أكدت الولايات المتحدة، أنها ستعطي الأولوية للتفوق على الصين التي تعدها منافسها العالمي الوحيد في وقت تعمل أيضاً على كبح جماح روسيا «الخطيرة». وقال مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، في كلمة ألقاها في «جامعة جورجتاون» أثناء كشف النقاب عن استراتيجية الأمن القومي لإدارة الرئيس جو بايدن، أمس الأول، «انتهت حقبة ما بعد الحرب الباردة، والمنافسة جارية بين القوى الكبرى لتشكيل ما سيأتي لاحقاً». وجاء في الوثيقة التي تمتد على 48 صفحة، أن عشرينيات القرن الحادي والعشرين ستكون «عقدا حاسما لأميركا والعالم» من أجل الحد من الصراعات ومواجهة التهديد الرئيسي المشترك المتمثل في تغير المناخ. وأكدت الاستراتيجية: «سنعطي الأولوية للحفاظ على أفضلية تنافسية دائمة على الصين مع تقييد روسيا التي لا تزال شديدة الخطورة». وأوردت أن «التحدي الاستراتيجي الأكثر إلحاحا الذي يواجه رؤيتنا مصدره القوى التي تجمع بين الحكم الاستبدادي وسياسة خارجية تحريفية». وأضافت أن روسيا في عهد الرئيس فلاديمير بوتين «تشكل تهديدا مباشرا للنظام الدولي الحر والمفتوح، وتنتهك اليوم بشكل متهور القوانين الأساسية للنظام الدولي، كما أظهرت حربها العدوانية الوحشية ضد أوكرانيا، أما الصين، في المقابل، فهي المنافس الوحيد الذي لديه نية لإعادة تشكيل النظام الدولي، وتملك بشكل متزايد القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية لتحقيق هذا الهدف». وتأخر نشر الاستراتيجية نتيجة الهجوم الروسي لأوكرانيا، وتركيز واشنطن في معظم هذا العام على حشد الحلفاء، ومدّ كييف بأسلحة بمليارات الدولارات، لكنها تتماشي إلى حد كبير مع التوجيهات الموقتة التي وضعتها الإدارة الأميركية بعيد تولي بايدن منصبه في يناير 2021. وأضاف سوليفان: «لا أعتقد أن الحرب في أوكرانيا قد غيرت بشكل جذري مقاربة جو بايدن للسياسة الخارجية والتي تبناها قبل فترة طويلة من توليه الرئاسة، ولكنني أعتقد أنها توضح العناصر الأساسية لمقاربتنا - التركيز على الحلفاء وأهمية تقوية العالم الديموقراطي والدفاع عن الديموقراطيات الصديقة والقيم الديموقراطية». وتبدي الاستراتيجية استعداد الولايات المتحدة للعمل حتى مع المنافسين لتحقيق المصالح المشتركة، وسط محادثات بشأن تغير المناخ تجريها إدارة بايدن مع الصين، أكبر مصدر لانبعاثات الكربون. ووصفت تغير المناخ بأنه «التحدي الوجودي في هذا العصر». لكن البيت الأبيض شدد على المخاطر من الصين، محذراً من أن تقدمها التكنولوجي السريع يهدف إلى تشكيل النظام العالمي على نحو يدعم «نموذجها السلطوي». ورغم نفي بكين المتكرر أنها تسعى إلى الهيمنة، ترى الوثيقة الاستراتيجية الأميركية أن لدى الصين «طموحات لإنشاء مجال نفوذ معزّز في المحيطين الهندي والهادئ، وأن تصبح القوة الرائدة في العالم». كما ربط البيت الأبيض الصين الصاعدة بتعهدات بايدن إعطاء الأولوية للطبقة الوسطى في الولايات المتحدة، قائلا إن «بكين تسعى إلى جعل العالم يعتمد على اقتصادها مع الحد من الوصول إلى سوقها التي يزيد عدد مستهلكيها عن مليار شخص». وتتعهد الاستراتيجية القيام باستثمارات كبيرة في الداخل، بعد شهرين من توقيع بايدن على حزمة بقيمة 52 مليار دولار لتحسين قدرة الولايات المتحدة على صناعة أشباه الموصلات، لكنها شددت أيضا على أن الولايات المتحدة تسعى إلى «التعايش السلمي» مع الصين وإدارة المنافسة معها «بمسؤولية». ويتابع سوليفان: «نحن لا نسعى لأن تنقلب المنافسة إلى مواجهة أو حرب باردة جديدة، ولا نعد أي دولة مجرد ساحة معركة بالوكالة». ويأتي إصدار الاستراتيجية في وقت يتعهد بايدن بإعادة تقييم العلاقات مع السعودية حليف للولايات المتحدة منذ عقود والتي تحركت لخفض إنتاج النفط، ما يعود بالفائدة على روسيا المُصدرة للطاقة، وربما يرفع أسعار الوقود للمستهلكين الأميركيين قبل أسابيع من انتخابات التجديد النصفي للكونغرس. وفي ظل مصالحة بين إسرائيل ودول عربية، دعت الاستراتيجية إلى «شرق أوسط أكثر اندماجا» من شأنه أن يقلل على المدى الطويل «مطالب الموارد» من الولايات المتحدة التي وفرت حماية للدول المنتجة للنفط لعقود. كما أقرت الاستراتيجية بالحاجة إلى معالجة أوجه القصور الديموقراطية المحلية لاسيما مع رفض الرئيس السابق دونالد ترامب الاعتراف بالهزيمة في انتخابات 2020 وشنّ أنصار له هجوما عنيفا على مبنى الكابيتول. وأورد النصّ: «لم نرتق دائما لمثلنا العليا وفي السنوات الأخيرة تعرضت ديموقراطيتنا للتحدي من الداخل. لكننا لم نتخل أبدا عن مثلنا العليا».
مشاركة :