"اقتصاد الانتباه" .. كيف تحول الشركات "انتباهنا" إلى مال وفير؟

  • 10/15/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

علم الاقتصاد هو دراسة كيفية تخصيص الموارد الشحيحة، سواء كانت المأوى أو الطعام أو المال، لكن في عصر الأحجام اللامتناهية من المعلومات التي بين أيدينا، ما هو النادر؟ بخلاف الأمثلة الثلاثة الأولى التي يمكن حسابها وقياسها تجريبيًا، فإن انتباهنا غير الملموس والمرتفع القيمة هو العامل المحدد: فنحن في عصر "اقتصاد الانتباه". بالنسبة إلى الشركات في جميع أنحاء العالم، ليس هناك ما هو أعلى قيمة من الانتباه، إذ تنفق الشركات الملايين محاولة جذب انتباهك، وفي الوقت الذي تتطور فيه التكنولوجيا فإنها تسعى للاستفادة من الإنسان، ولكن خلسة مستندة في ذلك إلى علم النفس وخباياه. انتباهنا كان دائمًا محدودًا وله قيمة ونادرًا، لكن ما يميز الأوضاع اليوم هو أن التقدم التكنولوجي أتاح قدرًا هائلًا من المعلومات، بهدف استراتيجي هو جذب انتباهنا. ما هو الانتباه؟ تعرف جمعية علم النفس الأمريكية الانتباه على أنه "حالة تتركز فيها الموارد المعرفية على جانب معين من البيئة بدلًا من الجوانب الأخرى"، يأخذ ذلك أشكالًا عديدة منها الحب والطاعة والمساعدة. وعلى الرغم من أنه غير قابل للقياس من الناحية النظرية، إلا أن العديدين يقيمون الانتباه وفقًا لمقدار الوقت الذي نركز فيه على شيء معين، وبالتأكيد نواجه حالة من الندرة في هذا الشأن، فبينما نولي اهتمامنا لشيء واحد نتجاهل بقية الأشياء، وعلى غرار المال، نتبادل الانتباه، فأنت تقرأ هذا التقرير في الوقت الحالي وربما تتجاهل أمورًا أخرى. صك مصطلح اقتصاد الانتباه عالم النفس والاقتصادي الحائز على جائزة نوبل "هربرت ايه سايمون" والذي افترض أن الانتباه يشكل "عنق الزجاجة للفكر البشري" والذي يحد مما يمكننا إدراكه في البيئات المحفزة وما يمكننا القيام به، كما أشار إلى أن "ثروة المعلومات تخلق فقرا في الانتباه"، مشيرًا إلى أن تعدد المهام هو مجرد خرافة. وفي وقت لاحق من عام 1997، حذر عالم الفيزياء النظرية "ميشيل جولدهابر" من أن الاقتصاد الدولي يتحول من اقتصاد قائم على المواد إلى اقتصاد قائم على الانتباه، مشيرًا إلى أن العديد من الخدمات المقدمة عبر الإنترنت مجانية، لكن في اقتصاد الانتباه فإن الانتباه ليس فقط مورد، ولكن عملة: إذ يسدد المستخدمون مقابل الخدمات من خلال انتباههم. مثل المال نتوق جميعًا ونحتاج إلى الاهتمام بدرجة معينة، المال ضروري للحصول على الغذاء والماء والمأوى، وبالمثل، يمكن ترجمة الانتباه إلى مثل هذه الأشياء الملموسة الضرورية للبقاء، كأطفال، نبكي ونضحك ونصدر أصواتًا لجذب الانتباه، وإلا فإننا لن نأكل أو نلبس أو نشرب أو نعيش، ومع ذلك، فإن الاهتمام والمال مختلفان، إذ يتبع المال الانتباه، في حين أن العكس ليس صحيحًا، عندما يصبح الاقتصاد أكثر اعتمادًا على الانتباه، يتدفق وسيط التبادل من حائزي المال إلى حائزي الانتباه. واليوم تحفز ديناميكيات اقتصاد الانتباه الشركات على جذب المستخدمين لقضاء المزيد من الوقت على التطبيقات والمواقع، بينما يدرك المصممون الذين ينشئون المواقع والتطبيقات أن منتجاتهم تتنافس على المورد المحدود لانتباه المستهدف في سوق شديدة التنافسية، فيما أدى هذا إلى بيئة من الإلهاء الرقمي الدائم القائم على شحذ الانتباه. عندما نتصفح الإنترنت، عادة ما يكون لدينا هدف في الاعتبار مثل العثور على إجابة لسؤال أو إجراء بحث. بمجرد حصولنا على ما نريد، نترك الموقع لكن وسائل التواصل الاجتماعي تنجح في إبقائنا على منصاتها لفترة أطول مما يجعلنا نريد المزيد. إدمان الإنترنت مماثل للقمار هذه الرؤية ليست جديدة، إذ تستند الشركات إلى نموذج الأعمال القائم على الإعلانات منذ ما يقرب من قرن. لكن نهج المال مقابل جذب اهتمام العين صار أكثر تعقيدًا ودهاءً في السنوات الماضية؛ إذ تنبه الجمهور العام إلى أن التكنولوجيا الكامنة وراء وسائل التواصل الاجتماعي مصممة لتسبب الإدمان مثل ماكينات لعب القمار. وقالت "ناتاشا داو سول" مؤلفة كتاب "Addition by Design" في مقال لصحيفة الجارديان إن "فيسبوك" و"تويتر" وشركات أخرى تستخدم أساليب مشابهة لحيل القمار لإبقاء المستخدمين على مواقعهم. وتضيف: "في اقتصاد الإنترنت، الإيرادات تأتي نتيجة على اهتمام المستهلك المستمر والذي يتم قياسه من خلال النقرات والوقت الذي يقضيه على الشاشات". تدرك العديد من الشركات مدى ندرة الاهتمام، وتقوم بتكييف نماذج أعمالها للاستفادة منها، على سبيل المثال، تحصل خدمة بث الموسيقى "سبوتيفاي" على مصدرين رئيسيين للإيرادات، وهما إما أن يدفع المشتركون المال مقابل إخفاء الإعلانات، أو أن تدفع انتباهك وتستمع إلى الإعلانات. كيف تحدث العملية؟ بمجرد أن نرى منصة أو مستخدمًا يروق لنا محتوى ما يعرضه، فإننا نشترك في قناتهم على "يوتيوب" أو نطلب صداقتهم على "فيسبوك"، أو نتابعهم على "إنستجرام"؛ ونظرًا لأن تواجدنا على وسائل التواصل الاجتماعي يتم تحديده من خلال الأرقام، سواء عدد الأصدقاء، أو المتابعين، أو علامات الإعجاب، أو المشتركين فإن المقارنة سهلة. كما أن صفحات الاستكشاف الإضافية التي تقترحها وسائل التواصل الاجتماعي تلقى علينا بمعلومات لا حصر لها على أمل أن تثير انتباهنا صورة واحدة أو وسم أو فيديو، ويمكننا مواصلة المشاهدة إلى ما لا نهاية على وسائل التواصل الاجتماعي، وعندما ننتهي من مشاهدة مقطع فيديو سيكون لدينا مقطع جديد يتم تشغيله تلقائيًا. في السنوات الأخيرة، أدى ازدهار المحتوى الرقمي إلى صدام سيطرة بين الشركات أو معركة من أجل جذب الانتباه، وبمعنى مبسط، فإن الشركات تستهدف اهتمامنا لكسب المال، فالشركات تصمم الإعلانات التي تعرف أنها تهمنا وتحاول جذب أكبر قدر ممكن من انتباهنا. التكنولوجيا في الحقيقة مصممة لجذبنا، ليس من أجل أن نبقى مستمتعين أو لخدمة مصالحنا بشكل أعمى، ولكن لزيادة مخزون المساحات الإعلانية الذي يمكن للشركة بيعه، ما نراه حقًا حين تظهر هذه الإعلانات قائلة: "أشياء أخرى قد تهمك" هي حرب سوقية تقودها الشركات الكبرى في وادي السيليكون، العالم الرقمي تحتكره ربما ثلاث شركات هي "جوجل" و"أبل" و"فيسبوك"، لكن الشركات الثلاث لا تهتم بك كإنسان، بل تهتم بالإيرادات مما يعني أنها مهتمة بجذب انتباهك، فهدفها النهائي هو أن تواصل البحث والتصفح باستخدام منتجاتهم على حساب منتجات المنافسين. الإعلان هو ما يُربح هذه المنصات الضخمة المليارات؛ إذ يتم تتبع تاريخ المشاهدات الخاص بك لغرض واحد هو عرض محتوى مخصص لك، سواء كانت الأخبار التي يعرضها لك "فيسبوك" أو الإعلانات التي تظهر على "انستجرام"، باستخدام معلومات مثل الوقت الذي نقضيه على موقع ما أو معدل النقر الخاص بنا، يمكن لتلك الشركات التحكم فينا. فالإعجابات والنقرات والرموز التعبيرية المبتسمة والوسم وغيرها كلها ناتجة من نفس المنطق السوقي، كلما زاد الوقت الذي يقضيه العميل المحتمل مع منتج، أو خدمة، أو عرض، أو فكرة، أو شخصية، أو أي محاكاة أخرى للعلامات التجارية كان ذلك أفضل.. في نهاية المطاف، فإن العميل المحتمل المنخرط في أمر ما هو الذي قد يقدم على اتخاذ قرار، فهو قد يشتري الخدمة أو السلعة التي تعرض أمامه للبيع إذا ظلت مستحوذة على اهتمامه لوقت أطول.

مشاركة :