عمون - انطلقت، اليوم السبت، أعمال الدورة التاسعة لمنتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية، التي ينظمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، والتي تستمر يومين. ويبحث المنتدى في هذا العام موضوع التداعيات السياسية والأمنية والاقتصادية الناجمة عن الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا، وذلك بمشاركة 23 باحثًا من المنطقة العربية ومن خارجها، وُزعت أبحاثهم على سبع جلسات ومحاضرة عامّة. حضر افتتاح أعمال الدورة أعضاء من مجلس الشورى في دولة قطر، وعدد من سفراء الدول العربية والأجنبية وقناصلها، إلى جانب عدد من الأكاديميين الخليجيين، والإذاعة المحلية العُمانية، وشخصيات إعلامية في الدوحة. افتتح الباحث في شؤون منطقة الخليج الأستاذ خالد المعاضيد أعمال المنتدى. فأكد في كلمته الافتتاحية أن هذا المنتدى الذي أطلقه المركز العربي، في كانون الأول/ ديسمبر 2014، يُعدّ منبرًا أكاديميًا متخصصًا في دراسة شؤون منطقة الخليج العربي وقضاياها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وقد نُظّمت ثماني دورات تناولت مواضيعها الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وقضايا التعليم، والتنويع الاقتصادي، وأزمة حصار قطر، والتحولات الاجتماعية وإشكالية الهوية والقيم في منطقة الخليج، وصنع السياسات العامة، وأمن منطقة الخليج، والعلاقات الخليجية مع الولايات المتحدة الأميركية وإيران، والصناديق السيادية، واستجابة دول الخليج العربية لجائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19). وتتناول هذه الدورة أبرز القضايا الراهنة المتمثلة في الأزمة الأوكرانية وانعكاسها على منطقة الخليج العربية، فعلى الرغم من أن المنطقة بعيدة عن الصراع فإنها وجدت نفسها في قلب الأزمة. كما أشار إلى أن المركز العربي أنشأ وحدة متخصصة بدراسات الخليج والجزيرة العربية؛ انطلاقًا من الأهمية المحورية للمنطقة والأدوار التي تؤديها في المجالات السياسية والدبلوماسية، وفي الاقتصاد والطاقة والإعلام والرياضة، والتي تبقى الدراسات الراهنة قاصرة عن إيفائها حقّها. وستكرّس الوحدة جهدها لإنتاج دراساتٍ وأبحاث معمّقة تتناول شؤون المنطقة وقضاياها، ومشاريع بحثية تعبّر عن خريطة احتياجاتها. التنافس الدولي في ظل أزمة أوكرانيا وانعكاسه على دول الخليج العربية ناقشت الجلسة الأولى في محور العلاقات الدولية، برئاسة راشد حمد النعيمي، انعكاسات أزمة أوكرانيا على العلاقات الدولية لدول الخليج العربية، وقدّم فيها عبد الله الشايجي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت، ورقة موضوعها تأثير حرب روسيا على أوكرانيا في واقع العلاقات الخليجية - الأميركية ومستقبلها. وأشار إلى أن دول الخليج العربية بقيت على الحياد، منذ اندلاع هذه الحرب، لا سيما الدول الكبيرة المنتجة للنفط، مسلطًا الضوء على الرد الأميركي على قرار مجموعة "أوبك+". وقد جادل الشايجي بأن التطورات اللاحقة للغزو الروسي تمثل انتكاسة في العلاقات الاستراتيجية الأميركية - السعودية، ومعها الإمارات، في ظل التحديات والضغوطات التي تتعرض لها دول الخليج العربية في هذه الحرب، إلى درجة تحوّل فيها موقف الحياد الخليجي إلى عبء على العلاقات مع الحليف والحامي الأميركي، موضحًا أن دول الخليج العربية لم تعد محايدة من وجهة النظر الأميركية بسبب موقفها من خفض إنتاج النفط، غير أن ذلك لا يعني أن الولايات المتحدة ستغادر المنطقة، ومن ثم، ينبغي لها أن تعيد النظر في محورية منطقة الخليج في تحقيق أمن الطاقة. وركّز جورج كافييرو، مؤسس مركز تحليلات الخليج في واشنطن ورئيسه التنفيذي، في ورقته "انعكاسات أزمة أوكرانيا على العلاقات بين دول الخليج العربية وروسيا"، على أسباب توجّه أنظمة دول الخليج العربية، وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة، إلى تمتين علاقاتها مع روسيا في السنوات الأخيرة، لا سيما ما له علاقة بسعي دول الخليج للحصول على قدر أكبر من الاستقلالية عن الولايات المتحدة، والذي من شأنه أن يفسر الموقف المحايد الذي أظهرته، تحديدًا، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إزاء الغزو الروسي لأوكرانيا. وخلص الباحث إلى أنّ هذا الموقف يُعزى إلى السعي المستمر لقادة الدولتين من أجل مواصلة التكيّف مع نظام متعدد الأقطاب، تُرى روسيا فيه قطبًا. في الجلسة الثانية من المحور ذاته، برئاسة غانم النجار، قدّم جوناثان فولتون، الأستاذ المساعد في العلوم السياسية في جامعة زايد في أبوظبي، ورقة عن مستقبل العلاقات بين دول الخليج العربية والصين في ظل المحددات التي أحدثتها أزمة أوكرانيا، ناقش فيها سعي دول الخليج العربية لإقامة علاقات أمتن مع الصين، ما أهّلها لتتحوّل إلى شريك مهمّ؛ فانعكاس الأزمة الأوكرانية على المشهد الاستراتيجي في منطقة الخليج من شأنه أن يؤدي إلى تزايد أهميتها في المنطقة. وناقشت فتيحة دازي-هني، أستاذة التاريخ والعلاقات في معهد ليل للدراسات السياسية، انعكاس أزمة أوكرانيا على التحولات الجيوسياسية في منطقة الخليج العربية، وركّزت على ضرورة تجديد كلٍّ من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي المحادثات الأمنية والتعاون الجغرافي الاقتصادي مع دول الخليج العربية، وإعادتهما تأكيدها. وتمنح أزمة أوكرانيا، في تقدير الباحثة، دول الخليج العربية مكانة مركزية من الناحية الاستراتيجية لدى الاتحاد الأوروبي خصوصًا، ولدى الولايات المتحدة لإعادة ضبط مصلحتها للأمن القومي الإقليمي في منطقة الخليج والبحر الأحمر. انعكاسات أزمة أوكرانيا على علاقات الخليج الإقليمية في الجلسة الثالثة، ناقش سابان كارداس، الأستاذ الباحث في مركز دراسات الخليج في جامعة قطر، تداعيات أزمة أوكرانيا على العلاقات بين دول الخليج العربية وتركيا. وأشار إلى أنّ حرب أوكرانيا أدّت إلى تغيير المشهد الجيوسياسي في أوراسيا وخارجها، مسلطًا الضوء على سلوك تركيا التي وجدت نفسها في قلب الأزمة. وحاجّ الباحث بأنّ هذه الأزمة زادت تركيا قوةً ونفوذًا إقليميًا، ومن ثم ستستغل هذا النفوذ في علاقاتها بدول الخليج العربية. وسينتقل التطبيع المستمر بين تركيا من جهة، والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية من جهة أخرى، إلى مستوى جديد. وفي السياق الإقليمي، ركّز محجوب الزويري، مدير مركز دراسات الخليج في جامعة قطر، في ورقته على مستقبل الاتفاق النووي مع إيران في ضوء الحرب الروسية على أوكرانيا، موضحًا أنّ استمرار هذه الحرب أتاح فرصة لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015، لكن هذه الفرصة ظلّت مرتبطة بتصدّي روسيا لذلك. وبيّن أنّ العودة إلى هذا الاتفاق تفتح الباب لأسئلة مهمّة تتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، ولا سيما تأثير الاتفاق المحتمل في مسار العلاقات الخليجية - الإيرانية، فعودة إيران إلى سوق الطاقة، في تقدير الباحث، تفتح الباب لواقعٍ جديد، من حيث التنافس مع دول الخليج العربية، ولا سيما السعودية في مجال النفط، وقطر في مجال الغاز. حرب أوكرانيا وانعكاساتها الجيوسياسية على منطقة الخليج اختتم اليوم الأول بمحاضرة عامّة ألقاها تشارلز كابشن، الزميل الأول في مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، عنوانها "حرب أوكرانيا وانعكاساتها الجيوسياسية على منطقة الخليج"، ناقش فيها أثر شراكة روسيا الاستراتيجية مع الصين، والتوتر القائم بالفعل بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، في زيادة حدة التنافس الجيوسياسي المتصاعد بين الغرب من جهة، والكتلة الصينية - الروسية الممتدة من غرب المحيط الهادئ إلى أوروبا الشرقية، من جهة أخرى. وأوضح كابشن أنّ تزايد المنافسة بين هاتين الكتلتين سيجعل كثيرًا من دول العالم تتجنب الاختيار بينهما؛ ما سيفسح المجال لمشهدٍ عالمي متعدد الأقطاب. وفي ضوء هذه الوضعية ستحظى منطقة الخليج العربية بقدرٍ أكبر من الاستقلالية في خياراتها، لا سيّما مع نموّ المشاركة التجارية والجيوسياسية مع الصين.
مشاركة :