روبير سوليه: أين أصبح ميدان التحرير؟

  • 1/13/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

«لديَّ مهن ثلاث فقط؛ صحافي وروائي ومؤرخ، ولست متنبئاً لأعرف مستقبل مصر». بهذه الروح المفعمة بالسخرية والوضوح تحدث روبير سوليه في المركز الثقافي الفرنسي في القاهرة وسط حضور اتسم بالكثافة والتنوع. لكن روبير أكمل: «لدى مصر مشكلات رئيسة في الأمن والاقتصاد والتعليم والتفكير النقدي؛ وأي محاولة للإصلاح تتجاهل هذا فهي محكومة بالفشل». وعن التعليم قال: «يجب ضخ ملايين الدولارات للارتقاء بمستوى التعليم وتحسينه، فالتعليم المصري وصل حداً مفزعاً»، وفرَّق في سياق حديثه عن التفكير النقدي بين أن يكون الإنسان متديناً وهذا أمر ممتاز، وبين أن يفرض طريقة تدينه على الناس، مستحسناً طلب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من الأزهر تجديد الخطاب الديني. وعندما سأله أحد الحضور: كيف يستقيم تشجيع تجديد الخطاب الديني مع حبس من حاول أن يفعل ذلك (يقصد الباحث إسلام البحيري) فردَّ سوليه: «لا تعليق». الحوار الذي أقيم لمناسبة صدور رواية سوليه «فندق مهرجان»، تحول سريعاً من الحديث عن فندق متخيل، إلى تناول الشأن المصري سياسياً واقتصادياً وإعلامياً، وإلى مناقشة أوضاع الإرهاب في العالم وخصوصاً فرنسا ومحاولة تحليل أسبابه بحياد المؤرخ ومعلومات الصحافي وحس المواطن. روبير سوليه؛ ولد في مصر العام 1946 لأسرة من «الشوام»، درس في مدرسة الليسيه الفرنسية ثم أكمل دراسته لدى الآباء اليسوعيين- الجيزويت، وفي سن السابعة عشرة ترك مصر ليستكمل تعليمه في فرنسا. في العام 1969 عمل سوليه محرراً في جريدة «لوموند» واستمر فيها أكثر من عشرين عاماً، وله أكثر من كتاب عن مصر البلد الذي شكَّل الفسحة الأرحب في ذاكرته، منها «سهرة في القاهرة»، «الطربوش»، «مجانين مصر»، «مصر الأمس بالألوان». وقال سوليه خلال لقاء المركز الثقافي الفرنسي في القاهرة: «إن الغرب يتحمل بممارساته جزءاً من المسؤولية عن تفاقم الإرهاب»، وذكر في هذا السياق ما قام به الرئيس الأميركي السابق جورج بوش في حربه ضد العراق، لكنه أردف: «هناك منبع يخرج منه التطرف في البلاد الإسلامية، فكيف يقتل إنسان آخرين أو كيف يقتل نفسه معتبراً أنه يفعل شيئاً يرضي ربه»؟ ورداً على سؤال عن الفرق بين سوليه ذي الأصول العربية وبين العرب المقيمين في فرنسا الذين انضموا إلى «داعش»، لفت إلى ثلاثة أمور، أولها أن هؤلاء يعيشون في الضواحي وقد ولدوا في فرنسا أي أنهم فرنسيون رغم أصولهم العربية، الثاني أنه مهاجر درجة أولى فقد عمل في كبريات الصحف ودرس في أكبر الأكاديميات، والثالث أن ما يشكل فارقاً حقيقياً هو الاندماج؛ فمن استطاع الاندماج في قيم فرنسا وغيرها من الدول المتقدمة لا يمكن أن يكون متطرفاً ولا إرهابياً، لكنّ التعليم وحده لن يشكل فارقاً جوهرياً لأن من اشتركوا في تفجيرات أيلول (سبتمبر) الماضي كان منهم طيارون ومهندسون. في الحديث عن ثورة يناير، احتل الأسى وجه سوليه وهو يقارن بين ما كان يجري في العالم نتيجة للثورة الناصعة، وكيف رآها بيرلسكوني اشارة للعالم وكيف تحدث عنها أوباما وغيره، وكيف كان رؤساء دول يجيئون إلى مصر لالتقاط صور تذكارية في ميدان التحرير. ثم تساءل: أين ميدان التحرير الآن؟ هل هناك أحد فيه؟ وعقب سوليه: «كل شيء تغير كما لو كنت تخلع قفازاً». ورداً على طلب المقارنة بين وسائل الإعلام في مصر وفي فرنسا، قال سوليه: إنه لا يتابع الصحف والقنوات المصرية الآن، وإن كان تابعها بشغف في عام الثورة الأول، ولاحظ مساحة حرية متزايدة، في حين أخبره صحافيون مصريون أصدقاء أن هناك تضييقاً على الحريات الآن، كما أنه قرأ في صحف بلاده عن سجن صحافيين مصريين. «أنتم تقارنون بما لا يقارن به». هكذا أجاب سوليه حينما تلقى سؤالاً عن المقارنة بين ما تفعله الشرطة الفرنسية مع الإرهابيين وما تفعله الشرطة المصرية. وأضاف: «قد تكون هناك تجاوزات لدينا، لكن وفق علمي لا وجود لحالات تعذيب داخل مخافر الشرطة، وهو ما يحدث في مصر ويعرفه الجميع. إن حقوق الإنسان مسألة لها أولوية بالنسبة إلينا، أما هنا فالوضع مختلف. وبالمناسبة أنا أحب مصر جداً ولهذا أنتقد، وعليَّ أن أذكر أنني لم أقل كما أشيع، إن المصريين لا يستحقون الحرية، فمصر بلد ثري ولديه ثروات طبيعية وثقافية، ولكن علينا أن نكون صريحين ونفكر: ما نتيجة أن يحكم قاض بالإعدام على مئات في دقائق حتى لو تمت تبرئتهم فيما بعد؟ مع العلم بأن وسائل الإعلام العالمية لا تهتم بمصر إلا من زاوية حقوق الإنسان، وأنا لا أحب قناة «الجزيرة» وأشك في نياتها لكن ما فعلته السلطات المصرية معها من سجن صحافييها وإغلاق مكتبها يطرح علامات استفهام كبيرة.

مشاركة :