بيروت - مثلت مغادرة الرئيس اللبناني ميشال عون الأحد القصر الرئاسي وسط دعم وحضور من أنصاره في حزبه "التيار الوطني الحر"بداية لازمة سياسية جديدة في لبنان عنوانها الفراغ الرئاسي والحكومي. واستبق عون ,الذي أثارت فترة رئاسته جدلا واسعا, خروجه بتوقيع مرسوم اعتبار حكومة تصريف الأعمال مستقيلة، في خطوة يراها مراقبون انها ستزيد من تعقيدات المشهد السياسي في البلاد خاصة وان رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي اعتبر قرار عون بانه يفتقر للقيمة الدستورية. ومع عدم وجود مرشح قادر حتى اللحظة على حصد الأكثرية المطلوبة في البرلمان، يهدّد الفراغ السياسي بتعميق أزمات البلاد في ظل انهيار اقتصادي متسارع منذ ثلاث سنوات ومع تعذر تشكيل حكومة منذ أيار/مايو. وعلى وقع هتافات مؤيدة أطلقها الآلاف من مناصريه وأعضاء حزبه، الذين أمضى بعضهم ليلته في محيط القصر الرئاسي في منطقة بعبدا المشرفة على بيروت، قال عون "اليوم صباحاً وجهت رسالة إلى مجلس النواب ووقعت مرسوم اعتبار الحكومة مستقيلة". وفي رسالته الى البرلمان، قال عون إن خطوته تأتي بعدما أعرب نجيب ميقاتي "عن عدم حماسته للتأليف لأسباب مختلفة"، ولقطع الطريق أمامه لـ"عقد جلسات لمجلس الوزراء" بما يخالف "مفهوم تصريف الأعمال بالمعنى الضيّق". ومنذ أسابيع، يتبادل عون الاتهامات بتعطيل تشكيل حكومة نتيجة شروط وشروط مضادة فيما يتخوف مراقبون ان قبول استقالة الحكومة وانتهاء ولاية عون سيدخلان لبنان في متاهة الفراغ وهو سيناريو مشابه لسيناريو العام 2008 لكن الظرف الحالي مختلف بسبب الأزمة المالية المستفحلة إضافة الى توتر علاقات لبنان بعدد من الدول العربية والخليجية على رأسها المملكة العربية السعودية بسبب تهديدات إيران وحليفها حزب الله. وينتظر لبنان تمويلا من قبل صندوق النقد الدولي بعد توقيع اتفاق على مستوى الخبراء في ابريل/نيسان الماضي. وتعد خطوة عون سابقة في لبنان، حيث يتعين على رئيس الجمهورية إصدار مرسوم قبول استقالة الحكومة، في اليوم ذاته الذي يوقع فيه مرسومي تعيين رئيس الحكومة وتشكيل حكومة جديدة. وتصدر المراسيم الثلاثة معاً. إلا أن خبراء دستوريين يقللون من تداعياتها ويضعونها في إطار "الصراع السياسي" بين الرجلين. وردا على موقف عون اعتبر نجيب ميقاتي، الأحد، أن مرسوم استقالة الحكومة الذي وقعه الرئيس اللبناني ميشال عون، "يفتقر إلى أي قيمة دستورية". جاء ذلك في كتاب وجهه ميقاتي إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري حيث قال ميقاتي إن "الحكومة ستتابع القيام بواجباتها الدستورية كافة ومن بينها تصريف الأعمال وفق نصوص الدستور والأنظمة التي ترعى عملها وكيفية اتخاذ قراراتها". واعتبر أن "المرسوم الذي قبل استقالة الحكومة، المستقيلة أصلا بمقتضى أحكام الدستور، يفتقر إلى أي قيمة دستورية". وفي السياق، أفاد بيان صادر عن رئيس مجلس النواب نبيه بري، بتسلمه كتاب من ميقاتي يبلغه فيه "بمتابعة الحكومة لتصريف الأعمال والقيام بواجباتها الدستورية". كما تسلم بري رسالة من عون موجهة للمجلس النيابي يدعو فيها إلى عقد جلسة للمجلس لاتخاذ التدبير المناسب في هذا الموضوع، وفق البيان. وينص الدستور اللبناني على أن تتولى الحكومة صلاحيات الرئيس في حال تعثر انتخاب رئيس جديد للبلاد قبل نهاية ولاية الرئيس الحالي. وتعليقا على التطورات السياسية الحاصلة في لبنان قال البطريرك اللبناني الماروني بشارة الراعي اليوم الأحد إن النواب والسياسيين في البلاد مسؤولون عن الفراغ الرئاسي". وقال الراعي في عظة الأحد "لو وُجدت ذرّة من الرحمة والعدالة لدى المسؤولين السياسيّين... لما أمعنوا في هدم مؤسّسات الدولة تباعًا وصولًا إلى رئاستها التي هي فوق جميع الرئاسات والمؤسّسات، فأوقعوا هذه الرئاسة العليا والأساسيّة في الفراغ، إمّا عمدًا، وإمّا غباوةً، وإمّا أنانيّةً". ويبدو ان الراعي يحمل عون وحليفه حزب الله المسؤولية الكبرى في الازمة والفراغ الذين يعيشهما لبنان. ومنذ ساعات الصباح الأولى، توافد مناصرو وأعضاء حزب التيار الوطني الحر الذي أسّسه عون إلى محيط القصر الرئاسي،. وحمل بعضهم رايات التيار البرتقالية وأعلاماً لبنانية وصوراً لعون من مختلف محطات مسيرته العسكرية والسياسية. وقالت جومانا ناهض وهي مدرّسة "جئنا لنرافق الرئيس في آخر لحظات العهد، ولنقول له نحن معك وسنواصل النضال معك وأينما تكون يكون الوطن". وبعدما أمضى ليلته في محيط القصر، قال جوني مدور، وهو طبيب أسنان، "جئنا نؤكد للجنرال أننا ما زلنا نحبّه وسنبقى نواكبه حتى تنتهي الدنيا". و يستخدم مناصرو عون لقب "الجنرال" للحديث عنه، وقد التصق باسمه منذ تعيينه قائداً للجيش العام 1984. وبعد تسوية سياسية أوصلته الى الرئاسة عام 2016، تعهّد عون تحقيق نهضة اقتصادية واستقرار اجتماعي واستئصال الفساد. لكنها وعود لم تتحقّق. واتسّم النصف الثاني من عهده بشلل سياسي وانهيار اقتصادي متسارع وتظاهرات غير مسبوقة في تشرين الأول/اكتوبر 2019 استمرت أشهرا، ثم انفجار مروّع في مرفأ بيروت في 4 آب/أغسطس 2020، ضاعف النقمة الشعبية على أداء الطبقة السياسية. وإن كان فقد جزءاً كبيراً من شعبيته خصوصاً على الساحة المسيحية، إلا أن عون لا يزال في عيون محازبيه وأنصاره "قائداً شجاعاً نظيف الكف" وزعيماً من خارج سرب العائلات السياسية التقليدية والإقطاعية في بلد ذي تركيبة طائفية بامتياز. وقال نبيل رحباني (59 عاماً)، بعدما أمضى ليلته في محيط القصر "بين 1989 و1990، أمضينا الوقت قرب الرئيس قبل أن يقتلعه الطيران السوري من بعبدا، واليوم جئنا نجدد عهدنا له". وشكل قصر بعبدا العام 1989 مقصداً للآلاف من مناصري عون الذي تولى حينها حكومة عسكرية ورفض تسليم السلطة الى رئيس منتخب. وفي 1990، تم إخراجه من القصر إثر عملية عسكرية قادها الجيش السوري، ولجأ الى السفارة الفرنسية، ثم الى فرنسا حيث أمضى 15 عاماً في المنفى وأسّس تياره السياسي.
مشاركة :