واصلت أسعار الذهب الانخفاض منذ عام 2021 متأثرة بعدة عوامل، فهل نشهد ارتفاعا قريبا في أسعار المعدن الأصفر؟ بعد تفشي جائحة كورونا، قام الفدرالي الأمريكي بدوره التقليدي بتوظيف أسعار الفائدة في توجيه دفة النمو الاقتصادي، سواء من خلال خفضها في بداية الجائحة أو رفعها بعد بداية تلاشى الوباء، مما أثر بشكل مباشر على العديد من الأدوات الاستثمارية ومنها العملات وأسعار الأسهم والذهب، إذ توجد علاقة مباشرة بين مستوى اسعار الفائدة وبعض الادوات الاستثمارية وبالتالي شهدت السنتان الماضيتان تقلبات كبيرة في أسعار الذهب. انتشار الوباء وفترات الإغلاق في الربع الأول من عام 2020 ولد ضعفا في النمو الاقتصادي، الامر الذي دفع الفدرالي الأمريكي الى خفض أسعار الفائدة لتحفيز النمو. خفض أسعار الفائدة عادة ما يتزامن مع ارتفاع في معدلات التضخم والذي وصل الى مستويات قياسية على المستوى العالمي، مما شجع المستثمرين على الاستثمار في الذهب والذي يعتبر أداة تنويع للمحافظ ونوع من «الملاذ الآمن» للمستثمرين في فترة التضخم، والذين يشترون المعدن الاصفر بغرض التحوط ضد ارتفاع الأسعار، وحماية ثرواتهم من الانكماش، وبالتالي ارتفعت أسعار الذهب الى أعلى مستوياتها في شهر اغسطس 2020، حيث أدى الذهب دوره المتعارف عليه كأداة تحوط ضد حالة عدم اليقين السائدة في ذلك الوقت. لمحاربة ارتفاع معدلات التضخم قام الفدرالي الامريكي برفع أسعار الفائدة عدة مرات ابتداء من مارس 2022 مما أثر سلباً على أسعار الذهب، إذ توجد علاقة عكسية بين قيمة الذهب وأسعار الفائدة. إن ارتفاع أسعار الفائدة عادة ما يفقد المعدن الأصفر بريقه، وخصوصاً مع تخارج المستثمرين من صناديق الاستثمار المقومة بالذهب الى صناديق الاستثمار المقومة بالدولار ذات العائد المرتفع. إن ارتفاع أسعار الفائدة يزيد من جاذبية الأدوات المالية المقومة بالدولار والمدرة للدخل والتي توفر لصاحبها تدفقات نقدية على شكل فوائد مثل حسابات التوفير وغيرها من أدوات الاستثمار. مما يشجع المستثمرين على الاستثمار في هذه الأدوات الاستثمارية دون الذهب والمعادن. نظراً لكون المعدن الاصفر لا يدفع فوائد، ولا توزيعات أرباح اسوة بالأدوات الاستثمارية الأخرى، ويوفر لحامله مصدراً واحدا فقط للدخل وهو التغيير في سعر المعدن، وبالتالي يصبح أقل جاذبية للمستثمرين مقارنة ببعض الاستثمارات الأخرى. بمعنى اخر، أن الاستثمار في الذهب في وقت ارتفاع أسعار الفائدة يزيد من تكلفة الفرص البديلة، حيث تكسب الأموال المستثمرة المزيد من الفوائد في استثمارات اخرى. كذلك تأثرت معنويات الذهب مؤخرا بقوة الدولار، حيث أدى ارتفاع أسعار الفائدة وكذلك الحرب الروسية الأوكرانية الى زيادة قوة الدولار الأمريكي، والتي وصلت قيمته الى اعلى مستوى خلال العشرين عاما الماضية، مما يرفع من سعر صرف الدولار، ويجعل الذهب أكثر تكلفة بالنسبة لحائزي العملات الأخرى، الامر الذي ساهم في تراجع الطلب على الذهب وبالتالي انخفاض سعره. قوة الدولار الامريكي وأسعار الفائدة المرتفعة في الفترة الراهنة واللذان يواصلان الضغط على أسعار الذهب يجعلان من الصعب توقع اي ارتفاع في أسعار الذهب في الفترة القريبة المقبلة، وخصوصاً مع استمرار توجه الفدرالي الأمريكي في رفع أسعار الفائدة، مما يطغي على أي طلب للملاذ الآمن ناشئ حالياً عن الأحداث الجيوسياسية.
مشاركة :