منذ بداية الانتفاضة الوطنية للشعب الإيراني، نقل قضاء خامنئي ما لا يقل عن 2000 من معتقلي الانتفاضة إلى العنبر السادس من سجن طهران الكبرى. ويعاني العديد منهم من إصابات خطيرة للضرب المبرح من قبل وحوش خامنئي أو إصابتهم بالرصاصات الكروية ويحتاجون إلى علاج عاجل وتدخل أخصائيين؛ لكن لا يتم العناية بهم فحسب، بل يواجهون التعذيب والسلوك اللاإنساني وتتعرض حياتهم لخطر جاد. ويعد سجن طهران الكبرى أو ”فشافوية“ من أكثر سجون النظام سيئة الصيت وأكبرها، ويغطي مساحة 110 هكتارات ويقع على بعد 32 كيلومترًا جنوب طهران. ويفتقر هذا السجن إلى الحد الأدنى من المرافق البيئية والصحية. ونقل النظام السجناء السياسيين إلى هذا السجن بهدف إزعاجهم ومضايقتهم. وعند وصول السجين يتعرض للضرب المبرح والإهانة وهتك الحرمة. والسجناء المرضى في هذا السجن يحكم عليهم بموت مجحف. ودعت المقاومة الإيرانية مجدداً الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان والمفوض السامي لحقوق الإنسان والمدافعين عن حقوق الإنسان إلى اتخاذ إجراءات فورية لإطلاق سراح معتقلي الانتفاضة والإصرار على تشكيل وفد دولي لزيارة السجون في ايران واللقاء مع السجناء وخاصة المعتقلين السياسيين. حيلة جديدة ظهرت نغمة جديدة في تصريحات ملالي إيران، مع الدخول إلى الأسبوع الرابع من الانتفاضة، تتمثل في دعوات “الاستماع للمواطنين”، و “الاعتذار للمواطنين” والاستعداد “لتقبُّل النقد” وضرورات إصلاح المسؤولين لأنفسهم. في هذا السياق يؤكد رئيس السلطة القضائية غلام ايجئي على الاستعداد لسماع الانتقادات، ووجهات نظر الجميع، وإجراء بعض الإصلاحات إذا لزم الأمر، فيما تحدث أمين سر المجلس الثقافي رضا عاملي بعد اجتماع للمجلس بحضور إبراهيم رئيسي عن “البيت الوطني للحوار الحر” الذي يتيح لكل شخص التعبير عن رأيه بلا قيود، وأكد عضو مجلس الشورى باقري على ضرورة “الحوار الوطني” لإيجاد حلول لمشاكل البلاد، ودعا عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام اسدي إلى تغيير الرؤية الأمنية للحكومة لتكون استراتيجية النظام مبشِّرة بالخير للمواطنين لا مُنفِّرة، وتعامل دري نجف آبادي وزير المخابرات السابق وممثل خامنئي في أراك مع الأمر من زاوية أخرى حين اعترف بالوقوع في الخطأ والاعتذار عنه 10 مرات، مشددا على عدم “معاقبة أنفسنا”. انعكست هذه المناخات على متابعات وسائل الإعلام للتطورات الداخلية، حيث انتقدت صحيفة “جهان صنعت” الحكومية عدم إقرار الحكام ورجال الدولة وغيرهم بإهمالهم أو خطأهم في إدارة الحدث والظاهرة المسماة بدورية الإرشاد، وتجاهل ضرورة الاعتذار للمواطنين عن الاخطاء وسوء التقدير في إدارة شؤون البلاد، وجاء في الصحيفة أنه كان بالإمكان تجنب الاحتجاجات الواسعة النطاق التي اجتاحت مدن البلاد لو جرى التعامل مع الأحداث بشكل مختلف. ظلت ثرثرة أركان نظام الملالي التي لا ترقى لمناورات الدكتاتوريات في مراحلها النهائية بعيدة عن تصديق المنتفضين في 177 مدينة في البلاد على مدى الأسابيع الأربعة الماضية، ففي آخر أيام الشاه قام بخلع الجنرال نصيري الذي ترأس السافاك لسنوات عديدة، وسجنه، وأقال عباس هويدا الذي تولى رئاسة الوزراء لمدة 13 عامًا، وغير رؤساء الوزراء شهريا لكسب الرأي العام. بقي نظام الاستبداد الديني عاجزا عن إقالة عملائه المتورطين في ارتكاب الجرائم أو تقديمهم لمحاكمات هزلية، ردد قادة الملالي نفس التصريح الذي أدلى به حسین أشتري في اليوم الأول لمقتل مهسا اميني، الذي أكد من خلاله على أنها ماتت فجأة بشكل طبيعي، جاء التمسك بالرواية لأن خامنئي يعلم جيدًا أن التراجع خطوة واحدة يعني تمزيق النظام المهَلهَل. يكشف الذين يدعون قبول النقد عن طبيعتهم الخبيثة بعد جملة أو جملتين، ويكشِّرون عن أنيابهم لأبناء الوطن، ففي ختام تصريحاته يأمر المعمم إيجئي المسؤولون في النيابات العامة بالإسراع في استكمال ملف قضية العناصر الضالعة في أعمال الشغب، ويدافع نجف آبادي عن احكام الإعدام، وبذلك يهدف النظام من خلال الحديث عن الحوار الحر لشراء الوقت، والتخفيف من ضغط الانتفاضة على الأجهزة الأمنية. يحاول نظام الولي الفقيه خداع الإيرانيين بثرثرته لوقف احتجاجاتهم، والحد من تدفقهم إلى الشوارع ـ بعد وصوله إلى طريق مسدود، عجزه عن قمع انتفاضتهم، وفشله في إيجاد الحلول لأزماتهم، على أمل التقاط أنفاسه، لكنه يبقى عاجزا عن القيام بمبادرات حقيقية للمناورة وتنفيس الاحتقانات، مما يعني عبث محاولاته. انتفاضة مستمرة مع اقتراب الأسبوع الخامس من الانتفاضة التاريخية الإيرانية من أجل الحرية وسقوط الديكتاتورية الدینیة لعلي خامنئي، لا تلوح في الأفق نهاية للاحتجاجات. وتحدث خامنئي مؤخرا وكان في حالة إنكار تام واصفاً الاحتجاجات بـ"أعمال شغب متفرقة هنا وهناك". وأصرّ، على عكس الدكتاتوريين الآخرين الذين سقطوا من قبله، على أن "التطورات الأخيرة ليست عفوية" وألقى باللوم على "دعاية الأعداء" باعتبارها الدافع وراء الاحتجاجات. في غضون ذلك، هتف المتظاهرون على بعد أقل من ميل من مكتبه "الموت لخامنئي". واستمرّت الإضرابات في قطاع النفط والغاز مع مطالبة العمال بالإفراج عن المحتجزين المعتقلين والسجناء السياسيين. وامتدّ الإضراب العام في إقليم كردستان وأجزاء من طهران إلى مشهد، ثاني أكبر مدينة في إيران. يستعد المتظاهرون للخروج إلى الشوارع مرة أخرى فيما أصبح الآن اختبارًا للإرادة مع القوى القمعية التي دخلت مرحلة الإرهاق، فيما لا يزال التعتيم على الإنترنت في إيران مستمرًا.
مشاركة :