«الولايات المتحدة ترحّب بصعود الصين المستقرة والسلمية والمزدهرة»! هذه الكلمات مأخوذة من استراتيجية الأمن القومي لعام 2015، في عهد باراك أوباما، لكنها أصبحت اليوم جزءاً من الماضي، فقبل أيام أصدر الرئيس الأميركي جو بايدن نسخته الخاصة من استراتيجية الأمن القومي، علماً أنه كان نائب أوباما عند صياغة الوثيقة السابقة، وتبدو النسخة الجديدة مختلفة على جميع المستويات، فهي تعطي «الأولوية لمتابعة التفوّق على الصين»، وتهاجم بكين لأنها حاولت «أن تصبح القوة الرائدة في العالم»، كذلك، لا تَصِف هذه الوثيقة روسيا بعبارات إيجابية، كأن تعتبرها شريكة محتملة، بل أصبح هذا البلد «مصدر تهديد فوري ودائم» على السلام والازدهار حول العالم. باختصار، تختلف استراتيجية بايدن بالكامل عن توجهات الإدارة الديموقراطية السابقة، حتى أن الوثيقة الجديدة تؤكد ما استنتجته إدارة دونالد ترامب في استراتيجية عام 2017: «المنافسة بين القوى العظمى عادت إلى الواجهة». لا تزال الركائز الثلاث الأساسية لاستراتيجية بايدن تجاه الصين مبهمة: - تتعلق الركيزة الأولى «بالاستثمار في أسس قوتنا محلياً، أي القدرة التنافسية، والابتكار، وقوة التحمّل، والديمقراطية». - ترتبط الركيزة الثانية «بتكثيف الجهود المشتركة مع الحلفاء والشركاء». - الركيزة الأخيرة تدعو الولايات المتحدة إلى «التنافس مع الصين بطريقة مسؤولة للدفاع عن مصالحنا وبناء رؤيتنا للمستقبل»، وتقضي هذه الاستراتيجية بوضع استراتيجية معينة. على صعيد آخر، قد يجعل التوتر بين الرئيس وفريقه الاستراتيجيات المكتوبة دليلاً غير جدير بالثقة حول السياسة الفعلية. عمد فريق بايدن حتى الآن إلى تصحيح مواقفه أربع مرات مثلاً، بعد وعوده الارتجالية بالدفاع عن تايوان إذا أقدمت الصين على غزوها، وهو موقف غير رسمي في السياسة الأميركية، إذ يطغى توجّه فريق الرئيس في ملف تايوان على استراتيجية الأمن القومي الجديدة، لكن لا شيء يوحي بأن الخلاف زال بين الطرفَين. قد تشمل استراتيجيّتا ترامب وبايدن تشخيصات شبه متطابقة لأخطر التهديدات التي تواجهها الولايات المتحدة، لكن تكثر المؤشرات التي تثبت أن هذه الاستراتيجية لا تحمل طابعاً جمهورياً، بل ديموقراطياً، فهي تتّسم بشكلٍ من الودّ التقليدي تجاه الأمم المتحدة ومختلف المؤسسات متعددة الأطراف، بدل التشكيك بدورها، كذلك، تشمل استراتيجية بايدن 20 إشارة إلى التغير المناخي و11 إشارة إلى الأزمة المناخية، في حين ذكرت استراتيجية ترامب سابقاً ظروف الاستثمار أو قطاع الأعمال أكثر من السياسة المناخية، وفي غضون ذلك، سبق أن خصّص بايدن مبلغ 370 مليار دولار لإنفاقه على المناخ عبر الكونغرس الأميركي، ومع ذلك، يسود شكل من الإحباط حول دور دبلوماسية المناخ في العلاقات الخارجية، وفي الاستراتيجية الأمنية المؤقتة التي صدرت بعد وقتٍ قصير على وصول بايدن إلى الرئاسة، نجح البيت الأبيض في التوفيق بين استعمال لهجة قاسية مع الصين والتعبير عن استعداده «للترحيب بتعاون الحكومة الصينية في مسائل مثل التغير المناخي... حيث يتداخل مصير البلدَين»، لكن الوثيقة الجديدة تشمل كلمات لاذعة عن إقدام الصين على «استعمال طاقة الفحم وجمعها على نطاق واسع»، وقد اتّضحت هذه النزعة برأي النقاد قبل وقتٍ طويل من وصول بايدن إلى السلطة. غالباً ما يكون التحليل المفرط لاستراتيجيات الأمن القومي محفوفاً بالمخاطر، وتكمن أهميتها الفعلية في تحديد وجهة السياسة الأمنية الأميركية، ولهذا السبب، لا مفر من رصد تغيّر واضح في التفكير الأميركي حين تطرح أي إدارة ديموقراطية تشخيصاً يتماشى بالكامل مع آراء الإدارة الجمهورية التي سبقتها ويختلف بشدة عن تقييم آخر إدارة ديموقراطية، لكن يخطئ من يظن أن التسييس سيتراجع الآن في السياسة الخارجية الأميركية، فيكفي أن نلقي نظرة سريعة على أحداث الحرب الباردة كي نستنتج أن طريقة التعامل مع التهديدات المتبادلة قد تكون مثيرة للخلافات بالقدر نفسه. * «ديفيد أديسنيك »
مشاركة :