يساعدنا اقتصاد الانتباه في فهم العديد من الاتجاهات الجديدة في مجال المعلومات والثقافة والتسويق، المصطلح ينتمي لعالم إدارة المعلومات ويتعامل مع الانتباه والاهتمام البشري كمورد نادر. نظرا لوفرة المعلومات التي تستطيع الوصول لها المجتمعات، يجد الناس صعوبة في تحديد المعلومات الأكثر صلة وفائدة لهم.كان هيربرت سيمون من أوائل من تحدث عن مفهوم اقتصاد الانتباه، حيث لخص الأمر بقوله «في عالم غني بالمعلومات، فإن ثروة المعلومات تعني ندرة شيء آخر، أي ندرة في كل ما تستهلكه تلك المعلومات. ما تستهلكه المعلومات واضح إلى حد ما: فهي تستحوذ على انتباه متلقيها، ومن ثم فإن ثروة المعلومات تخلق نقصا في الانتباه وحاجة إلى توجيه هذا الانتباه بكفاءة بين وفرة مصادر المعلومات التي قد تستهلكه». بمعنى آخر نحتاج للتحكم بشكل أفضل في مشتتات الانتباه التي تخلقها غزارة المعلومات.تصف دافنبورت اقتصاد الانتباه باعتباره أحد الموارد النادرة، حيث لم يعد يقتصر الأمر على «رأس المال والعمالة والمعلومات والمعرفة» بل الاهتمام أيضا. (دافنبورت وبيك،2001).إن نظرنا إلى عناصر التواصل الفعال يمكننا الوصول إلى أبسط طريقة لفهم كيفية عمل اقتصاد الانتباه، لكي تصل الرسالة إلى متلقيها بشكل فعال، فإن انتباه واهتمام المستقبل للرسالة أمر ضروري. إن الصعوبة التي يمثلها العالم الحالي هي أننا نتعرض باستمرار وبواسطة قنوات متنوعة لجميع أنوع المحتوى، نحن نعيش في عصر المعلومات، وفي حين أن المعلومات التي نتلقاها غير محدودة، إلا أن انتباهنا له محدود، لذلك يصبح الحصول عليه نادرا.المستخدمون على وعي بهذه الظاهرة، يعلمون أنهم أمام مصادر معلومات غير محدودة ووقت محدود؛ لهذا السبب عادة ما يتخذ المستخدم قرارات سريعة بشكل متزايد، حيث يخصص أقل قدر من الاهتمام للحكم على المحتويات المعروضة أمامه؛ فالكثير من مستخدمي الإنترنت، على سبيل المثال، لا يقرؤون المحتوى الكامل لمقالة ما، بل يقرؤن فقط العنوان الرئيس والفقرة الأولى، هذه المعلومات لا تكون دائما بالضرورة كافية لاتخاذ قرار بشأن مدى فائدة المحتوى المعروض.جذب انتباه المستخدم هي الخطوة الأولى فقط؛ لأن طبيعة الانتباه المتغيرة تشير إلى أن القارئ سوف يميل إلى البحث عن نقطة انتباه جديدة بسهولة؛ لذا فإن التحدي الجديد، هو الحفاظ على استمرار اهتمامه. أصبحت القدرة على جذب انتباه الجماهير الكبيرة والاحتفاظ بها قيمة في حد ذاتها، ولهذا السبب يتم شراء أو الاشتراك في بعض المنصات أو الخدمات عبر الإنترنت التي تمتلك اهتمام ملايين المستخدمين الذين اعتادوا على استخدام هذه الخدمة.عادة ما يقوم المستخدمون بفتح شبكة اجتماعية معينة يوميا، أو مشاهدة كل مقطع فيديو جديد لقناة تستهويهم، أو التحقق من أخبار بوابة معينة، كلها سلوكيات قيمة تعكس توجهاتهم في الحصول على المعلومة. ويمكننا نرى العديد من المؤسسات الثقافية ومن ضمنها المكتبات، تتيح منشورات يومية على مختلف شبكات التواصل الاجتماعي؛ لتستحوذ بشكل يومي على انتباه المهتمين بها وليحافظوا عليها.لم يعد القارئ يرغب باستكشاف ما لدى المكتبة، بل أصبح يريد أن يرى ما يقدمه له هذا المركز الثقافي بشكل يومي ليختار من خلاله ما يشد انتباهه، كما لم يعد دور المكتبة على سبيل المثال، يتمحور حول اقتناء المصادر الأكثر مناسبة للجمهور، بل بالاشتراك واستئجار مجموعات كبيرة من الكتب الالكترونية متاحة حسب الطلب، هذا ما سيجذب انتباههم ويحتفظ فيه على المدى الطويل. قد لا تمنحهم ما يريدون، لكنك تمنحهم الكثير من الخيارات وبذلك لن تقع المكتبة في مأزق اختيار مصدر غير مناسب.من الصعب إدارة الانتباه، ليس فقط في المجال الثقافي، بل في أي جهة تريد التواصل مع الناس، لأن المستخدم سوف يستبدل أي معلومة، خدمة، إعلان لا يعجبه بأخرى وبسرعة كبيرة (بنقرة واحدة فقط). لن يبحث المستخدم عنك بعد الآن، أنت من عليه البحث عنه عبر قنوات التواصل الأهم بالنسبة له والظهور المستمر فيها بشكل يشبع احتياجه، وبذلك، تبقي على انتباه المستخدم يقظا باستمرار على مؤسستك.thikralharbi@
مشاركة :