ماذا يحدث في مضايا؟ هل يحق لإنسانٍ أن يسأل هذا السؤال؟ أم أن السؤال هنا غير منطقي نظرًا لما توصل إليه العالم الحديث من وسائل نقل المعلومة والصورة، فالذي يحدث في مضايا لا إن ما يجري في مضايا على وجه الأخص وصمة عار في جبين الإنسانية، ووصمة عار أخرى على جبين تلك الشعوب التي تتظاهر بالحضارة والمدنية وحقوق الإنسان، بل وحقوق الحيوان.. يخفى على العالم بتقنياته وأقماره الصناعية وقنواته الفضائية وشبكته العنكبوتية بما تحويه من مواقع أخبارية ومواقع التواصل الاجتماعية، فلا شك أن العالم كله يرى أولئك الأطفال الذين يقتلهم الجوع، وأولئك الشيوخ الذين تنحت أجسادهم المجاعة، وأولئك الرجال الذين تفيض أعينهم من الدمع أسى على واقع لا حيلة لهم في دفعه، وهم يموتون موتًا حتميًا بشعًا، ويرون أنفسهم وأبناءهم وآباءهم وأمهاتهم ونساءهم يموتون في كل يوم وفي كل ساعة أمام أعينهم، ويقرأ العالم تلك الإحصائيات المفزعة من أعداد الموتى والمغمى عليهم نتيجة الجوع بعد أن أخذت قذائف المدفعية والبراميل المتفجرة نصيبها منهم، فالسؤال عمّا يحدث سؤال غير منطقي، فهو كمن يسأل هل في السماء شمس؟ ولكن السؤال المنطقي الذي لابد منه هو: أين الضمير العالمي حيال ما يرى، ويسمع؟ ذلك الضمير الذي لا نريد أن نحاكمه إلا إلى ما يدعيه هو من رعاية لحقوق الإنسان والحفاظ على الجنس البشري من العبث والهلاك، فهل هذه الدعوى تستقيم مع ما يجري؟ لماذا هذا السكوت من كثير من تلك الدول الراعية لحقوق الإنسان عن ما تراه، ناهيك عن تلك الدول الداعمة لنظام الإبادة والقمع وتلك الأخرى التي لا تألو جهدًا في إيصال أسلحة الدمار إلى يد النظام القمعي والمليشيات الإرهابية التي جعلت حسابها في تصفية وإبادة أبناء تلك القرى مبنيًا على عقيدتها في استحلال دماء السوريين السنة. إن ما يجري في مضايا على وجه الأخص وصمة عار في جبين الإنسانية، ووصمة عار أخرى على جبين تلك الشعوب التي تتظاهر بالحضارة والمدنية وحقوق الإنسان، بل وحقوق الحيوان، فيؤرق مضجعها حين يقتل قطّ في شارع من شوراعها، بل ويتفنن كثير منهم في مهزلته حين تفتح محاكم لقضايا القطط والكلاب، وتؤمن لهم الفنادق والمحاضن، والسجلات! وهم يرون أنهم بذلك قد ارتقوا إلى أعلى مراتب العدل والإنسانية، وتلك المنظمات التي تستطيع أن تفعل الكثير من أجل إنقاذ شعب يباد ويقتل ويحاصر ولكنها لا تفعل. إن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم حين اشتد به وبأصحابه الكرب بعد أن انطلقت الدعوة الإسلامية وعُذب أصحابهُ وجُوّعوا وحوصروا أمرهم أن يهاجروا إلى الحبشة، وكانت بلادا"أجنبية" بالنسبة لهم، غير أنه صلى الله عليه وآله وسلم أرشد صحبه إلى إنسانية أولئك وطهارة ضمائرهم، فقال مطمئنًا أصحابه "إن فيها ملكاً لا يظلم في ملكه أحد" ! فهل لنا أن نذكّر دول العالم بنظرة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم إليهم حين يعدلون؟ وهل لنا أن نذكرهم بمقالة بعض أجدادهم كيف ينظرون إلى الإنسانية بنظرة العنصرية المقيتة "ليس علينا في الأميين سبيل"؟ نقول ذلك ونحن ندرك أن الأيادي التي تقتل السوريين وتحاصرهم هي أيد عربية، بل وتزعم الإسلام وتحمل شعاره، لكنها في الحقيقة لا تتعدى أن تكون أدوات لمنظومة إرهاب عالمية، تنفذ أجندة استعمارية جديدة. ولا يبالي العالم بما تفعله تلك الأدوات ولو مثل مبالاته حين تصدم قطة في شارعٍ من شوارعها، أو يجد كلباً ضالاً لا مأوى له. تلك الطفرة غير الإنسانية التي غطت على أعين العالم هي التي نخاف أن تكون قد غطت أيضًا على أعين بعض العرب والمسلمين واكتفى الكثير منهم بمشاهدة المآسي التي تحل على أهل مضايا خاصة، وسورية عامة، على شاشات التلفاز ومواقع التواصل دون القيام بواجبهم الإنساني فضلاً عن الواجب الديني الذي يتحتم على كل مسلم القيام به، وقد قال نبينا صلى الله عليه وآله وسلم "ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع" فهل يستحضر المسلمون هذا المعنى ويبادرون لإنقاذ أهل مضايا غير ناظرين يد العون ممن أيست الإنسانية من عونهم؟ إن المسلمين قد ضربوا أروع الأمثلة في الإيثار وإعانة الآخرين ليس تصنعًا ولكن حقيقة تلامس القلوب، وما زالت الشعوب الإسلامية عطشى للإنقاذ، ومبادرة للعون، تنتظر السماح لها أن تعطي وتعين وتؤوي، وتنصر، ولكن حيل بينها وبين ما تحترق قلوبها لفعله بحجج وأساطيل. ويبقى في الجعبة سؤال: هل أمن المسلمون أن يسألهم الله عن أهل مضايا خاصة، وعن أهل سورية عمومًا؟ وسؤال آخر: هل يستحي أولئك الناعقون الذين ينددون ويشجبون حين تبادر مملكتنا المحروسة بإقامة القصاص على من ثبت عليهم أعمال الإرهاب والتحريض على القتل ثم يسكنون ويدّثرون حين يُقتل الأطفال والشيوخ والنساء جوعًا وعطشًا؟
مشاركة :