احتمالات المواجهة بين الولايات المتحدة والصين في الشرق الأوسط

  • 10/7/2022
  • 01:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2011م‭ ‬أعلنت‭ ‬هيلاري‭ ‬كلينتون‭ ‬وزيرة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬آنذاك‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬فورين‭ ‬بوليسي‭ ‬‮«‬قرن‭ ‬المحيط‭ ‬الهادئ‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬أمريكا‮»‬،‭ ‬مدعيةً‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬عقدين‭ ‬من‭ ‬الاشتباك‭ ‬العسكري‭ ‬المستمر‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وصلت‭ ‬واشنطن‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬نقطة‭ ‬محورية‮»‬‭ ‬تسعى‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬‮«‬زيادة‭ ‬الاستثمار‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬دبلوماسيًّا‭ ‬واقتصاديًّا‭ ‬واستراتيجيًّا‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬آسيا‭ ‬والمحيط‭ ‬الهادئ‮»‬‭. ‬وبعد‭ ‬أحد‭ ‬عشر‭ ‬عامًا،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تكثيف‭ ‬المنافسة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وجمهورية‭ ‬الصين‭ ‬لتعكس‭ ‬حربًا‭ ‬باردة‭ ‬جديدة‭ ‬بين‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬أمريكا‭ ‬تقدم‭ ‬حضورًا‭ ‬عسكريًّا‭ ‬لا‭ ‬مثيل‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬كقوة‭ ‬خارجية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬النفوذ‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والسياسي‭ ‬القوي‭.‬ وفي‭ ‬العقد‭ ‬الذي‭ ‬أعقب‭ ‬بيان‭ ‬كلينتون،‭ ‬استمرت‭ ‬الدعوات‭ ‬من‭ ‬الخبراء‭ ‬والسياسيين‭ ‬الغربيين‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لتقليل‭ ‬وجودها‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬المحللين‭ ‬الذين‭ ‬روجوا‭ ‬لهذا‭ ‬التحول‭ ‬جاستن‭ ‬لوجان،‭ ‬زميل‭ ‬أول‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬كاتو،‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2020،‭ ‬أن‭ ‬‮«‬أفضل‭ ‬شيء‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تفعله‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‮»‬‭ ‬للشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬هو‭ ‬‮«‬المغادرة‮»‬،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬اعتبر‭ ‬آرون‭ ‬ديفيد‭ ‬ميلر‭ ‬وريتشارد‭ ‬سوكولسكي،‭ ‬من‭ ‬مؤسسة‭ ‬كارنيغي‭ ‬للسلام‭ ‬الدولي،‭ ‬أن‭ ‬المنطقة‭ ‬‮«‬ببساطة‭ ‬ليست‭ ‬بنفس‭ ‬الأهمية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬للمصالح‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‮»‬‭.‬ في‭ ‬مواجهة‭ ‬هذا‭ ‬الرأي،‭ ‬أكد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المراقبين‭ ‬الأهمية‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬المستمرة‭ ‬للمنطقة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬واشنطن،‭ ‬ففي‭ ‬عام‭ ‬2021‭ ‬قال‭ ‬ويليام‭ ‬وشسلر،‭ ‬مدير‭ ‬برنامج‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بالمجلس‭ ‬الأطلسي،‭ ‬إنه‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬‮«‬أن‭ ‬تسعى‭ ‬للعودة‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬التقليدي‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬واستعادة‮»‬‭ ‬الوضع‭ ‬الراهن‭ ‬كقوة‭ ‬تقليدية‭ ‬بالمنطقة‭ ‬‮«‬بالتوازي‮»‬‭ ‬مع‭ ‬الضغط‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحسينات‭ ‬تدريجية‭ ‬في‭ ‬الأمن‭ ‬الإقليمي‭ ‬والازدهار‭ ‬والرفاهية‭ ‬العامة‭. ‬ ومع‭ ‬وضع‭ ‬مكانة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬كمركز‭ ‬عالمي‭ ‬لتصدير‭ ‬النفط،‭ ‬كتب‭ ‬جون‭ ‬ألترمان،‭ ‬مدير‭ ‬برنامج‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬الدراسات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬والدولية‭ (‬CSIS‭) ‬بواشنطن،‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬‮«‬البعض‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬قد‭ ‬ابتهج‭ ‬بتراجع‭ ‬دور‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬أمام‭ ‬مصادر‭ ‬بديلة،‭ ‬ما‭ ‬سيعني‭ ‬قريبًا‭ ‬نهاية‭ ‬المصالح‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‮»‬،‭ ‬لكنه‭ ‬حذر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬‮«‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬ليست‭ ‬بهذه‭ ‬البساطة‮»‬‭.‬ وبينما‭ ‬يرى‭ ‬لوجان‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2020‭ ‬أن‭ ‬‮«‬أهمية‭ ‬نفط‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬تقريبًا‮»‬‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬قبل‭ ‬ربع‭ ‬قرن،‭ ‬ولم‭ ‬يؤدِّ‭ ‬الوجود‭ ‬العسكري‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬إلى‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬أسعار‭ ‬النفط،‭ ‬أصر‭ ‬ألترمان‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬قدرة‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬النفط‭ ‬تبقيها‭ ‬دائما‭ ‬على‭ ‬صلة‭ ‬استراتيجية‭ ‬بالمصالح‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬‮«‬عدم‭ ‬رغبة‭ ‬المستثمرين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬في‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬استكشاف‭ ‬الطاقة‭ ‬والاستثمار‭ ‬في‭ ‬بنيتها‭ ‬التحتية‮»‬؛‭ ‬وبسبب‭ ‬‮«‬العداء‭ ‬لقطاع‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬لأسباب‭ ‬بيئية‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬مصافي‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬‮«‬لا‭ ‬يمكنها‭ ‬بدء‭ ‬تلبية‭ ‬الطلب‮»‬،‭ ‬مضيفًا‭: ‬‮«‬لقد‭ ‬مرت‭ ‬عقود‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬بناء‭ ‬إحداها،‭ ‬ولن‭ ‬يقوم‭ ‬أحد‭ ‬ببناء‭ ‬غيرها‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‮»‬‭.‬ لقد‭ ‬أظهرت‭ ‬جائحة‭ ‬الفيروس‭ ‬التاجي‭ ‬والحرب‭ ‬الروسية‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬2022‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭ ‬التأثير‭ ‬المستمر‭ ‬لنفط‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وفي‭ ‬حين‭ ‬كتب‭ ‬ألترمان‭ ‬‮«‬الحكمة‭ ‬التقليدية‮»‬‭ ‬أن‭ ‬‮«‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬ستنحدر‭ ‬بهدوء‭ ‬إلى‭ ‬أسفل‭ ‬مع‭ ‬تراجع‭ ‬الطلب‮»‬،‭ ‬فقد‭ ‬رأى‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬الأحداث‭ ‬‮«‬من‭ ‬غير‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬تمضي‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‮»‬،‭ ‬وبدلاً‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬توقع‭ ‬‮«‬فترة‭ ‬ينخفض‭ ‬فيها‭ ‬العرض‭ ‬بسرعة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬الطلب»؛‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬‮«‬ضغط‭ ‬تصاعدي‭ ‬على‭ ‬الأسعار‮»‬‭. ‬ وإلى‭ ‬جانب‭ ‬الإقرار‭ ‬بالأهمية‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬المستمرة‭ ‬للنفط،‭ ‬تم‭ ‬أيضًا‭ ‬تأكيد‭ ‬حاجة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬المنافسة‭ ‬من‭ ‬الجهات‭ ‬الفاعلة‭ ‬العالمية‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬يرى‭ ‬جيمس‭ ‬فيليبس‭ ‬وجون‭ ‬فينابل‭ ‬من‭ ‬مؤسسة‭ ‬هيرتدج‭ ‬أن‭ ‬ضمان‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬‮«‬يتوقف‭ ‬على‭ ‬احتواء‭ ‬التهديدات‭ ‬الصادرة‭ ‬من‭ ‬إيران‮»‬،‭ ‬وكذلك‭ ‬‮«‬تقليل‭ ‬التأثيرات‭ ‬الخارجية‭ ‬العدائية‮»‬،‭ ‬مضيفين‭ ‬أن‭ ‬منطقة‭ ‬غير‭ ‬مستقرة‭ ‬ستكون‭ ‬‮«‬متاحة‭ ‬أمام‭ ‬النفوذ‭ ‬الصيني‭ ‬والروسي‮»‬‭ ‬لتحدي‭ ‬دور‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.‬ كما‭ ‬أدت‭ ‬الانتكاسات‭ ‬الروسية‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬أوكرانيا‭ ‬إلى‭ ‬تقليص‭ ‬الخطر‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬لدور‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬حيث‭ ‬أشار‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الأداء‭ ‬الضعيف‭ ‬لموسكو‭ ‬في‭ ‬الحرب‮»‬‭ ‬قد‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬اهتزاز‮»‬‭ ‬صورة‭ ‬بوتين‭ ‬كشخص‭ ‬أكثر‭ ‬نجاحًا‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أو‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬تنفيذه‭ ‬لعمليات‭ ‬عسكرية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬‮«‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬الشكوك‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬لدى‭ ‬حكومات‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬حول‭ ‬الالتزام‭ ‬الأمريكي‭ ‬بالدفاع‭ ‬عنها‮»‬‭ ‬فإن‭ ‬المشاكل‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬‮«‬لم‭ ‬تبعث‭ ‬الثقة‮»‬‭ ‬في‭ ‬قدرة‭ ‬موسكو‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬شريكًا‭ ‬أمنيًّا‭ ‬بديلاً‭.‬ وتمثل‭ ‬جمهورية‭ ‬الصين‭ ‬تحديًا‭ ‬أكبر‭ ‬بكثير‭ ‬لدور‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الإقليمي،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬كتب‭ ‬ألترمان‭ ‬كيف‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تحركت‭ ‬فيه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لتحويل‭ ‬وجهها‭ ‬شطر‭ ‬آسيا،‭ ‬كانت‭ ‬الصين‭ ‬‮«‬تشق‭ ‬طريقها‭ ‬بصبر‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‮»‬‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إعلان‭ ‬نفسها‭ ‬باعتبارها‭ ‬‮«‬الترياق‭ ‬المضاد‭ ‬للهيمنة‭ ‬الأمريكية‮»‬‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬ ومن‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬جوانب‭ ‬جذابة‭ ‬من‭ ‬العلاقات‭ ‬الوثيقة‭ ‬مع‭ ‬بكين‭ ‬لدول‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬مع‭ ‬العلاقات‭ ‬المبنية‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬على‭ ‬العلاقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وليس‭ ‬السياسية‭ ‬أو‭ ‬الأمنية،‭ ‬حيث‭ ‬بلغ‭ ‬إجمالي‭ ‬التجارة‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬ودول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2021‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬247‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬وبلغت‭ ‬قيمة‭ ‬التجارة‭ ‬الصينية‭ ‬مع‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬والإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬87‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬و75‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬على‭ ‬التوالي‭ ‬عام‭ ‬2021‭. ‬وبالمقارنة،‭ ‬بلغ‭ ‬إجمالي‭ ‬المعاملات‭ ‬التجارية‭ ‬لدول‭ ‬الخليج‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬62‭.‬6‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬فقط‭. ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬نظرًا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬بكين‭ ‬‮«‬لا‭ ‬تقدم‭ ‬محاضرات‭ ‬حول‭ ‬الحوكمة‭ ‬ولا‭ ‬تتطرق‭ ‬إلى‭ ‬شيء‭ ‬سوى‭ ‬الأمور‭ ‬التجارية‭ ‬البحتة‮»‬،‭ ‬فقد‭ ‬سجل‭ ‬ألترمان‭ ‬أن‭ ‬دور‭ ‬الصين‭ ‬الإقليمي‭ ‬‮«‬ملموس‮»‬‭ ‬للزعماء‭ ‬الإقليميين‭ ‬ويتعارض‭ ‬بشكل‭ ‬صارخ‭ ‬مع‭ ‬التصورات‭ ‬المستمرة‭ ‬لدول‭ ‬المنطقة‭ ‬حول‭ ‬‮«‬عدم‭ ‬الاهتمام‮»‬‭ ‬من‭ ‬قِبَل‭ ‬واشنطن‭.‬ وتنظر‭ ‬بكين‭ ‬إلى‭ ‬حاجتها‭ ‬إلى‭ ‬مصدر‭ ‬آمن‭ ‬للطاقة‭ ‬تتيحه‭ ‬المنطقة‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬نقطة‭ ‬ضعف‭ ‬دائمة‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬يمكن‭ ‬لواشنطن‭ ‬‮«‬قطع‭ ‬هذه‭ ‬الإمدادات‭ ‬النفطية‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬سريعًا‮»‬‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المقرر‭ ‬أن‭ ‬يندلع‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬هاتين‭ ‬القوتين‭ ‬العظميين‭. ‬وتفتقر‭ ‬الصين‭ ‬أيضًا‭ ‬إلى‭ ‬نفس‭ ‬الحجم‭ ‬من‭ ‬احتياطيات‭ ‬النفط‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬التي‭ ‬تمتلكها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬حيث‭ ‬أدى‭ ‬اعتماد‭ ‬الأولى‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬الفحم‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬مستويات‭ ‬التلوث‭ ‬في‭ ‬البلدات‭ ‬والمدن‭ ‬الخاصة‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬مستويات‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة‭.‬ وفي‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لطالما‭ ‬سعت‭ ‬إلى‭ ‬فك‭ ‬ارتباطها‭ ‬بشكل‭ ‬تدريجي‭ ‬عن‭ ‬المنطقة،‭ ‬أكد‭ ‬ألترمان‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬احتفظت‭ ‬‮«‬بسياسة‭ ‬مدروسة‭ ‬وواقعية‭ ‬تجاه‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‮»‬‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬الاعتراف‭ ‬بأن‭ ‬علاقاتها‭ ‬بالمنطقة‭ ‬‮«‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تزداد‭ ‬قوة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬أضعف‮»‬‭. ‬ويرى‭ ‬الزميل‭ ‬البارز‭ ‬المختص‭ ‬بالشؤون‭ ‬الصينية‭ ‬في‭ ‬مؤسسة‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الديمقراطيات‭ ‬كريج‭ ‬سينجلتون‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتجلى‭ ‬تلك‭ ‬القوة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأحداث‭ ‬المستقبلية؛‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني‭ ‬حال‭ ‬إبرامه‭ ‬سيمكن‭ ‬الصين‭ ‬من‭ ‬‮«‬تعميق‭ ‬نفوذها‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬الخليج‮»‬‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬زيادة‭ ‬الاستثمارات‭ ‬والتجارة‭ ‬التبادلية‭ ‬مع‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني،‭ ‬وربما‭ ‬تسعى‭ ‬بكين‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬الهدف‭ ‬المعلن‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬مضاعفة‭ ‬حجم‭  ‬التجارة‭ ‬الثنائية‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2026‭ ‬جراء‭ ‬انتعاش‭ ‬قطاعات‭ ‬النفط‭ ‬والصلب‭ ‬والذهب‭ ‬والألمنيوم‭. ‬ وفي‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬بكين‭ ‬‮«‬تضع‭ ‬نفسها‭ ‬بشكل‭ ‬جيد‭ ‬ضمن‭ ‬دائرة‭ ‬التركيز‭ ‬العالمي‭ ‬المتزايد‭ ‬على‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‮»‬،‭ ‬أشار‭ ‬ألترمان‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬‮«‬تميل‭ ‬إلى‭ ‬اتجاه‭ ‬آخر‮»‬،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬منها‭ ‬للتخلي‭ ‬عن‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وتقليل‭ ‬روابطها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬مع‭ ‬المنطقة‭.‬ وفيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تفعله‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬استراتيجيتها‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬المتوسط‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬قال‭ ‬ديفيد‭ ‬شينكر،‭ ‬الزميل‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬واشنطن‭ ‬لسياسة‭ ‬الشرق‭ ‬الأدنى‭ ‬ومساعد‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬السابق‭ ‬لشؤون‭ ‬الشرق‭ ‬الأدنى،‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬‮«‬التعاون‭ ‬الأمني‭ ‬داخل‭ ‬المنطقة‮»‬‭ ‬أولوية‭ ‬للإدارات‭ ‬الأمريكية‭ ‬لحماية‭ ‬مصالحها‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬تطبيع‭ ‬العلاقات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2020‭ ‬جعل‭ ‬‮«‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬التعاون‭ ‬الملموس‭ ‬ممكنًا‮»‬‭. ‬ولكن‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بتشكيل‭ ‬شبكة‭ ‬دفاع‭ ‬جوي‭ ‬متكاملة‭ ‬للحماية‭ ‬من‭ ‬الضربات‭ ‬الجوية‭ ‬والصاروخية‭ ‬الإيرانية،‭ ‬كتب‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬‮«‬فيليبس‮»‬‭ ‬و«فينابل‮»‬‭ ‬أن‭ ‬عقبة‭ ‬‮«‬عدم‭ ‬الثقة‮»‬‭ ‬بين‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬المعنية‭ ‬يمكن‭ ‬‮«‬تخفيفها‭ ‬إذا‭ ‬أكدت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬قيادتها‭ ‬كأمة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬حل‭ ‬القضايا‭ ‬العالقة‮»‬‭.‬ بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬توازن‭ ‬بين‭ ‬نشر‭ ‬القوات‭ ‬الأمريكية‭ ‬بين‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وكذلك‭ ‬بمنطقة‭ ‬المحيطين‭ ‬الهندي‭ ‬والهادئ‭ ‬وبقية‭ ‬العالم‭ ‬أجمع‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬تشير‭ ‬أنجيلا‭ ‬ستينت،‭ ‬زميلة‭ ‬أولى‭ ‬غير‭ ‬مقيمة‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬بروكينغز،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬حرب‭ ‬أوكرانيا‭ ‬‮«‬أكدت‭ ‬أهمية‭ ‬الدور‭ ‬القيادي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عنه‭ ‬لواشنطن‭ ‬كضامن‭ ‬لأمن‭ ‬دول‭ ‬أوروبا‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬أفاد‭ ‬كريج‭ ‬سينجلتون‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬بدون‭ ‬قدرات‭ ‬أمريكية‭ ‬مستدامة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬المحيطين‭ ‬الهندي‭ ‬والهادئ‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الصين‭ ‬أشد‭ ‬جرأة‭ ‬بدرجة‭ ‬كافية‭ ‬على‭ ‬إجراء‭ ‬مناورات‭ ‬عسكرية‭ ‬أكثر‭ ‬خطورة‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬أجرتها‭ ‬مؤخرًا‭ ‬في‭ ‬المياه‭ ‬الإقليمية‭ ‬لتايوان‭ ‬وما‭ ‬حولها‮»‬‭.‬ وفي‭ ‬ضوء‭ ‬هذا‭ ‬النسيج‭ ‬المعقد‭ ‬من‭ ‬الأولويات‭ ‬الأمنية‭ ‬الأمريكية‭ ‬الخارجية،‭ ‬أكد‭ ‬ريتشارد‭ ‬هاس‭ ‬أن‭ ‬‮«‬التحدي‭ ‬الأكثر‭ ‬إثارة‭ ‬للقلق‮»‬‭ ‬للدور‭ ‬الأمريكي‭ ‬عالميًّا‭ ‬‮«‬يكمن‭ ‬داخل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬نفسها‮»‬،‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬نقاط‭ ‬القوة‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتمتع‭ ‬بها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬‮«‬سيادة‭ ‬القانون،‭ ‬والانتقال‭ ‬المنظم‭ ‬للسلطة،‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬جذب‭ ‬المهاجرين‭ ‬الموهوبين‭ ‬والاحتفاظ‭ ‬بهم‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‮»‬،‭ ‬و«الحراك‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والاقتصادي‮»‬‭ ‬الآن،‭ ‬ظهرت‭ ‬‮«‬أقل‭ ‬مما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬السابق‮»‬‭.‬ في‭ ‬النهاية،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬وتصاعد‭ ‬التوترات‭ ‬مع‭ ‬الصين،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬المحيطين‭ ‬الهندي‭ ‬والهادئ،‭ ‬والمنافسة‭ ‬الشرسة‭ ‬مع‭ ‬بكين،‭ ‬وحالة‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬الداخلية‭ ‬غير‭ ‬المؤكدة،‭ ‬تمثل‭ ‬جميعها‭ ‬تحديات‭ ‬استراتيجية‭ ‬رئيسية‭ ‬أمام‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬لذا‭ ‬فهي‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬ماسة‭ ‬إلى‭ ‬ضمان‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬مصالحها‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬ووفقًا‭ ‬لألترمان،‭ ‬ربما‭ ‬يكمن‭ ‬الحل‭ ‬في‭ ‬ضمان‭ ‬أن‭ ‬يظل‭ ‬إنتاج‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬النفط‭ ‬وثيق‭ ‬الصلة‭ ‬بالمصالح‭ ‬الأمريكية،‭ ‬والاعتراف‭ ‬بأن‭ ‬الدور‭ ‬الإقليمي‭ ‬المتزايد‭ ‬للصين‭ ‬يهدد‭ ‬الموقف‭ ‬التقليدي‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬كقائد‭ ‬اقتصادي‭ ‬وسياسي‭ ‬وأمني‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬التحلي‭ ‬بالصبر‭ ‬من‭ ‬قِبَل‭ ‬واشنطن‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬المصالح‭ ‬والشراكات‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬أفضل‭ ‬وجه‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المنطقة،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬تداهمه‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬التحديات‭.‬

مشاركة :