معارض الكتب إلى القراءة.. در!

  • 10/30/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

باتت معارض الكتب تمثل ظاهرة مميزة في عالم اليوم، وتؤشر على اتجاهات معاكسة لكل الأفكار، التي سادت في الفترة الأخيرة، وتقول بموت القراءة، واحتضار الكتاب الورقي، وتراجع الثقافة لصالح الاهتمامات الاقتصادية الصرفة، وغير ذلك من الأفكار. وعلى نقيض ذلك، من الملاحظ إن معارض الكتب نجحت في أن تكون مناسبات جماهيرية فعلاً، تجتذب شرائح مختلفة من المجتمعات، ومستويات ثقافية متنوعة ومتباينة؛ ففي أروقتها، يقابل المرء الكتاب والمبدعين إلى جانب القراء المتخصصين والعاديين، كما إنها باتت فعاليات تستقطب العائلات على نطاق واسع.  وعملياً، فإن خارطة معارض الكتب واسعة في العالم، وكثير منها تحولت إلى مؤسسات، لها تاريخ عريق في العمل الثقافي، وفي دعم صناعة الكتاب والنشر والمكتبات العامة، وترويج ثقافة القراءة. ويجد هذا التوسع والازدهار في «اقتصاد معارض الكتب» انعكاساً واضحاً له في الإمارات، التي تنظم سنوياً اثنين من أهم هذه المعارض: معرض الشارقة الدولي للكتاب، ومعرض أبوظبي الدولي للكتاب، إضافة إلى تجارب أخرى أحدث عمراً. الأثر الاقتصادي إن ما يمكن قوله عن معارض الكتب العالمية، يمكن قوله عن معرض الشارقة الدولي للكتاب، الذي بلغ دورته الـ41، التي تستضيف 2213 ناشراً من 95 دولة، و129 مؤلفاً ومفكراً وخبيراً آخر من 57 دولة، ضمن برنامج ثقافي يتضمن 1047 فعالية، تمتد على مدار 12 يوماً، خلال الفترة من 2 حتى 13 من نوفمبر المقبل. ويتضح من هذه المعطيات والأرقام، إن هذا المعرض لا يمثل حدثاً ثقافياً فقط، بل مهرجاناً من مستوى وحجم كبيرين، وفعالية كبرى من شأنها أن تحتل موقعاً متميزاً على خارطة الاقتصاد الإبداعي. وللأسف، ليست هناك أرقام دالة يمكن أن تساعد في معرفة حجم هذه الفعالية الكبرى في سياق الاقتصاد الإبداعي في الدولة، أو توضح مقدار تأثيرها وتحفيزها له. هذا رغم أن المعرض حصل في السنوات الأخيرة على صفة معرض الكتاب الأكبر في العالم، ما يجعل من توفير مثل هذه الأرقام والمعطيات أمراً متوقعاً، لا سيما مع التوجه العالمي إلى عكس الأثر الاقتصادي للفعاليات والأنشطة الثقافية. وفي الواقع، ما زال هذا شأن كل الفعاليات المشابهة. غير إن هذا مساراً مستقبلياً لعمليات التطوير الدائمة التي تشهدها المعارض، في ظل جهود مواكبة العلاقات الجديدة التي تربط الثقافة والاقتصاد، وكذا مواكبة التوجهات الاقتصادية الجديدة للدولة، التي تضع الاقتصاد الإبداعي على رأس الأولويات. خارطة عالمية تبدو خارطة معارض الكتب في العالم واسعة، وتغطي قاراته المأهولة كلها، حيث تبرز الحاجة ليس إلى التسوق المريح تحت سقف واحد، يجمع أهم دور النشر العالمية وأهم وأحدث إصداراتها فقط، بل وحيث هناك دوماً حاجة إلى خلق منصات ومنابر لمناقشة أهم القضايا والتحديات التي تواجهها صناعة الكتاب والنشر وثقافة القراءة والترجمة ومستجدات الثقافة والفكر. وكذلك توفير مكان يلتقي فيه الكتاب مع قرائهم. وفي هذا السياق، يمكننا أن نرصد في الحالة العربية عدداً لا بأس به من المعارض، إلى جانب «الشارقة للكتاب»، الذي تأسس في العام 1982، و«أبوظبي للكتاب»، الذي أطلق دورته الأولى، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، في العام 1981؛ ومنها: معرض دمشق، وهو الأقدم (1954)، و«بيروت» (1956)، و«القاهرة» (1969)، و«الكويت» (1975)، و«البحرين» (1978)، و«تونس» (1983)، و«صنعاء» (1983)، و«الدار البيضاء» (1994)، و«الصالون الدولي للكتاب» بالجزائر (1996)، ويصل عدد زواره سنوياً نحو مليون ونصف المليون زائر تقريباً، و«الرياض» (2006)، وغيرها الكثير. وعلى مستوى العالم، هناك تجارب رائدة، تحظى باهتمام عالمي، منها: معرض فرانكفورت (1949)، و«غودالاخارا» المكسيكي (1987)، «هونغ كونغ» (1990)، و«لندن» (1971)، و«بوك إكسبو» في أمريكا (1947)، و«الهند» (1972)، وغيرها. ويمكن أن تتسع قائمة معارض الكتب العالمية إذا ما أضيفت إليها المعارض الإقليمية، والمعارض غير الدورية، والمعارض المتخصصة، ومعارض الكتب المستعملة. تحديات ماثلة تواجه صناعة المعارض بعض الانتقادات الأساسية، التي من أبرزها عدم وجود معايير وجهة موحدة معتمدة لقياس حجم وأثر كل معرض على حدة. وكذلك قياس جودة أداء كل معرض في أداء الوظائف الأساسية. ولعل من أكثر ما يؤخذ على المعارض في العالم العربي، أنها لا تزال تعتمد على الفضول العشوائي لدى الجمهور إزاء الكتاب. وهو ما يفسر أن زائر المعارض العربية يفد إليها باعتبارها «أسواق تنزيلات»، يحصل فيها على الكتب بأسعار تشجيعية. هذا ما تؤكده نتائج استطلاع أجرته «البيان» (12 يونيو 2022)، حيث قال 71 % من المستطلعين على موقع «البيان» الإلكتروني، أن ما يشدهم إلى المعارض هو «الكتب»، مقارنة بـ 29 % قالوا إن دافعهم هو حضور الفعاليات المصاحبة، أما على حساب «البيان» في «تويتر» فجاءت النتائج أكثر وضوحاً، حيث قال 93 % إن دافعهم هو «الكتب»، و7 % فقط قالوا إن دافعهم هو حضور الفعاليات. ومن جهة ثانية، لم تنجح هذه المعارض لغاية اليوم بتقديم قائمة فعاليات تعكس الحاجات الحقيقية للثقافة العربية أو مواكبة الحراك الثقافي والإبداعي والفكري العربي. وكذلك الأمر، بالنسبة إلى اختيار ضيوف هذه المعارض والمشاركين في فعالياتها، الذي هو على أقل تقدير يخضع لعشوائية غير منتجة، ولا تسهم في تظهير التوجهات الجديدة في الإبداع والثقافة والفكر. وبالطبع، ينعكس هذا بتوجه اهتمام زوار هذه المعارض، كلية، إلى التسوق، وتجاهل الفعاليات المقامة. وهذا مفهوم، إذ إن المعارض لم تنجح في تحويل فعالياتها إلى بنود أصيلة على أجندتها، وبقيت إلى اليوم، في خانة «الفعاليات المصاحبة».. لـ«متعة التسوق»! برغم الحجم الذي تأخذه معارض الكتب، إلا أنها لم إن أثرها محدود على صعيد التصدي للتحديات التي تواجه صناعة الكتاب والنشر وثقافة القراءة. ولم تحدث تغييراً في الواقع الصعب الذي يعيشه الكتاب العربي، في مجال النشر والتوزيع، وخلق منابر إعلامية ثقافية وازنة، أو إنتاج حركة نقدية مكافئة بمستواها وحجمها لمستوى وحجم المنجز الإبداعي العربي. وفي السياق ذاته، هناك المعضلة المزمنة، التي تمثل تحدياً حقيقياً، والمتعلقة بترجمة الكتاب العربي إلى اللغات الأجنبية، التي يبدو إنها مع استثناءات قليلة، ومحدودة الأثر، بعيدة عن اهتمامات معارض الكتب العربية، وأكبر من قدراتها في كثير من الأحيان. ومن جانب آخر، لا تزال هذه المعارض بعيدة عن تقديم مقاربات جدية في التعامل مع التطورات التقنية والتكنولوجية، وأثرها على القطاع. وفي الغالب تقتصر الجهود في هذا المجال، على جانب التجمل بالتكنولوجيا، لا أكثر. مجد «الورقي» إن ما يجعل معارض الكتب مهمة واستثنائية ليس الأرقام القياسية، ولكن الأثر الفارق، الذي تحدثه كل دورة في طرح أجندات ثقافية وفكرية جديدة، وفي تحفيز صناعة الكتاب والنشر، وتقديم حلول مبتكرة تزيل العوائق من طريق الكتاب والمبدعين والمشتغلين في صناعة الكتاب. ومع ذلك، تبقى معارض الكتب، ومنها العربية، مؤشراً على احتفاظ الكتاب الورقي بمجده وأهميته المطلقة، في هذا العصر الرقمي، الذي لا يزال يواجه تحديات كبيرة بما يتعلق بجودة المحتوى، وإنها تمثل هتافاً طويلاً متصلاً، يوجهنا: إلى القراءة.. در! طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App

مشاركة :