تدمير التراث العالمي جريمة حرب

  • 1/12/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

إن داعش تقتل الناس وتدمر المواقع، ولكنها لا تستطيع أن تسكت التاريخ، وسوف تفشل في نهاية المطاف في محو هذه الثقافة العظيمة من ذاكرة العالم مع الاعتداءات المتطرفة المستمرة دون هوادة على رموز التنوع الثقافي المُبهرة في سوريا، أدانت الأمم المتحدة تدمير الآثار في موقع كبير آخر من مواقع التراث العالمي. وكانت في وقت سابق من شهر أكتوبر/ تشرين الأول، أعلنت أن مثل تلك الأفعال جرائم حرب، وأكدت أن المسؤولين عنها سوف يحاكمون ويعاقبون. بعد تدمير معبد بعل شمين العريق في القِدَم في أغسطس/آب، وقوس النصر في أكتوبر/تشرين الأول، في تدمر، سقط موقعٌ آخرُ للتراث العالمي، فريسةً للقتال في سوريا، حيث ذكرت إدارة الآثار والمتاحف السورية، أنّ أجزاء من مدينة بصرى القديمة، أصيبت بأضرار فادحة أثناء المعارك في 22 ديسمبر/كانون الأول 2015. وردّت منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة، على آخر هذه الاعتداءات في 24 ديسمبر/كانون الأول، بتحذير سوق الفنون العالمية من احتمال الاتّجار بقطع أثرية من موقع التراث العالمي هذا. قالت المديرة العامة لليونسكو، ايرينا بوكوفا عن الموقع الذي يحتوي على آثار رومانية وبيزنطية وإسلامية، من بينها مسرح روماني عظيم يعود إلى القرن الثاني.. إن عمليات التدمير التي تعرّضت لها بُصرى، تمثل تصعيداً آخر في أهوال الحرب، ويجب وقفها على الفور للسّماح للأطراف المعنية بتعزيز الاتفاق الذي تم التوصل إليه للحفاظ على تراث بصرى الذي لا يُعوَّض. ويُخشى حدوث مزيد من التدهور، نظراً للتدمير الشديد الذي طال الفناء الغربي المتاخم للمسرح وأجزاء من القلعة الأيوبيّة المحيطة به. ويُقال إن المسرح، الفريد في هندسته المعمارية، قد شُيِّد في عهد الامبراطور تراجان، الذي حكم الامبراطورية الرومانية من 98 إلى 177 ميلادية. وفيما بين عامي 481 و1251، غدا جزءاً من تحصينات قلعة منيعة تحرس الطريق إلى دمشق. تقول بوكوفا،"إن حماية المواقع الثقافية جزء لا يتجزأ من حماية أرواح الناس لأنها أساسية لاستعادة السلام في سوريا". ويُجسّد المسرح الروماني في بُصرى، التنوع الثري في هوية الشعب السوري، وإني لأناشد المهنيّين في مجال الثقافة في أنحاء العالم، ولا سيّما في سوق الفنون، أن يلتزموا جانب اليقظة الشديدة في المعركة ضدّ تهريب القطع الأثرية من بُصرى. وقد كررت بوكوفا شجبها لتدمير المواقع الأثرية والثقافية في القتال الدائر في سوريا والعراق، وأعلنت في أكتوبر بعد أن دمر تنظيم داعش، قوس النصر في تدمر، وهو موقع تراث عالمي سوري أساسيٌّ آخر، أن المتطرفين لن يُفلحوا في طمس التاريخ أبداً. وقد أدرِجت بُصرى التي كانت ذات يومٍ عاصمة الولاية العربية في الامبراطورية الرومانية، ومحطّ الرحال المهم في طريق القوافل القديمة إلى مكة، على قائمة اليونسكو للتراث العالمي عام 1980. وقالت الوكالة الأمميّة يومئذٍ، إن معالم بصرى الرئيسية الباقية على قيد الحياة، تعكس القيمة العالمية البارزة للموقع. وفي أكتوبر الماضي، سقط قوس النصر في تدمر، ضحية للمتطرفين. وقالت بوكوفا عنذئذٍ: إن تدمر تمثل كل ما يمقته المتطرفون؛ من التنوع الثقافي، والحوار بين الثقافات، والتقاء الشعوب المختلفة في هذا المركز التجاري بين أوروبا وآسيا. وأضافت: إن هذا التدمير الجديد يدلّ على مدى ذعر المتطرفين من التاريخ والثقافة، لأن فهم الماضي يقوّض الذرائع التي يلجأون إليها لتبرير جرائمهم، ويكشف أنها تعبيرٌ عن الحقد البحت والجهل المطبق. ومضت بوكوفا تقول: على الرغم من جرائمهم المجردة من الرحمة، لن يقدر المتطرفون أبداً على محو التاريخ، ولا إخماد ذاكرة هذا الموقع الذي يجسد وحدة وهوية الشعب السوري. وقالت رئيسة اليونسكو أيضاً إن مجرمي الحرب لن يفلتوا من العقاب، وإن اليونسكو ستبذل قصارى جهدها لضمان تقديم المسؤولين عن تدمير قوس النصر إلى المحاكمة ليلقوا جزاءهم العادل. وكما تفيد منظمة اليونسكو، تمّ بناء قوس النصر على يد سيبتيميوس سيفيروس بين عامي 193 و211 قبل الميلاد. وهو يمثل صلة الوصل بين الرواق الكبير في الموقع، ومعبد بل، الذي دمر بدوره عام 2015. وقالت بوكوفا شاجبة تدمير معبد شمين القديم في تدمر، ضمن مؤتمر صحفي إن التدمير المنهجي للرموز الثقافية التي تجسد التنوع الثقافي السوري، تكشف النية الحقيقية لمثل هذه الهجمات، وهي حرمان الشعب السوري من معارفه، وهويته وتاريخه.. بعد أسبوع من قتل البروفسور خالد الأسعد، عالم الآثار الذي تولى رعاية آثار تدمر على مدى أربعة عقود، يشكل هذا التدمير جريمة حرب جديدة، وخسارة عظيمة للشعب السوري، وللإنسانية. وتفيد اليونسكو، بأن معبد باعل شمين بُني قبل ألفي سنة تقريباً، ويقف شاهداً على عمق تاريخ البلاد في مرحلة ما قبل الإسلام. ووفق تقارير عديدة، تم تفجير المبنى في 23 اغسطس/آب. وقد أصيب مقدسه، أو باحته الداخلية، بأضرار جسيمة، وتبعه انهيار الأعمدة المحيطة. ويعود هيكل معبد باعل شمين إلى العهد الروماني. وقد أقيم في القرن الأول قبل الميلاد، وجرى توسيعه من قبل الامبراطور الروماني ادريان. والمعبد واحد من أهم المباني في تدمر، وأفضلها بقاءً على حالها. وهو جزء من موقع تدمر الكبرى، وهو أحد أهم المراكز الثقافية في العالم القديم، ويشتهر بآثاره الإغريقية الرومانية العريقة، وقد جرى استهدافه بصورة متكررة من قبل داعش منذ مايو/ أيار 2015. والفن والعمارة في تدمر، التي تقف عند ملتقى حضارات عديدة، رمز لتطوّر الهوية والتاريخ السوريين، وثرائهما، كما قالت بوكوفا. إنّ الإرهابيين يسعون إلى تدمير هذا التنوع والغنى، وأنا أناشد المجتمع الدولي الوقوف متحداً ضد هذا التطهير الثقافي الدؤوب. إن داعش تقتل الناس وتدمر المواقع، ولكنها لا تستطيع أن تسكت التاريخ، وسوف تفشل في نهاية المطاف في محو هذه الثقافة العظيمة من ذاكرة العالم. وعلى الرغم من العقبات والتعصب، سوف يسود الإبداع البشري، وسوف ترمم المباني والمواقع، وبعضها سيبنى من جديد. إن مثل هذه الأفعال جرائم حرب، ويجب محاسبة مقترفيها على أفعالهم. *صحفية تكتب في موقع إنْ ديبْث نيوز. المقال من موقع: يورآسيا ريفيو

مشاركة :