أعلن حاكم ولاية النيل الأزرق في السودان (جنوب) حالة الطوارئ، أمس، ومنح قوات الأمن صلاحيات كاملة «لوقف» القتال القبلي الذي أودى بـ150 شخصاً في يومين. وجاء في مرسوم أصدره أحمد العمدة بادي، أنه «يعلن حالة الطوارئ في جميع أنحاء إقليم النيل الأزرق لمدة ثلاثين يوماً». كما كلّف المسؤولين المحليين للشرطة والجيش والمخابرات، وكذلك قوات الدعم السريع، إلى «التدخل بكل الإمكانات المتاحة لوقف الاقتتال القبلي». وكان مدير مستشفى، ود الماحي عباس موسى أفاد بـ«مقتل 150 شخصاً بين أطفال ونساء وشيوخ وشباب أغلبهم مات نتيجة الحرق، كما جرح 86» آخرون يومي الأربعاء والخميس في المنطقة الواقعة على بعد 500 كيلومتر من الخرطوم. يأتي ذلك، فيما حذر خبراء ومحللون سودانيون من تصاعد أعمال العنف في مناطق عديدة في السودان، كما حذروا من عواقب تعالي الدعوات للقبلية والعنصرية، وخطورة ذلك على سلامة النسيج الاجتماعي وأمن واستقرار ووحدة السودان، ودعوا إلى تحرك الأطراف السودانية والنخب المثقفة من أجل وقف النزاعات والصراعات والحروب ووقف نزف الدم. وقال الدكتور خالد التيجاني النور، الكاتب والمحلل السياسي السوداني، رئيس تحرير صحيفة «إيلاف» لـ«الاتحاد»، إن الدعوات للقبلية والعنصرية ليست ظاهرة جديدة في السودان، ولكنها تستفحل عندما يكون هناك استخدام أو توظيف سياسي لها، فالسودان بلد كبير متعدد القبائل والإثنيات، وفي كثير من الأحيان كانت تحدث اشتباكات بين هذه المكونات لأسباب محلية متعلقة بسبل كسب العيش. واعتبر أن المواجهات القبلية يتم الدفع بها لأسباب لا تتعلق بالصراع حول الموارد الطبيعية وغيرها، ولكن للأسف لأن بعض القوى السياسية تحاول اللجوء لتوظيف الأبعاد القبلية في الصراع السياسي. وحذر التيجاني من أنه في حال تفاقم هذا الوضع، وفي غياب تدخل لمعالجة هذه الأوضاع، ستستفحل هذه الظواهر، وتكون الأدوات الوحيدة للصراع السياسي، وليس التنافس الانتخابي أو غيره من الأدوات السلمية، وبالتأكيد سيقود ذلك لمزيد من التفكيك للنسيج الاجتماعي. ويقول الكاتب والمحلل السياسي السوداني مجذوب عيدروس لـ«الاتحاد» إن الطلائع المثقفة في السودان حاولت منذ أوائل القرن العشرين محاربة القبلية والعنصرية، ونجحت هذه الطلائع إلى حد بعيد في إعلاء الانتماء للوطن، لكن نظام «الإخوان» السابق أحيا النزعة القبلية وتقسيم السودانيين على أساس إثني وجهوي، ومنح الجنسية لمن لا يستحقها من الأجانب لكسب ولائهم، وقسم دارفور إلى عرب وغير عرب، وخلق نزاعات حول الأرض والمرعى، وأشعل الفتن بين القبائل التي تعايشت وتصاهرت عبر القرون، وسلح ما أسماه بالدفاع الشعبي، وانتشر السلاح وتعددت الميليشيات والحركات المسلحة. ويرى عيدروس أنه لا بد من محاربة ظاهرة إحياء القبلية وتقنين أوضاع الأجانب، والحد من الانفلات الأمني وتعدد الجيوش. ويقول الكاتب والمحلل السياسي السوداني فايز الشيخ السليك لـ«الاتحاد» إن استمرار العنف والصراعات القبلية مهدد حقيقي وخطير للسودان، ويضيف: «ستزيد وتيرة الحروب والصراعات مثلما يحدث في النيل الأزرق بين الهوسا والفونج، وفي دارفور، وفي شرق السودان وجنوب كردفان وغيرها».
مشاركة :