'دافوس الصحراء' يستبعد المسؤولين الأميركيين من قائمة الحضور

  • 10/17/2022
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

الرياض/واشنطن - في علامة على حالة الشدّ والجذب بين السعودية وإدارة الرئيس الأميركي الديمقراطي جو بايدن، لن توجه دعوات إلى مسؤولين حكوميين أميركيين لحضور المؤتمر الاستثمار السعودي المعروف باسم 'دافوس الصحراء' والمقرر عقده نهاية الشهر الجاري، وفق ما أعلن الاثنين مدير الجهة المنظمة، مشيرا إلى عدم الرغبة بأن يصبح التجمع "منصة سياسية"، بينما سيحضر عشرات المستثمرين والشركات الأميركية، في وقت حذّر فيه باحث أميركي الولايات المتحدة من الاستمرار في التصعيد ضد المملكة قائلا  "من خلال تصعيد التوترات علنا فإننا حقا نطلق النار على أقدامنا هنا". ويشكل هذا التطور في توقيته ومضمونه رسالة سعودية مضمونة الوصول للرئيس الأميركي وللحملة التي تشنها دوائر أميركية ضد المملكة مفادها أن التصعيد والضغوط التي تمارسها إدارة بايدن على المملكة ستضر بالمصالح والعلاقات المشتركة بين البلدين الحليفين على الرغم من تأكيد الحكومة السعودية على الطابع الاستراتيجي للعلاقات الثنائية. ومن المستبعد أن تفضي حالة التشاحن والتصعيد الكلامي إلى قطيعة بين البلدين لكنها تفاقم توترات كامنة وتقلبات في العلاقات الثنائية وتضع كذلك المصالح الأميركية على المحك مع وجود استثمارات سعودية ضخمة في الولايات المتحدة. ويأتي قرار عدم دعوة المسؤولين الأميركيين، على عكس السنوات السابقة، مع تصاعد التوتر بين الشريكين واشنطن والرياض بعد قرار الكارتل النفطي أوبك+ وهو التحالف الذي يضم 13 دولة عضوة في أوبك عبر معظمهم عن دعمهم للمملكة و10 منتجين من خارجها، بتخفيض إنتاج النفط بنحو مليوني برميل يوميا اعتبارا من نوفمبر/تشرين الثاني دعما لاستقرار السوق. وقال ريتشارد آتياس الرئيس التنفيذي للمؤسسة غير الربحية المنظمة لـ"مبادرة مستقبل الاستثمار" إنه من المتوقع أن يشارك ما يصل إلى 400 من الرؤساء التنفيذيين للشركات الأميركية في نسخة العام الحالي. وتجتذب المبادرة وهي عبارة عن مؤتمر مدته ثلاثة أيام من المقرر أن يبدأ في 25 أكتوبر/تشرين الأول في الرياض، عادة عمالقة 'وول ستريت' ومسؤولين رفيعي المستوى من جميع أنحاء العالم. وألقى ستيفن منوتشين الذي شغل منصب وزير الخزانة في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، كلمة أمام المؤتمر في نسخته الأولى في عام 2017، قبل إعلانه انسحابه من المشاركة في العام التالي وسط غضب عالمي بشأن مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي وهي القضية التي حاولت أطراف أميركية الزج فيها باسم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والذي نفى قطعا أي صلة له بتلك الجريمة إلا أنه قال إنه يتحمل المسؤولية كونها وقعته وهو في موقع المسؤولية. وحضر نسخة العام الماضي دون جريفز نائب وزير التجارة في عهد الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن. وردا على سؤال حول تمثيل الولايات المتحدة هذا العام، قال آتياس "لم ندعو أي مسؤول حكومي أميركي". وأضاف "نحن لا ندعو الكثير من السياسيين... لأنني أدركت أنه عندما يكون لديك قادة سياسيون على المنصة، فإن اهتمام وسائل الإعلام، لنكن صريحين للغاية، يتم تحويله إلى الأجندة السياسية ولا نريد أن تصبح مبادرة مستقبل الاستثمار منصة سياسية". وقال أتياس في وقت سابق في مؤتمر صحافي إن "أكثر من 12 وزيرا للاقتصاد والمالية" سيحضرون نسخة العام الجاري. كما ترك الباب مفتوحا أمام احتمال حضور رؤساء دول، قائلا "سنعرف في غضون أيام قليلة من هم رؤساء الدول المؤكد حضورهم بنسبة 100 بالمئة". ومعهد مبادرة مستقبل الاستثمار الذي يرأسه أتياس ليس مرتبطا رسميا بالحكومة السعودية، لكن المؤتمر السنوي في الرياض مرتبط بشكل وثيق مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي يقود خطة اقتصادية طموحة تركز على تنويع مصادر الدخل وعلى انفتاح اجتماعي واسع. ورفضت السعودية في الأيام الأخيرة اتهامات أميركية بأنها انحازت إلى روسيا في حرب أوكرانيا من خلال تخفيض إنتاج النفط لرفع الأسعار وأصرت على أن القرار اقتصادي بحت. كما عبرت الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) عن دعمها وتضامنها مع المملكة في ما تواجهه من ضغوط أميركية، مشددة على الطابع الاقتصادي للقرار بعيدا عن التأويل السياسي الأميركي. وأوبك أعلنت صراحة منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا أنها ليست طرفا في هذه الحرب وانها لن تخوض حربا ليست حربها، موضحة أن زيادة الإنتاج أو خفضه تخضع لمعايير السوق ومبدأ العرض والطلب ولا تخضع للاعتبارات السياسية. وفي كلمة مكتوبة مساء الأحد، أصر العاهل السعودي الملك سلمان على أن بلاده "تعمل جاهدة ضمن إستراتيجيتها للطاقة على دعم استقرار وتوازن أسواق النفط العالمية". وقال آتياس إنه لا يتوقع أن يؤثر الخلاف بين الرياض وواشنطن على المؤتمر هذا العام، مضيفا "لا يوجد تأثير على الإطلاق. على العكس من ذلك، نرى المزيد من الإقبال من القطاع الخاص في الولايات المتحدة على حضور مبادرة مستقبل الاستثمار"، موضحا أن المنظمين "بدؤوا في رفض بعض طلبات المشاركة" بسبب عدم شغور أماكن. وتابع "نحن لا نمارس السياسة على الإطلاق. لم نمارس السياسة أبدا منذ نشأتنا في عام 2017 لكن إذا كان الناس يريدون التحدث عن الشؤون الجيوسياسية أثناء النقاش فإنهم أحرار في فعل ذلك". ومنذ نحو أسبوعين، تطلق إدارة بايدن تصريحات غاضبة من السعودية على خلفية قرار مجموعة أوبك+ بخفض إنتاج النفط وفي مرحلة هشة في الجغرافيا السياسية الأميركية، دعا مسؤولون أميركيون إلى فرض عقوبات على السعودية، أحد حلفاء الولايات المتحدة، وحذر بايدن المملكة من "عواقب"، وأعلن اعتزامه إعادة تقييم العلاقات معها. ورأى الخبير والباحث الأميركي في معهد الشرق الأوسط جيفري أرنسون أن إدارة بايدن مهدت الطريق لاتخاذ إجراءات كبرى غير مستعدة لاتخاذها، مضيفا في مقابلة مع وكالة الأناضول التركية الحكومية "خلقوا الآن (المسؤولون الأميركيون) تصورا بأنه يتعين عليهم القيام بشيء ما حتى قبل أن يعرفوا ما سيقومون به وهذا وضعهم في موقف غير جيد". وأضاف أرنسون أن الولايات المتحدة "تواجه مجموعة من التحديات حول العالم، بما فيها إيران وأوكرانيا وركزت إدارة بايدن على معالجتها بشكل متعدد الأطراف"، محذرا من أنه "من خلال تصعيد التوترات علنا فإننا حقا نطلق النار على أقدامنا هنا". وتابع أرنسون "الأميركيون يريدون أن يُنظر إليهم كحليف موثوق موجود عند مواجهة المشاكل وفي الأوقات الجيدة والعصيبة، لكن باعتقادي ما شهدناه من ردود في الأيام القليلة الماضية بكل تأكيد لا يساعد في هذا المنظور". وختم بالقول إنه "إذا كانوا يريدون إظهار أنهم حليف موثوق يمكن الاعتماد عليه من حيث إنشاء مؤسسات وآليات لضمان أمن الخليج، فالبيانات الصادرة عن الرئيس والكونغرس لن تؤدي إلا إلى تقويض الثقة" لدى الحلفاء. وجاء قرار أوبك+ وما تبعه من انتقادات أميركية قبل شهر من انتخابات التجديد النصفي لأعضاء الكونغرس، وهو ما قد يؤثر على حظوظ الحزب الديمقراطي (حزب بادين) جراء ارتفاع أسعار البنزين وفي وقت ارتفع فيه معدل التضخم بالولايات المتحدة. وقال أرنسون "لا أعتقد أن لديهم تصميما كبيرا لإعادة هيكلة التحالف السعودي الأميركي، ولا أشعر بوجود اتجاه داخلي كبير هنا في واشنطن". وأعرب عن اعتقاده بأن "الإدارة الأميركية تأمل فقط في أن يزول التركيز على الخلاف في الأسابيع المقبلة، معبرا عن ثقته بأنها ستفعل ذلك، إذ بإمكانهم محاولة الحفاظ على العلاقات أو استعادتها بحيث لا يكون الخلاف حديث الصحف وخاصة العناوين الرئيسية فيها". والخميس، زعم البيت الأبيض أن السعودية لم تدعم الخفض فحسب، بل عملت جاهدة خلف الكواليس لضمان تنفيذه من جانب دول أوبك+ وضغطت على دول أخرى لتبني وجهة نظرها. وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي إن بلاده قدمت للسعودية بيانات تظهر عدم وجود "أساس سوقي" للدفع باتجاه خفض إنتاج النفط بشكل كبير وأن الرياض كانت مدركة جدا أن خفض الإنتاج "سيزيد الإيرادات المالية الروسية ويُضعف فعالية العقوبات". وتفرض عواصم غربية في مقدمتها واشنطن، عقوبات اقتصادية شديدة على موسكو على خلفية هجوم عسكري تشنه روسيا في جارتها أوكرانيا منذ 24 فبراير/شباط الماضي. ورأى أرنسون أنه "من المحتمل أن يكون هذا التفسير صحيحا، لكن وصول العلاقات الأميركية السعودية إلى الحضيض في عهد بايدن جعل من الصعب على واشنطن أو الرياض طلب خدمة من الآخر". وتوعد رئيس الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور بوب ميننديز بتجميد جميع مبيعات الأسلحة إلى السعودية، فيما قدم أعضاء ديمقراطيون في مجلس النواب تشريعا لسحب القوات الأميركية وأنظمة الدفاع الجوي المتقدمة من المملكة. واعتبر أرنسون أن "ما يُعقد أي إجراء ضد السعودية هو مصلحة الولايات المتحدة في تقديم نفسها كشريك موثوق لحلفائها العرب الخليجيين". والخميس أعرب مجلس التعاون لدول الخليج العربية في بيان عن تضامنه مع السعودية، وأشاد برفضها التصريحات الأميركية الصادرة بحقها على خلفية قرار خفض إنتاج النفط. كما عبرت دول أعضاء في أوبك عن تضامنها مع المملكة في مواجهة الضغوط الأميركية مؤكدة على صوابية قرار تحالف أوبك+ وعلى طابعه الاقتصادي البحت.

مشاركة :