استضافت ندوة الثقافة والعلوم مساء أمس الأول في مقرها في دبي الأديب محمد المر والدكتور علي بن تميم، الأمين العام لجائزة الشيخ زايد للكتاب في جلسة حوارية حول كتاب ترجمة النفس -السيرة الذاتية في الأدب العربي الصادر عن مشروع كلمة للمحرر دويت راينولدز من ترجمة سعيد الغانمي، استعرضا فيها تاريخ الكتاب ومشروع البحث في جذور الأدب العربي على يد النقاد والمفكرين الغربيين. جاءت الجلسة التي أدارها رئيس مجلس إدارة الندوة سلطان صقر السويدي ضمن سلسلة الجلسات التي تناقش المؤلفات الصادرة في الدولة، والهادفة لتعزيز ثقافة القراءة، وتعريف القراء على الكتب والمؤلفات التي لم تجد طريقها إلى النشر. تناول المر في مداخلته مشروع الكتاب من حيث فرادة طرحه والجهد المبذول فيه بقوله: إن أهمية الكتاب تأتي على أكثر من صعيد، الأول منها أن عشرة كتاب أمريكيين ساهموا في كتابته وتقديم رؤاهم ووجهات نظرهم حول أدب السيرة الذاتية في المورث العربي، وأنهم خرجوا بنتيجة مغايرة لما ظل سائداً في ثقافة المستشرقين التي تعتبر أن أدب السيرة الذاتية ينحسر في الثقافة الغربية ولا تتشكل معالمه خارج منتجهم الأدبي. وتوقف المر عند أدب السيرة الذاتية في التاريخ الثقافي العربي من حيث النشأة والخصائص والمميزات، وبيّن أن الأدب العربي لم يعتنِ بالسيرة الذاتية من حيث الدراسة والتوثيق والنقد، وظلت المؤلفات التي تدور على هامش ذلك مقتصرة على كتب التراجم والطبقات وغيرها من المؤلفات التي لا تستفيض في السيرة. وأوضح المر أن للسيرة الذاتية في أدبنا العربي سلسلة من الخصائص التي تتشكل في فضائها، أبرزها أن الكاتب العربي ظل يكتب بصيغة الجماعة ولم يتحول إلى الفردية التي تشكلت منها الثقافة الغربية، والكثير من المؤلفات التي تندرج تحت السيرة الذاتية لجأت إلى التحدث عن نعم الله في عرضها لسيرة الكاتب. وبين أن أكثر ما يميز السيرة الذاتية في التراث الأدبي العربي عما يقابلها في الأدب الغربي هو أن الأديب العربي كان يتحدث عن فضائله وحسناته ليشكل من سيرته قدوة، فنجده يتحدث عن الفترة المبكرة التي حفظ فيها القرآن، وفترة عمره الصغيرة التي استطاع خلالها أن يحوز علوم عصره وغيرها من السمات الداعية إلى العلم والفضيلة، مقابل ذلك ظل الأديب الغربي يكتب عن أخطائه لكي يمنع تكرارها عند كل من يقرأ تجربته الحياتية. ولفت المر إلى أن البعض يرى قلة في السيرة الذاتية عند الأديب العربي، إلا أن القارئ المتمعن يجد الكثير من النصوص التي تقترب من مستوى السيرة الذاتية، حيث كتب بعض الفقهاء فصولاً عن حياتهم في بداية مؤلفاتهم، ومنهم من كتب سيرته الروحية، والمشوار المعرفي الذي خاضه للوصول إلى الحق واليقين. وقرأ المر في ختام مداخلته نصوصاً من كتاب ترجمة النفس ليكشف جوانب الحكاية والقص في السير التي توقف عندها الكتاب، والرؤية التي انطلق منها الأدباء العرب في معالجة سيرهم، وهامش الاعتراف الذي وصل إليه الأديب العربي من الإعراب عن كوامن نفسه ومشاعره. واستعرض د. علي بن تميم أهمية الكتاب في تشكيل مقاربة بين النظرة التي تشكلت عن الأدب العربي بخصوص السيرة الذاتية وما جاء به، مبيناً أن الكتاب قدم أربعة عشر نصاً سيرياً من الأدب العربي، استطاع من خلالها الوصول إلى خلاصات متقاربة حول رسوخ أدب السيرة في الأدب العربي. وتوقف بن تميم عند الجذور التي عاد إليها الكتاب للكشف عن تاريخ السيرة في الأدب العربي، وقال: إن قارئ فلسفة الانعكاس التي طرحها أحمد رجب في كتابه فلسفة المرايا يجد أن هذه الفلسفة ذات صلة بنظرة الكاتب العربي إلى نفسه، فقد استعار الأدب العربي أسطورة نرسيس الذي نظر إلى نفسه في النهر مراراً وغرق ومات، فقدمتها الحكاية العربية في سيرة النبي يوسف عليه السلام عندما نظر إلى نفسه في البئر، وكذلك الكثير من الشعراء الذين أعادوا هذا المشهد في حكاياتهم. وأشار بن تميم إلى الثقافة العربية وتعاملها مع الأنا والذات، من حيث سعيها دائماً إلى التماهي مع الجماعة، وحتى التعوذ من الضمير أنا، لافتاً إلى أنه حتى وقت متأخر عندما كتب طه حسين سيرته في الأيام ظل يتحدث عن نفسه بضمير الغائب. واختتمت الجلسة بعدد من الأسئلة والمداخلات طرحها الحاضرون حول نية الكاتب محمد المر كتابة سيرته الذاتية، وحول تركيز الكتاب في بحثه عن أسماء معينة وتجاهل أخرى، وإغفال الكثير من السير في بعض المناطق العربية مثل بلاد المغرب العربي، والخليج وغيرها من البلدان. وكرّم المر في ختام الجلسة د.علي بن تميم بتسليمه درع الندوة وشهادة تقديرية على جهوده في العمل الثقافي الإماراتي.
مشاركة :