راشد بن سعيد.. المُنجز والذكرى

  • 10/7/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

في العاشرة من مساء الأحد السابع من أكتوبر 1990، أسلم راشد الروح لباريها، ورحل عن الدنيا بهدوء وسلام. تصدعت برحيله الكثير من القلوب، وسالت الكثير من الدموع. لم يصدق الكثيرون أن راشد الذي كان أباً لهم عبر أكثر من ثلاثة عقود، قد رحل، وأصعب رحيل، هو رحيل الوالد. بهذه الكلمات العميقة التأثر والتأثير، عبّر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، عن اللحظة الأخيرة في حياة والده الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم «1912 - 1990» نائب رئيس الدولة حينها، وحاكم دبي، ومؤسس انطلاقتها وباني نهضتها، ليظل ذلك اليوم عميق الحضور في وجدان كل إنسان، عرف الشيخ راشد وعاش في هذه البلاد، ورأى من سماحته وإنسانيته، ما استحق معه أن يظل دائم الحضور، راسخ الذكرى في وجدان الوطن وأبنائه الأوفياء. نشأ الشيخ راشد بن سعيد في بيت سيادة وحكمة ومجد، فقد كان والده الشيخ سعيد بن مكتوم آل مكتوم «1878 _ 1958»، رحمه الله، رجلاً نادر الأخلاق، ونبعاً من ينابيع الطيبة والرحمة وحب الخير للناس، حكم دبي في الفترة 1912_ 1958، وتحدث عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، في مفتتح سيرته الذاتية «قصتي: 50 قصة في خمسين عاماً»، فذكر من طيب أخلاقه وسماحة نفسه، وحسن تعامله مع مواطنيه، ما يجعلنا نتفهم الطبيعة الاستثنائية للشيخ راشد، ثم لوارثي مجده وسيادته من بعده، فهم سلسلة من الرجال الأماجد، الذين يحرص اللاحق منهم على استكمال أمجاد السابق، ولسان حالهم يقول: رجالٌ إذا ما بنَوْا أحسنوا البِنا وإن عاهدوا أوفوا، وإن عقدوا شدّوا وإن كانت النعماءُ فيهم جَزَوْا بها وإن أنعموا لا كدّروها ولا كدّوا التطور والبناء وبعد وفاته، رحمه الله، تولى الشيخ راشد، رحمه الله، مقاليد الحكم في دبي، وبدأت مرحلة جديدة من التخطيط للانتقال بدبي نحو مرحلة من التطور والبناء، تجعل منها وجهة عالمية، فشمر عن ساعد الجد، وانخرط في عملية بناء عز نظيرها، كانت تكلفه سهر الليل، والحرص على المتابعة منذ الصباح الباكر، فبحسب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، لم يكن والده الجليل ينام سوى خمس ساعات في الليل، مع قيلولة قصيرة في النهار، وما عدا ذلك من الوقت، فهو في العمل والإنجاز. ولذلك، كان هو المعلم الأول لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، الذي عبّر عن ذلك بقوله: راشد بن سعيد معلمي الأول، ثم ذكر كيف أنه غرس في قلبه وعقله قيمة العمل، حين كان يردفه في الصباح الباكر وراءه على خيله، في سن مبكرة جداً، حين كان عمر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد ثلاث سنوات، لكي يرسخ في قلبه الغض الطري حب دبي وحب الوطن، ولذلك ترسخت هذه الثلاثة في وجدان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، وعبّر عن ذلك باعتزاز وشموخ، حين قال: أبي والخيل ودبي، هي ذكرياتي الأولى في طفولتي، أبي والخيل ودبي، هي ذاكرتي التي ستبقى معي حتى النهاية. في ذكرى وفاة الشيخ راشد، رحمه الله، تظل الدروس التي نستلهمها من مدرسته الإدارية في بناء الدولة، هي أعمق إرث يجب المحافظة عليه، والاحتفاظ بجوهره الأصيل من خلال استلهامه وتطبيقه في حياتنا اليومية، وليس من المبالغة في شيء، أن يقال: إن كل إنجاز تحقق في مدينة دبي التي تسابق الزمن، كان للشيخ راشد، رحمه الله، بصمة مبكرة في تجسيده واقعاً، لا بل إن انطلاقة دبي نحو الأفق العالمي، كانت بتصميم لا يلين من هذا القائد الجسور، الذي اقتحم الحياة العملية ببصيرة ثاقبة، وفروسية إدارية تتسلح بالجرأة والعزيمة القوية، التي لا تعرف التردد، فهو الذي دشن المشاريع الكبرى في الإمارة، من الموانئ وشركات الطيران والبنية التحتية المتميزة، التي جعلت دبي في القمة العليا بين المدن، ورقمت اسمها في صفحة المجد، ودخلت التاريخ من أوسع أبوابه، بفضل تلك الانطلاقة الواثقة مع باني نهضتها ومؤسس مجدها وفخرها، طيّب الذكرى، المغفور له، الشيخ راشد بن سعيد، رحمه الله. في القصة الحادية عشرة من كتاب صاحب السمو «قصّتي»، والتي جاءت بعنوان: راشد بن سعيد: دروس لا تنتهي. ينقل لنا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، التفاصيل الراسخة في يوميات والده الجليل، الذي كان يبدأ يومه مع صلاة الفجر، ليبدأ بعد ذلك جولته الميدانية لتفقد المشاريع، قبل أن يعود إلى البيت لتناول طعام الإفطار، ثم الانتقال إلى مكتبه في الخور، لمقابلة المشرفين على المشاريع، الذين كان يذهلهم معرفة الشيخ راشد للتفاصيل أكثر مما يعرفونه، فكان لذلك أكبر الأثر في ضبط مسيرة التنمية في دبي، وتعميق حس المسؤولية لدى العاملين في نهضتها، بحيث أصبحت المصداقية في كل المشاريع، هي طابعها الذي لا يمكن أن تتنازل عنه، من خلال المتابعة الحثيثة للقائد، وتوزيع المسؤوليات على الجميع، والمشاركة في المكاسب والمنجزات. في ذكرى راشد بن سعيد، يتذكر أبناء الإمارات قائداً استثنائياً، وضع يده في مرحلة مبكرة جداً من عمر الوطن، في يد القائد الباني، المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، وتعاهدا على بناء الدولة، في اتحاد يجعل منها دولة قوية متماسكة، تحظى باحترام العالم وتقديره. وساندهما في ذلك، شيوخ وحكام الإمارات الأصلاء، فتحقق الحلم، وبزغ نجم الدولة في سماء العروبة والإسلام، واندفعت في عملية بناء وتنمية أذهلت العالم، فرحمة الله على تلك الروح الطيبة، ورحم الله كل من أسهم في بناء هذا الوطن، وتشييد بنيانه على الأسس الراسخة، لتظل ذكرى الشيخ راشد بن سعيد، لحظة إلهام لكل أبناء الوطن الذين يستلهمون سيرته، ويفتخرون بإنجازاته، ويقتدون بأخلاقه التي هي أخلاق الفرسان السادة الشجعان. يا راشد الخير إن فارقتنا جسداً فإنّ ذكرك في الوجدان خفّاقُ فأنت كالشمس تعلو فوق ديرتنا في كل يوم لها في القلب إشراقُ هذا وريثك شيخُ الدار سيّدنا محمدُ الخير للخيرات سبّاقُ ما غاب طيفُك عن شعبٍ أحبّكُمُ حُبًّا له في حنايا الروح أشواق يا راشد الخير لا ننساك ما طلعتْ شمسُ النهار لها في الكون آفاقُ رحمك الله يا طيّب الذكرى طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App

مشاركة :