كثيرة هي التقديرات المتشائمة لبعض المنظمات الدولية والمؤسسات المالية وبعض الخبراء التي ترسم صورة قاتمة للاقتصاد العالمي نهاية هذا العام والعام المقبل، فالتقديرات تشير إلى تباطؤ النمو لدى بعض دول العالم، وركود لدى البعض الآخر في ظل الإجراءات المتشددة للفيدرالي الأمريكي تجاه الفائدة، حيث يمكن أن يتم رفعها إلى أكثر من 4.5 في المائة في العام المقبل، حتى يصل التضخم إلى المعدلات المستهدفة التي لا تتجاوز 2 في المائة، ومع استمرار صدور البيانات التي تشير إلى ارتفاع التضخم وعدم القدرة على كبح جماحه بصورة توحي بالوصول إلى المستويات المستهدفة، فسيظل الفيدرالي الأمريكي مستمرا في اتخاذ إجراءات تهدف إلى الحد من ارتفاع نسبة التضخم التي تعني بالضرورة ارتفاعا محتملا لأسعار الفائدة. هذه المتغيرات يظهر أثرها في الأسواق العالمية، فإجراءات الفيدرالي الأمريكي أسهمت في انخفاض ملحوظ للأسواق المالية التي ما زالت في مسار هابط خلال الفترة الماضية، وهذه التقلبات تأتي بعد إجراءات الفيدرالي في رفع سعر الفائدة وقلق الأسواق من ذلك، لكن في المقابل عند النظر إلى مجموعة من المؤشرات الاقتصادية بما في ذلك مسألة البطالة، نجد أنها تشهد انخفاضا كبيرا في الولايات المتحدة، وبعض دول أوروبا مثل بريطانيا، حيث وصلت إلى مستويات منخفضة تعد قياسية تاريخيا لعقود لم تشهد هذه النسب، وهذا مؤشر يعد إيجابيا نسبيا، كما أن الفترة الماضية شهدت ارتفاعا في الرواتب للموظفين بنسب تعد أعلى من مستويات 2019 أي قبل أزمة كوفيد، وما زال الطلب على السلع عاليا جدا خلال الفترة الماضية، ما يعني أن الضغط على الأسعار سيبقى مستمرا في ظل الزيادة في الطلب ووفرة السيولة لدى الأفراد، خصوصا في الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة. لكن هذا الاتجاه غير المتفائل للأسواق كيف سينعكس على التمويل الإسلامي وحجم الطلب عليه في المرحلة المقبلة، في ظل تأثر القطاعات المالية وارتفاع تكلفة التمويل التي يمكن أن يكون لها انعكاسات فيما يتعلق بإقبال الشركات على التمويل، وسيكون خيار مجموعة منها تسوية التمويل الذي التزمت به سابقا، لكي لا تتحمل تكلفة تسعيرة التمويل الجديدة، إضافة إلى احتمال أن تزيد نسب التعثر لدى بعض الشركات، ما يؤدي إلى زيادة في حجم المخصصات، كما أن ارتفاع تكلفة التمويل ستكون عليها أيضا من قبل البنوك المركزية في ظل وجود اتجاه عام عالمي لرفع أسعار الفائدة. قطاع التمويل الإسلامي يمتاز حاليا بميزة تجعله في مرحلة أكثر قدرة على استيعاب هذه المتغيرات، حيث إنه قد لا يكون بمنأى عما يحصل حوله في العالم، إلا أن هناك مجموعة من الميزات التي تجعله أكثر قدرة على تخفيف حدة أثر هذه التقلبات، ومن ذلك أن المؤسسات المالية الإسلامية لا تزال في مرحلة نمو على مستوى الامتداد الجغرافي، والزيادة في حجم المؤسسات المالية الإسلامية والمنتجات التي تقدمها هذه المؤسسات، إضافة إلى أن مجموعة من الدول التي ينشط فيها التمويل بصورة كبيرة مثل، السعودية ودول الخليج، تحقق نموا متميزا في هذا العام، ويتوقع أن يكون جيدا خلال العام المقبل، ولا شك أنها ستستفيد من هذا الحراك في دول الخليج، إضافة إلى دول إسلامية تحقق نموا جيدا وتعمل على استقطاب مزيد من الاستثمارات في التمويل الإسلامي. كما أن طبيعة السيولة المودعة في المؤسسات المالية الإسلامية أشبه بالمجانية، وذلك في المصارف وحسابات الأفراد بالتحديد، وهذا بدوره سيعزز من مكاسب هذه المصارف والمؤسسات التي ستستفيد من ارتفاع تكلفة التمويل، ما يخفف بدوره كثيرا من تقلبات الأسواق. كما أن اعتماد المؤسسات المالية الإسلامية في كثير من منتجاتها على الأصول، يمكن أن يخفف من أثر تعثر بعض المستفيدين من التمويل الإسلامي، خصوصا الصكوك الإسلامية، كما أن المؤسسات المالية الإسلامية ما زالت لم تنخرط بصورة كبيرة في المشتقات المالية، تحديدا المراهنات التي في الأغلب تتأثر بصورة حادة في الأزمات. الخلاصة، قد يكون للأزمات المالية والاقتصادية التي يمر بها العالم دور في إبراز كفاءة المؤسسات المالية الإسلامية في مواجهة الأزمات، والقدرة على التعافي بصورة أفضل، في ظل العلاقة الوثيقة بين منتجاتها والأصول وبعدها عن مجموعة من المشتقات المالية التي تزيد من حدة وأثر الأزمة، كما أن التمويل الإسلامي يستفيد من النمو الكبير للناتج المحلي لدول الخليج، وانخفاض تكلفة الودائع لحسابات الأفراد.
مشاركة :