بعد الفشل في قراءة الشارع الفلسطيني والرسائل الصارخة التي يبثها، توصلت أوساط أمنية إسرائيلية إلى أن الهبة التي تشهدها كل بلدات الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلة، هي «انتفاضة تيك توك»، مثلها مثل انتفاضة الجمهور الشاب في أوروبا وفي إيران ضد قمع السلطة. وقد جاء هذا التحليل على أثر العملية التي قام بها شاب فلسطيني من مخيم اللاجئين شعفاط، باقتحام معبر يسيطر عليه الجيش الإسرائيلي والمخابرات؛ بأن استل مسدساً وراح يطلق الرصاص حتى قتلت جندية وأصيب جنديان آخران؛ أحدهما جراحه قاسية. وفي حين رأى عدد من الخبراء الإسرائيليين هذه العملية «ذروة في التعبير عن الغضب الفلسطيني من تجاهل قضيتهم» ومن الهجمة الشرسة لقوات الاحتلال عليهم وتوسيع الاستيطان، وأنه من الضروري التفكير في حلول سياسية للصراع يجدد الأمل، راح آخرون يفتشون عن دوافع أخرى، مثل القول إنها عمليات فردية صبيانية تعبر عن الإحباط. وحسب عدد من الخبراء العسكريين وضباط سابقين وحاليين في المخابرات الإسرائيلية التقتهم صحيفة «يديعوت أحرونوت»، (الاثنين)، فإن هناك عدداً من الصفات المشتركة بين العمليات الفلسطينية المسلحة الأخيرة ضد إسرائيل؛ والتي كان أبرزها وآخرها العملية التي نفذها شاب فلسطيني داخل حاجز عسكري قرب مخيم شعفاط، وبين عمليات الاحتجاج الأخرى في العالم التي يشجع فيها الشباب بعضهم بعضاً. وقالوا إن «للعملية في شعفاط خصائص فريدة من نوعها إلى حد ما؛ بل وجديدة، وبالتالي؛ فإن التعامل معها يتطلب طريقة مختلفة عما عهدناه في التعامل. ولكنها تتطابق مع ما يمكن تسميتها (هبة التيك توك) أو (انتفاضة التيك توك)». وقالوا للصحيفة إنه «في الأسابيع القليلة الماضية؛ يجري تنفيذ العمليات في الغالب من قبل أشخاص دون سن الثلاثين، وهي موجهة بشكل أساسي ضد قوات الجيش الإسرائيلي عند نقاط الاحتكاك. لقد تعرفنا بشكل فعلي على (هبة التيك توك) في الضفة الغربية عموماً؛ وفي شرق القدس بشكل خاص، قبل عملية (حارس الأسوار) في مايو (أيار) عام 2021، عندما اعتاد الشباب الفلسطيني توثيق الإساءة لليهود وتحميلها على الإنترنت. منذ ذلك الحين اتخذت هذه الظاهرة خطوة كبيرة وعنيفة إلى الأمام، حيث أصبحت ذات طابع مقاوم للاحتلال وليس لليهود، فيركزون عملياتهم ضد الجيش». وأضافت الصحيفة؛ وفق الخبراء، أن «هذا جزء من ظاهرة عالمية، فمنفذو العمليات هم من رواد الشبكة الذين يتصرفون على أنهم مصدر إلهام للشباب الآخرين ويشجعونهم على تقليدهم والنزول إلى الشوارع والطرق، وهذا يحدث اليوم أيضاً في إيران مع أعمال الاحتجاج ضد النظام، وحدث في أوروبا مع احتجاجات ضد قيود (كورونا)، وهكذا هي الحال في أجزاء أخرى من العالم. تُخرج الشبكات الاجتماعية؛ و(تيك توك) على وجه الخصوص، الشباب إلى الشوارع - أو في حالتنا إلى عمليات - أحياناً من دون أساس آيديولوجي أو خلفية تنظيمية». وأكد المراسل العسكري في الصحيفة العبرية أن قادة الأجهزة الأمنية في إسرائيل ما زالوا يتحفظون على تعريف ما يجري بأنها «انتفاضة»، ويفضلون رؤيتها «موجة عمليات وتصعيد»؛ وذلك لأن غالبية السكان الفلسطينيين لا يشاركون فيها، ولأن الأشخاص المركزيين هم الشباب المحبطون والغاضبون الذين يعبّرون عن إحباطهم في مواجهات بالأسلحة النارية مع قوات الجيش الإسرائيلي و«الشاباك» الذين يقتحمون مخيمات اللاجئين، أو في عمليات على الطرق والمعابر. يذكر أن تصرفات القوة العسكرية الإسرائيلية في مواجهة عملية شعفاط، تلقى ردود فعل سلبية كثيرة وانتقادات شديدة وتعليقات ساخرة في إسرائيل. ويتناقل الإسرائيليون الأشرطة التي يبثها الفلسطينيون وكذلك التي تتسرب من الشرطة والجيش، وتبين أن الجنود هربوا من الشاب الفلسطيني بدلاً من إطلاق الرصاص عليه وإصابته واعتقاله. وفقط بعد حين، تحركوا؛ لكنه كان قد فر من المكان. ومع أنه هرب مشياً؛ فإن الجيش لم يعثر عليه، مع كل ما استخدم من قوات برية وطائرات. وقال مراسل «القناة 13» لشؤون القدس، يوسي إيلي، إن «المشاهد القاسية للعملية تدلل على إخفاق رهيب، حيث إن 15 جندياً كانوا في المكان على شكل مجموعات كبيرة خلافاً للتعليمات، فلم يفحصوا المركبة التي دخلت الحاجز، قبل أن يخرج الشاب الفلسطيني منها ويتقدم لمسافة صفر من الجنود، ويطلق النار على رؤوسهم دون أن يعترض طريقه أحد»، مضيفاً أن «الجنود فشلوا في مهمة منع العملية، وفشلوا في استهداف المنفذ، وبقينا مع المشاهد القاسية جداً التي خلفوها لنا». وقال المراسل العسكري للقناة الرسمية «كان 11»، روعي شارون: «لم يتمكن 6 جنود من استهداف المخرب؛ رغم أنهم كانوا على مسافة صفر منه. لقد نجح في الفرار... هذا أمر فظيع». وقال المراسل العسكري لصحيفة «معاريف»، طال ليف رام: «العملية كشفت عن وجود خلل خطير في أساليب عمل الجيش، وكيفية تمكن مسلح واحد من اختراق صفوف عشرات الجنود والخروج سالماً من بينهم». وقال مصدر في الشرطة إن «التحقيق الإسرائيلي الأولي يبين أن الشاب الفلسطيني قدم إلى الحاجز وهو مدرك أنه ينفذ عملية انتحارية لن يظل حياً بعدها، وقد فوجئ برد الفعل الإسرائيلي فعاد أدراجه إلى المخيم من دون أن يتمكن أحد من إطلاق النار عليه».
مشاركة :