كان يمكن أن يكون نمر النمر، الآن، بيننا، بين أهله وذويه وأصدقائه، يخدم بلاده وطائفته ودينه ومواطنيه بالحكمة والموعظة الحسنة والرفق والمحبة والتسامح والنقد البناء مثلما يفعل كل العقلاء الراشدين الساعين بالصلاح والإصلاح والصلح، شيعة وسنة، لكنه، مثل أي متطرف، أو مثل أي تابع آخر لمتطرفين، اختار أسلوباً آخر، هو «المهايطة» والتقوى بالظلاميين، ومعاداة شعب ومجتمع ووطن، والتحريض على نشر الفوضى والفتنة والفرقة ومواجهة رجال الأمن والتحريض على العصيان المسلح وطرح شعارات استفزازية يعلم هو قبل غيره أنها غير منطقية وغير عملية ولن يحالفها نجاح إضافة إلى أنها مشروع صريح ومعلن لنظام معاد للوطن والهوية العربية. ومصير مثل هذا السلوك معروف في كل مكان في العالم، بل إن إيران نفسها التي تزعم الدفاع عن النمر، حينما سلك مواطنون إيرانيون وشيوخ دين إيرانيون نفس طريق النمر، بل وأقل عدوانية واستفزازاً، علقهم نظام الخامنئي في مشانق الرافعات، وبعضهم، مثل محمد علي ابطحي نائب الرئيس الإيراني الإصلاحي السابق محمد خاتمي وآخرين، خرجوا من سجون الآيات لا يعرفون أبناءهم، وبعضهم أرسل من السجن إلى المقبرة، لمجرد أنهم احتجوا سلمياً على تزوير نتيجة الانتخابات الرئاسية عام 2009. وأمضى أية الله حسين منتظري، رفيق الخميني وركن الثورة في إيران، سنين طوالاً في سجن جبري لأنه احتج على أساليب الحرس الثوري وتجاوزات السلطة في إيران. وفي الحقيقة فإن نمر النمر هو مجرم وضحية في نفس الوقت، مثله مثل كثير من مجانين التطرف والغلو، الشيعة والسنة، الذين اختطفتهم الآلات الحزبية الجهنمية للحرس الثوري الإيراني ومنظمات داعش والقاعدة. نمر النمر ضحية لنار الطائفية التي كانت، ولا تزال، برنامجاً إيرانياً معلناً للتصدير إلى الدول العربية بالذات، و«وقودها» الشيعة العرب بالذات، وفي السنوات الأخيرة اشعلت طهران نيرانها بعد أن أنضجتها. نمر النمر ضحية لأنه ارهف أذنيه للسمع للذين «ينفخونه» ونجحوا في تحويله إلى أداة لإثارة الفتنة، ثم لا يهمهم مصيره، مع أنهم أيضاً يستثمرونه حياً وميتاً لصالح مشاريع سياسية بغطاء ديني. وإذا كان نظام طهران قد عاقب آية الله حسين منتظري، وسلط أسلحته وميلشياته على رجل بقامة آية الله محمود الصرخي في العراق، فما هو وزن النمر بالنسبة للنظام سوى أنه مجرد طلقة في بروبغندا الحرس الثوري، مثل أي ساذج تعبئه داعش بالمتفجرات وترسله إلى مسجد في الكويت أو القديح، فاختار، بملء سذاجته، أن يكون ضحية أولاً ومجرماً ثانياً. دعا نمر النمر إلى انفصال جزء من الوطن وإهدائه إلى نظام الولي الفقيه في طهران، وهذه في عرف كل الدول والشعوب، بما فيها إيران، خيانة للإجماع الوطني تقابلها معظم دول العالم بالإعدام، ومشانق الرافعات في طهران ومدن إيرانية أخرى تشهد أن معظم الذين خنقتهم كانوا يطالبون بما كان يطالب به النمر. بل إن المشانق الإيرانية قد خنقت أحوازيين شيعة عرباً فقط لأنهم قد طالبوا بالتحدث بلغتهم والتسمي بأسماء عربية. وهذا يعني أن الذي قتل نمر النمر هو الحرس الثوري الإيراني الذي حرضه وزين له أعماله، أو أمره بتنفيذها، وأقنعه أنه بطل، وأنه معه ويحميه ويسانده، فاستجاب بسذاجة وتهور، لأن في القطيف شيوخ دين، لا يبزهم النمر اخلاصاً للمذهب ولا علماً ولا فقهاً ولا شجاعة في المواقف، ورجال شرفاء حكماء اختاروا الحكمة والإصلاح الحقيقي، ورفضوا أن يكونوا توابع ولعباً وأدوات في يد أنظمة وخلايا وأحزاب ومجموعات تحركها أصابع من خلف الحجب، بعناوين وهمية وأحلام طوباوية. رفضوا أن يكونوا ضحايا صراع قومي وسياسي وإقليمي ليس له، في الجوهر، أي علاقة بالدين وإن كان بعنوان ديني. وأقل سوءات النمر هي إحراجه لأغلبية الإخوة الشيعة الكرام، رجالا ونساء، الذين لا يشك أي عاقل منصف، في ولائهم، ولا أحد يزايد على وطنيتهم إلا مأزوم مهزوم، ولا يضرهم شواذ من الطائفيين الذين اختطفهم الحرس الثوري وأحزابه الطائفية، مثلما يجب ألا يضرنا الغلاة الذين اختطفتهم داعش، فمهمة هؤلاء الطائفيين الظلاميين، عندنا وعندهم، هي تدمير روابط الإخوة ووشائج الود بين الناس، وتوزيع الظلام والظلاميات والفوضى والفتنة وتسميم العلاقات الاجتماعية، فهذه هي مهمة الطائفيين المقدسة في كل العصور وعلى مر التاريخ وفي كل مكان على وجه الأرض. وتر وطن الضياء.. رسالة التاريخ.. سلام صباحك.. وحلمك سلام.. منذ أن تصافح سنابل الشمس أمواج الخليج، وتمتزج بثرى واحات نجد الخصيبة.. وترسم قامات النخيل.. وسامقات الأثل في وادي القرى.. إلى أن تعانق مآذن البيت العتيق، ومدينة الضياء المنورة، وغيضة المنبر. وتدس دفأها في شواطئ رابغ الساحرة.. ومراكب السلام..
مشاركة :