتوت والكرز والفراولة وغيرها. ومن المواقف الطريفة التي تدل على جهل الناس بالفواكه هو ما حصل لأحد الرجال الذي أقام وليمة وبعدها أراد أن يقدم لضيوفه الفاكهة وكانت عبارة عن برتقال وتفاح وموز وحين غادر المجلس إلى داخل البيت ليحضر الفاكهة وجد زوجته وبناته قد وضعن البرتقال والتفاح في صحن ووضعن الموز عليه مقشراً، مما جعله يوبخهن على هذا العمل، حيث أخبرهن بأن الموز يقدم بقشره، ليُقدم الموز إلى ضيوفه مقشراً وأخبرهم بالقصة مقدماً لهم اعتذاره على جهل أهل بيته. أغذية المعلبات ومن أنواع الأغذية التي بدأ استيرادها هي المأكولات المعلبة في علب من القصدير ومن أول هذه الأغذية التي أطلق عليها الناس "المعلبات" هي "الجبن" من ماركة "كرافت"، والذي ظل لعشرات السنين على نفس شكل علبته حتى ضرب به المثل في الدلالة على عدم التغير، فكان من يغيب عنه شخص عددا من السنين ولا يتغير شكله رغم كبر سنه يقولون له: "كأنك جبن كرافت"، ومن المعلبات أيضاً "التونة" وكان أجودها ولا يزال اليابانية، وأيضاً شرائح الأناناس والعصيرات كعصير التوت والعنب والطماطم والبرتقال والتفاح، كما كان هناك أغذية معلبة في "تنك" مثل الزيوت والتي يسمونها سمن بحري؛ لأنها تأتي من البحر مثل سمن "أبو شوكة وملعقة" و"أبو عنز" و"أبو تلفون"، ومن المأكولات الني ترد في "تنك" أيضاً البسكويت مثل بسكويت "أبو سنبلة" أميركي الصنع، إضافةً إلى أصناف عديدة من الأغذية كالسكر والشاي ومن أشهره "أبو جبل" والحليب المجفف والسكر والحلويات. صلاحية مفتوحة كانت جميع المعلبات تحتوي على تاريخ الصنع ونهاية الصلاحية، ولكن الناس في بداية الاستيراد لم تكن تلتفت لهذا التاريخ، بل لم تكن تهتم بذلك أصلاً، ولعل من أسباب ذلك جهل الكثيرين بالقراءة والكتابة، وكثيراً ما يتم استهلاك الناس لعدد من الأطعمة المعلبة وهي منتهية الصلاحية بدون علمهم، فلم يكن في ذلك الزمان رقابة بلدية كافية، فهم لا يرون انتهاء صلاحية هذه المعلبات ولو حدث في العلبة انتفاخ إلاّ عند خروج جزء من الأكل من العلبة وفسادها أو أن يتغير طعمها، ومن المعلبات التي تستخدم بكثرة ولو انتهى تاريخ صلاحيتها "الصلصة" والتي يسمونها صلصة "الوزان" وهي ايطالية الصنع، أو صلصة "عدنان" نسبةً إلى اسم مستوردها، فعندما يفتح أحدهم العلبة يطير شيء من محتواها، وقد يصل إلى السقف، لذلك تجد سقف بعض "القهاوي" التي على الطرق يطغى عليه اللون الأحمر نتيجة فتح أكثر من علبة للطبخ يومياً، إذ ربما تكون بالعشرات، مما جعل طيران الصلصة من علبتها صفة وسمة مميزة لها، فعندما يفتح أحدهم علبة الصلصة ولا يطير شيء من محتواها يقول بأنها غير أصلية أو غير جيدة. زيادة رقابة بات أمر الاستيراد للأغذية اليوم أكثر تنظيماً من ذي قبل بفضل توفر الإمكانات وظهور أنواع من أجهزة الكشف من أجل التأكد من صلاحية الأغذية للاستهلاك الآدمي، كما زادت ثقافة المجتمع وبات المستهلك أكثر وعياً في انتقاء الأطعمة ذات الجودة العالية، وكذلك في متابعة تاريخ الصلاحية والتأكد من سلامة المنتج من العيوب التصنيعية أو التخزينية، كما زادت رقابة الأجهزة البلدية بكثافة على منافذ البيع من أجل سلامة ما يعرض في الأسواق من سلع وخصوصاً الأغذية.

مشاركة :