تناول اللحوم في أوروبا وأزمة الغذاء العالمية

  • 10/31/2022
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

تشهد البلدان الأوروبية أسوأ أزمة في تكاليف المعيشة منذ عقود، وذلك نظراً لارتفاع تكاليف الطاقة والغذاء، فقد أدى اندلاع جائحة فيروس كورونا والحرب في أوكرانيا وأزمة تغير المناخ إلى تفاقم الزيادة في أسعار السلع الأساسية، ما أدى بدوره إلى نقص في الأغذية وزيادة سريعة في انعدام الأمن الغذائي في العالم النامي، لكن هناك أخبار سارة، من خلال تغيير بسيط وحاسم في إنتاج المواد الغذائية، يمكن للاتحاد الأوروبي تخفيف حدة التضخم في أسعار المواد الغذائية وتعزيز الإمدادات الغذائية العالمية. يُظهر تحليل أجرته شركة «SYSTEMIQ» الاستشارية أنه من خلال خفض إنتاج اللحوم بنسبة 13 % فقط، أي ما يعادل المستهلكين الأوروبيين الذين يمتنعون عن أكل اللحوم ليوم واحد في الأسبوع، يمكن للاتحاد الأوروبي إعادة تخصيص القدر الكافي من الحبوب والأراضي المستخدمة حالياً لإطعام الماشية، لتعويض 23 مليون طن من القمح الذي أنتجته أوكرانيا في عام 2020. لا ينبغي أن يكون هذا الأمر مُفاجئاً. في الواقع تُعد اللحوم مصدراً غير فعال للتغذية، فمقابل كل 100 سعر حراري تستهلكها الماشية، لا ننتج سوى سعر حراري واحد من لحم البقر. في الوقت الحالي، نستخدم مساحات شاسعة من الأراضي والأسمدة لزراعة غذاء لا يمكن أن تأكله سوى الماشية. ومن ناحية أخرى، ارتفعت أسعار الأسمدة بنسبة 60 % في العام الماضي، نظراً لانخفاض الصادرات من روسيا وأوكرانيا (والتي تُشكل في مجموعها أكثر من ربع إجمالي معدل إنتاج الأسمدة)، واضطرابات التصنيع في جميع أنحاء أوروبا بسبب ارتفاع أسعار الغاز. وقد حذرت ريبيكا جرينسبان، الأمينة العامة لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) مؤخراً، حيث نصحت أنه «لتجنب حدوث أزمة في المستقبل، نحتاج إلى خفض أسعار الأسمدة». ببساطة، يؤدي استخدام صناعة اللحوم غير الفعال للأسمدة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتفاقم الجوع في العالم، ودفع المزارعين إلى الفقر. إن إعادة تحويل الأراضي المخصصة لإنتاج اللحوم إلى زراعة الحبوب والخضراوات والبقوليات والبروتينات البديلة، ستُشكل وسيلة أكثر فعالية لإطعام عدد متزايد من السكان على كوكب تعرف درجات حرارته ارتفاعاً مستمراً. على سبيل المثال، يتطلب الأمر متوسط 48 متراً مربعاً لإنتاج جرام واحد من بروتين لحم البقر لكل متر مربع مطلوب لإنتاج جرام واحد من البروتين من البازلاء. كما أن خفض إنتاج اللحوم في الاتحاد الأوروبي من شأنه أن يحقق منافع مناخية كبيرة. في الواقع، توَلِّد تربية الحيوانات العديد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ما يُعادل جميع السيارات والشاحنات والطائرات والسفن في العالم. ووفقاً لحساباتنا، فإن الحد من الانبعاثات المرتبطة بالماشية بمقدار خمسة ملايين طن من ثاني أكسيد الكربون، سيكون بمثابة إزالة أكثر من أربعة ملايين سيارة جديدة تعمل بوقود البنزين من طرق أوروبا. من شأن هذا التخفيض المتواضع نسبياً في إنتاج اللحوم في أوروبا أن يكون له تأثير عالمي قوي. وفي ظل هذه الخلفية، تواصل دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تخصيص مساحة غير متناسبة من الأراضي لإطعام الماشية. يعكس هذا الأمر جزئياً الاستهلاك المُفرط واسع النطاق: يستهلك المواطن العادي في الاتحاد الأوروبي ضعف كمية اللحوم التي يستهلكها المتوسط العالمي. ونتيجة لذلك، يتم استخدام ثلثي جميع الحبوب في الاتحاد الأوروبي لتغذية الحيوانات. ومع ذلك، في حين قد يمنع تحويل الحبوب من الماشية إلى الاستهلاك البشري حدوث نقص كبير في الغذاء في جميع أنحاء العالم النامي، فإن هذا من شأنه أيضاً أن يحد من انعدام الأمن الغذائي في البلدان الغنية، التي تواجه تحديات هائلة، خاصة في ما يتعلق بفرص الحصول على الغذاء. في فرنسا، على سبيل المثال، يعتمد حوالي 10 % من السكان على بنوك الطعام. يتعين على صناع السياسات الأوروبيين الذين يسعون إلى مكافحة ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة مكافحة أزمة الغذاء العالمية وتغير المناخ من خلال الحد من الحوافز المقدمة لإنتاج اللحوم الصناعية، وخلق حوافز للبروتينات النباتية وبدائل اللحوم المستدامة. ومن خلال تحفيز تحول السوق نحو بروتينات أكثر استدامة من خلال مبادرات مثل إطار عمل النظم الغذائية المستدامة في الاتحاد الأوروبي، يمكن لصناع السياسات تشجيع المتاجر الكبرى ومطاعم الوجبات السريعة على توفير المزيد من البروتينات المنخفضة الانبعاثات مثل اللحوم النباتية وغيرها من بدائل اللحوم الناشئة. من شأن هذه السياسات أن تحفز الاستثمار في الشركات الأوروبية مع توفير فوائد بيئية وصحية كبيرة. ومع ذلك، يتعين على صناع السياسات أيضاً ضمان عدم تهميش المزارعين. وبالنظر إلى تواتر الأحداث الجوية المتطرفة مثل الفيضانات وموجات الجفاف، والحرب المستمرة في أوكرانيا، من الصعب تخيل انخفاض أسعار المواد الغذائية في أي وقت قريب، ولكن كما تعلّموا خفض منظمات الحرارة للحد من اعتمادهم على الغاز الروسي، يمكن للأوروبيين تناول كميات أقل من اللحوم. لا شك أن إنقاذ الملايين من الأشخاص المستضعفين من المجاعة يستحق بذل مثل هذا الجهد المتواضع. طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App

مشاركة :