ذكر مصدر سياسي رفيع في بغداد أن رئيس الوزراء المكلف محمد السوداني «يكافح» لإقناع بعض الفصائل المحسوبة على إيران بأن من الخطأ منحهم مناصب أمنية حساسة، مثل إدارة جهاز المخابرات أو جهاز مكافحة الإرهاب، وأن ذلك سيثير غضباً إقليمياً ودولياً، ويمنع الكتلة الشيعية الأكثر تشدداً من «التمتع» بالحكم، بعد نحو عامين ونصف عام من عهد مصطفى الكاظمي، الذي حاول تقليص نفوذ الفصائل في أجهزة الأمن، وأجرى إصلاحات وتغييرات عميقة في القوات المسلحة. وتداولت الأوساط السياسية طوال الأسبوع الماضي أن السوداني يمكن أن يشكل «أسرع حكومة» في العراق، على خلاف عادة الأحزاب في القواعد الصعبة لتقاسم الحقائب، لأن الكتلة الشيعية الكبيرة تمر بتجربة فريدة هذه المرة، وهي غياب التيار الصدري، الذي يعد أكبر تيار شعبي، عن البرلمان، وتحاول أن تكسب الوقت قبل أن يعود أنصار مقتدى الصدر إلى الشارع ليعرقلوا جهود خصومهم لتشكيل الحكومة. كما يخشى «الإطار التنسيقي»، وهو المظلة التي تجمع معظم حلفاء طهران، من تجدد الاحتجاجات الشعبية غداً، في الذكرى الثالثة لمجزرة راح ضحيتها العشرات من المحتجين في بغداد وجنوب البلاد عام 2019. لكن رغم هذه المخاوف فإن البرلمان لم يعقد السبت كما تعهد «الإطار»، بسبب تعقيدات في مفاوضات تشكيل الحكومة، رجح مصدر رفيع أنها تعود لخلاف عميق حول مفهوم حكومة 2022، وهي أول حكومة ستتشكل من أبرز المتشددين في غياب أي تمثيل يذكر للأطراف الموصوفة بالاعتدال السياسي، بسبب خسارة انتخابية قاسية لرئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي وحليفه عمار الحكيم، وكذلك في ظل استقالة 73 نائباً من تيار الصدر الفائز الأول في الانتخابات، احتجاجاً على عرقلة تشكيله الحكومة. وقال المصدر، لـ «الجريدة»، إن الفصائل المسلحة البارزة مثل «عصائب أهل الحق» أو «كتائب حزب الله ـ العراق» يصرون على إطلاق أيديهم في جهاز المخابرات والأمن الوطني وجهاز مكافحة الإرهاب «نخبة الكوماندوز»، وهي مؤسسات كانت تدار في العادة من شخصيات معتدلة أو بعيدة عن نفوذ إيران، وتضمن علاقات استخباراتية جيدة مع واشنطن والتحالف الدولي وحلف الناتو وأجهزة الأمن في الدول العربية المجاورة، ما يعني أن حصول تغيير يتيح للفصائل أن تتحكم في هذه المناصب الأمنية العليا سيزعزع الثقة الدولية والإقليمية بنظام الأمن العراقي، الذي حقق خلال الأعوام الأخيرة سمعة جيدة بعد النجاح في تطويق خطر الإرهاب وتنظيم داعش. وأضاف المصدر أن المرشح السوداني لم ينجح حتى الآن في إقناع الفصائل بحكومة تمثل حلفاء طهران لكنها تحكم عبر وجوه مقبولة نسبياً، ولا تستعجل تحقيق المكاسب، ولا تقوم بتغييرات مفاجئة وشاملة للمناصب الأمنية والاقتصادية في البلاد. وترى الفصائل أنها أمام فرصة نادرة لا تتكرر لبناء نفوذ عميق في الدولة، إذ لولا استقالة نواب التيار الصدري لما تمكن الفريق الشيعي الخاسر في الانتخابات من العودة بقوة إلى السلطة، ما يعني ضرورة الحفاظ على هذا المكسب ومنع الصدر وقوى الاحتجاج الشعبي من تخريب هذه العملية. وتسود مخاوف لدى قوى الاحتجاج والصدريين من مرحلة تسلم السوداني السلطة، حيث ستكون الفرصة سانحة للفصائل كي تمارس الانتقام من خصومها، وتفيد بعض الشائعات بأن هناك محاكمات جاهزة لرموز الاحتجاج الذين عارضوا نفوذ إيران علانية خلال الأعوام القليلة الماضية، وبينهم رموز ينتمون للتيار الصدري. وقال السوداني، أمس، إنه مستمر في مقابلة المرشحين للحقائب الوزارية، في وقت توقع المصدر انعقاد جلسة الغد للتصويت على الحكومة والبرنامج الوزاري، رغم أن بعض المفاوضين حذر من احتمال فشل السوداني في تشكيل الحكومة نتيجة خلاف عميق بينه وبين الفصائل حول المناصب الأمنية والاستخباراتية.
مشاركة :