شاي براون على دراية خاصة بنقص المعلمين في الولايات المتحدة. فبعد نحو أسبوع من بدء العام الدراسي، علمت أن ابنها البالغ من العمر تسع سنوات، والذي يدرس في فصل مخصص للطلاب المصابين بالتوحد، لن يكون لديه مدرس، بدوام كامل، بسبب النقص الحاد في المعلمين في مدارس باترسون العامة، في ولاية نيو جيرسي. وقد استقالت براون من وظيفتها كمعلمة تربية خاصة، في 12 سبتمبر، لتتولى وظيفة براتب أفضل في مدرسة مجاورة؛ وهي تعلم أن قرارها سيزيد من مشكلة نقص المعلمين في باترسون. وتقول براون، التي تكسب 59 ألف دولار سنوياً: «كوني معلمة خاصة فأنا آخذ الأمر على محمل الجد، لكن عليّ أن أهتم بأطفالي». ومنطقتها الجديدة، التي تبعد نحو ميلين في «بروسبكت بارك»، تدفع لها 4500 دولار إضافي سنوياً. وتقول المعلمة الأميركية: «لابد لي من العيش. يجب أن أدفع فواتيري». وكان لدى منطقة باترسون، حيث يعيش ثلث الطلاب البالغ عددهم 26 ألف طالب تحت خط الفقر، نحو ضعف عدد وظائف المعلمين الشاغرة، مع نهاية العام الدراسي، في يونيو. وبينما تمكن المسؤولون من توظيف نحو 150 معلماً خلال الصيف، لاتزال المنطقة تعاني العجز في عدد المدرسين المختصين. وقد بدأت هذا العام الدراسي بـ125 منصباً تعليمياً مفتوحاً، وزادت إلى 137 وظيفة شاغرة مع مغادرة بعض المدرسين. ومن المرجح أن يزداد النقص في المعلمين سوءاً؛ وسيكون آخر يوم لبراون هو 11 نوفمبر. مشكلة عامة ولا تقتصر المشكلة على مدينة باترسون، بل تنتشر في جميع أنحاء الولايات المتحدة. وأفاد أكثر من نصف مديري المدارس العامة، بأن مدارسهم ظلت تعاني نقص الموظفين خلال العام الدراسي، خصوصاً في مجال التعليم الخاص، وفقاً لمسح أجرته وزارة التعليم الأميركية ونُشر في 27 سبتمبر. ولكن، مثل الكثير من الأمور في أميركا، لا تؤثر هذه المشكلة على جميع المدارس بالتساوي. وقال العديد من المعلمين لمجلة «تايم» إنهم غادروا مدينة باترسون إلى مناطق تعليمية يمكن أن تدفع لهم بشكل أفضل، وتوفر المزيد من الموارد. ووجدت دراسة استقصائية واحدة على الأقل أن المدارس في المناطق ذات الدخل المنخفض من المرجح أن يكون لديها وظائف شاغرة.لا واجبات منزلية في غضون ذلك، يعاني الطلاب من التبعات. وفي مدرسة «إيست سايد» الثانوية في باترسون، هناك ما يقرب من 600 طالب مسجلين حالياً في فصول العلوم، التي تفتقر إلى مدرس بدوام كامل، حيث تحاول المدرسة ملء خمس وظائف شاغرة لمعلمي العلوم. وقال متحدث باسم المنطقة التعليمية إن المشرف على العلوم بالمدرسة، قام بتحميل الدروس والمهام لهؤلاء الطلاب، عبر منصة تعلّم افتراضية. وبعض الطلاب ليس لديهم مدرس علوم على الإطلاق، ويعملون في مهام بقاعة المدرسة «تحت إشراف الموظفين». وبالإضافة إلى دفع أموال إضافية للموظفين الحاليين لتغطية الفصول ذات الوظائف الشاغرة، تقول المنطقة إنها ستبدأ قريباً بدفع رواتب للمدرسين، لسد العجز في الفصول التي لا يوجد فيها مدرسون دائمون. وبعد مرور شهر على سنتها الأخيرة في مدرسة جون كنيدي الثانوية، في باترسون، أصبح لدى أبرياني ليما، البالغة من العمر 17 عاماً، صالة ألعاب رياضية ومعلمين للغة الإنجليزية بشكل دائم؛ كما أن لديها مدرسين بدلاء في ثلاث مواد أخرى. وتقول ليما إنها لم تتلقّ واجبات منزلية هذا العام، بينما قال متحدث باسم المنطقة التعليمية إن الفصول الدراسية التي ليس بها معلمون دائمون، يتم نشر الواجبات والمهام لطلابها على الإنترنت يومياً. وتقول ليما: «العام الماضي كان صعباً بالنسبة لي»، متابعة «في الواقع لم ندرس في المدرسة منذ ما يقرب من عامين، وفي بعض الأحيان لا أشعر بالرغبة في الذهاب، لأنه لا فائدة من الذهاب إذا لم يكن هناك مدرسون». مصدر قلق وهذا هو بالضبط ما يقلق براون، المعلمة في باترسون، التي تخشى أن يتخلف ابنها في الكتابة والرياضيات من دون مدرس تعليم خاص معتمد. وأدى الوباء إلى انخفاض كبير في التحصيل الدراسي، هو الأدنى في الـ50 عاماً الماضية، ووسّع فجوة التحصيل بين الطلاب السود والبيض. وفي الوقت الذي تحاول فيه المدارس مساعدة الطلاب على اللحاق بالركب، تتضمن حلولها تعليمات لمجموعات صغيرة ودروساً خصوصية فردية، والتي يكاد يكون من المستحيل تقديمها عندما لا يكون لدى المدارس عدد كافٍ من المعلمين. وتقول براون: «هناك فجوات في التعلم. مازلنا نعاني تبعات (كورونا)»، موضحة «مع الوظائف الشاغرة، أشعر الآن أننا لن نتمكن أبداً من اللحاق». مشكلة غير متكافئة بينما أشارت الاستطلاعات طوال الوباء إلى نزوح جماعي وشيك للمعلمين، إلا أن ذلك لم يتحقق. ويشير بعض الخبراء إلى أن العديد من المناطق التعليمية تستخدم الأموال الفيدرالية، لتوظيف المزيد من المعلمين والموظفين أكثر ممّا كان عليه قبل الوباء. ووجد الباحثون ما لا يقل عن 36 ألف وظيفة تدريس شاغرة في جميع أنحاء البلاد، وما لا يقل عن 163 ألف وظيفة يشغلها مدرسون غير مؤهلين، وفقاً لورقة عمل نشرها معهد «أنينبرغ»، في أغسطس. ويوضح تحليل المعهد أن المشكلة تختلف اختلافاً كبيراً حسب الولاية. وولاية ميسيسيبي، على سبيل المثال، بها نحو 68 وظيفة شاغرة لكل 10 آلاف طالب. وولاية نيوجيرسي، وهي ولاية تُعد موطناً لبعض أغنى المجتمعات في أميركا، لديها وظيفة شاغرة واحدة فقط لكل 10 آلاف طالب، استناداً إلى بيانات من العام الدراسي 2021-2022. صفعة على الوجه شاي براون انتقلت إلى وظيفة أخرى براتب أعلى. أرشيفية تصف مدرّسة اللغة الإنجليزية في مدرسة جون كنيدي الثانوية، جيس كاتز، مكافأة المعلم الجديدة بأنها «صفعة على الوجه»، للمعلمين الذين عملوا في المنطقة خلال ذروة الوباء. واستقالت كاتز، أخيراً، للانتقال إلى منطقة أخرى بأجور أفضل وموارد مدرسية أكثر، بما في ذلك برنامج مسرحي تقول إن مدرسة جون كنيدي لا تقدمه. ولا يوجد في المدرسة الجديدة وظائف شاغرة للمعلمين، ما يعني أن كاتز ستكون قادرة على التركيز على فصولها الدراسية، دون أن تضطر إلى تغطية الزملاء المفقودين. وبمجرد مغادرتها في نوفمبر، تقول إنه لن يتبقى سوى مدرّستين للغة الإنجليزية للصغار في مدرستها، بعد أن كان هناك أربعة. وقال متحدث باسم المنطقة التعليمية إنه تم دمج بعض الفصول للتعويض عن تلك الاستقالات، مضيفاً أن جميع الفصول سيغطيها شخص معتمد لتدريس اللغة الإنجليزية. موارد أفضل ولاية نيو جيرسي في أمسّ الحاجة إلى معلمين متخصصين. أرشيفية يعتمد تمويل المدارس العامة في الولايات المتحدة بشكل كبير على ضرائب الممتلكات. ونتيجة لذلك، تميل المناطق التي تخدم الطلاب البيض الأكثر ثراءً، إلى الحصول على موارد أفضل من تلك التي تخدم الطلاب ذوي الدخل المنخفض والطلاب الملونين. وهذا جزئياً هو السبب في أن المناطق التي تعاني الفقر الشديد، وبسبب نقص المال لزيادة عدد المعلمين والموارد الأخرى، من المرجح أن تعاني نقص المعلمين في الوقت الحالي. تقول مديرة مدرسة باترسون، إيلين شيفر: «حتى لو وفرنا تغطية للفصول الدراسية، فإن الأمر يختلف عن وجود معلم خاص بك»، مضيفة أن المنطقة تعاملت غالباً مع الوظائف الشاغرة، وكانت قادرة عادةً على ملء الوظائف قبل شهر سبتمبر. وفي مدينة باترسون، حيث 60٪ من الطلاب من أصول لاتينية، و25٪ من السود، يعتبر ثلثا الطلاب محرومين اقتصادياً، وفقاً لبيانات ولاية نيوجيرسي، حيث لا يسهم التمويل الحكومي في سد فجوة التمويل المحلي، في المناطق التعليمية الفقيرة؛ على الرغم من أن مدينة باترسون تجري منذ فترة مفاوضات تتعلق بعقود العمل، مع نقابة المعلمين، التي تطالب بزيادة رواتب التوظيف وتبنّي زيادات منتظمة. وبينما أثار المعلمون منذ فترة طويلة مخاوف بشأن تلقيهم رواتب متدنية، إلا أن الفجوة في الأجور بين المعلمين والمهن الأخرى قد ازدادت سوءاً بمرور الوقت. وفي عام 2021، حصل المعلمون على 23.5٪ أقل من خريجي الجامعات الآخرين، بمستوى تعليمي مماثل، وهو رقم قياسي منذ عام 1996، وفقاً لمعهد السياسة الاقتصادية. في محاولة لملء الشواغر، تقيّم مدارس باترسون العامة مرشحين للوظائف، كل شهر، وتخطط لإعطاء الأولوية لتوظيف خريجي الجامعات الجدد في ديسمبر ومايو من كل عام. وتقدم المنطقة، أيضاً، مكافأة قدرها 7500 دولار للمعلمين الذين يوقعون عقداً لمدة عامين. تنقّل المعلمين طلاب في مدارس أميركية لم يحصلوا على التعليم الكافي خلال الجائحة. أرشيفية تكافح بعض المناطق بشكل أكثر حدة؛ فقد أفادت المدارس التي تخدم مزيداً من الطلاب الملونين، والمدارس في الأحياء التي تعاني الفقر المدقع، عن وجود نسبة مئوية أكبر من وظائف المعلمين الشاغرة؛ مقارنة بالمدارس التي تخدم في الغالب طلاباً من البيض، والمدارس في المناطق الأكثر ثراءً، وفقاً لمسح أجرته وزارة التعليم في يناير. وحتى قبل الوباء، كان لدى المدارس التي تعاني نسبة الفقر المرتفعة، نحو ضعف معدل تنقّل المعلمين في المدارس منخفضة الفقر. لا تقتصر مشكلة نقص المعلمين على مدينة باترسون، بل تنتشر في جميع أنحاء الولايات المتحدة. أدى وباء «كوفيد-19» إلى انخفاض كبير في التحصيل الدراسي، هو الأدنى خلال الـ50 عاماً الماضية. 36000 وظيفة تدريس شاغرة في جميع أنحاء الولايات المتحدة. تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news Share طباعة فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :