الدوحة - اختارت الدوحة قبل أقل من ثلاثة أسابيع على انطلاق بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 (المونديال) على أراضيها المواجهة على القبول بدعوات تطالبها بإنشاء صندوق لتعويض العمال المهاجرين ممن تضرروا خلال بناء منشآت المونديال أو أهالي من توفوا للسبب ذاته. وتعرضت الإمارة الخليجية لانتقادات حقوقية دولية طيلة السنوات الماضية واتهامات بانتهاك حقوق العمالة الأجنبية خاصة منها تلك التي تعمل في ورشات بناء المنشآت الرياضية فيما كانت الدوحة قد دخلت في سباق ضد الساعة لاستكمال الإنشاءات قبل المونديال. وتجددت تلك الاتهامات والانتقادات وبشكل مكثف في الفترة الأخيرة مع اقتراب موعد انطلاق أكبر فعالية كروية في العالم، كانت قطر قد وصفتها بأنها افتراءات وحملة تستهدفها بسبب استضافتها للمونديال، منددة بما اعتبرته "ازدواجية في المعايير وفي الخطاب". وأعلن وزير العمل القطري علي بن صميخ المرّي أنّ بلاده ترفض الدعوات المطالِبة بإنشاء صندوق خاص جديد لتعويض العمّال المهاجرين الذين قضوا أو تأذّوا على أراضيها خلال تشييدهم المشاريع الضخمة لاستضافة كأس العالم، مندّدا بتعرّض الدوحة لهجمات "عنصرية". وأوضح في مقابلة حصرية مع وكالة فرانس برس هي الأولى له مع وسيلة إعلام دولية، أنّ الدوحة لديها منذ سنوات صندوق لتعويض العمّال المهاجرين وقد دفعت من خلاله لهؤلاء مئات ملايين الدولارات من التعويضات والمعونات. ومع اقتراب موعد دويّ صفارة انطلاق مونديال قطر في كرة القدم في 20 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، تتزايد الانتقادات لسجلّ الإمارة الخليجية الحقوقي، ولا سيّما لجهة حقوق العمّال المهاجرين. وتطالب منظمات حقوقية كلا من السلطات القطرية والاتّحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بإنشاء صندوق بقيمة 440 مليون دولار لتعويض هؤلاء العمّال، لكنّ الوزير القطري سخّف هذه الفكرة، معتبرا إياها مجرّد "حيلة دعائية". وقال المرّي إنّ دولا ومنظّمات استخدمت "معلومات كاذبة" و"شائعات" بهدف "تشويه سمعة قطر بادّعاءات مضلّلة عمدا"، معتبرا أن بعض الأصوات التي هاجمت بلاده كان دافعها "عنصريا". وقال "هم لا يريدون السماح لدولة صغيرة، دولة عربية، دولة مسلمة، أن تنظّم كأس العالم. هم على بيّنة تامّة من الإصلاحات التي حصلت، لكنّهم لا يعترفون بها لأنّ دوافعهم عنصرية". وتقود منظمتا العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش حملة لدفع الفيفا وقطر لإنشاء صندوق خاص لتعويض العمّال بقيمة 440 مليون دولار يتمّ اقتطاعها من قيمة جائزة كأس العالم. وتتّهم جماعات حقوقية قطر بعدم الإبلاغ عن كلّ الوفيات التي حصلت في صفوف العمال المهاجرين خلال عملهم في ورش البناء. لكنّ السلطات القطرية تنفي بشدّة صحّة تقارير أفادت بوفاة آلاف العمّال المهاجرين في حوادث وقعت في ورش البناء أو من جرّاء أمراض أصيبوا بها بسبب عملهم في درجات حرارة مرتفعة جدا خلال فترة الصيف. وردّ الفيفا على هذه الدعوات بالقول إنّ هناك "حوارا مستمرا" بشأنها. وفي أول تعليق علني للحكومة القطرية على هذه الدعوات، قال المرّي إنّ هذا الاقتراح غير عملي، مضيفا أن بلاده لديها أصلا "صندوق تعويضات ناجح"، معتبرا أنّ "هذه الدعوة إلى حملة تعويضات ثانية بقيادة الفيفا هي حيلة دعائية". في 2018 أنشأت قطر "صندوق دعم وتأمين العمّال" بهدف مساعدة العمّال المهاجرين إذا لم يدفع أرباب عملهم مستحقّاتهم المالية. وأكّد الوزير القطري أنّ هذا الصندوق صرف في العام 2022 لوحده 320 مليون دولار. وقال "إذا كان هناك شخص له الحقّ بالحصول على تعويض ولم يحصل عليه فيجب أن يقدّم طلبا وسنساعده"، مشيرا أيضا إلى أنّ قطر مستعدّة للنظر في حالات تعود وقائعها إلى أكثر من عقد. الدوحة - أسابيع قليلة تفصل الدوحة عن انطلاق أكبر تظاهرة كروية، تستضيفها الإمارة الخليجية مثقلة بالكثير من المتاعب التي لا تهدأ منذ فوزها بحق تنظيم كأس العالم لكرة القدم 2022. وفي أحدث تلك المتاعب التي تأتي بعد انتقادات حقوقية وغربية لسجل حقوق الإنسان بما يشمل حقوق العمال الأجانب وظروف العمل، أفادت منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة الثلاثاء بأنّ شكاوى العمّال المهاجرين في قطر "زادت بأكثر من الضعف" منذ خصّصت الدوحة قبل عام منصّة إلكترونية لتلقّيها، مشيرة إلى أن الغالبية العظمى من هذه الشكاوى تتعلق بأجور غير مدفوعة. وفي تقريرين نشرتهما قبل 19 يوما من انطلاق كأس العالم في كرة القدم في الدولة الخليجية، قالت المنظمة الأممية إنّ عدد هذه الشكاوى ارتفع بين أكتوبر/تشرين الأول 2021 والشهر نفسه من العام الحالي بأكثر من الضعف ليبلغ حوالي 35 ألف شكوى، مشدّدة على وجوب أن تبذل السلطات القطرية المزيد من الجهود لتطبيق الإصلاحات التي بدأتها في السنوات الأخيرة. وبحسب المنظمة فإنّ "الأسباب الرئيسية للشكاوى تتعلّق بعدم دفع الأجور ومكافآت نهاية الخدمة، وعدم منح الإجازة السنوية أو دفع تعويض مالي عنها". ولفتت إلى أنّ عدد العمّال الذين عولجوا من مشاكل مرتبطة بدرجات الحرارة المرتفعة جدا صيفا انخفض بعدما فرضت الإمارة قيودا جديدة في 2021. وقالت المنظّمة إنّ أربع عيادات مخصّصة للعمّال المهاجرين عالجت 351 عاملا هذا الصيف، في انخفاض كبير بالمقارنة مع 620 عاملا في 2021 و1520 عاملا في 2020. وأشادت بتنفيذ قطر إصلاحات "مهمّة" أدّت إلى "تحسين ظروف العمل والمعيشة لمئات آلاف العمّال"، وكان لها أيضا تأثير في منطقة الخليج عموما، لكنّها شدّدت على "ضرورة فعل المزيد من أجل تطبيق إصلاحات العمل وفرضها بالكامل". وقالت المديرة الإقليمية للدول العربية في منظمة العمل الدولية ربا جرادات "ندرك جميعا أنّنا لم نصل بعد إلى خط النهاية وسنقوم بالبناء على هذا الأساس المتين لمعالجة الثغرات في التنفيذ والتأكّد من أنّ جميع العمّال وأصحاب العمل يمكنهم الاستفادة بالكامل من هذه الإصلاحات الرئيسية". ويأتي نشر هذين التقريرين، أحدهما لما تحقّق في عام والثاني لما تحقق خلال السنوات الأربع الماضية، في وقت تجد فيه قطر نفسها عرضة لسيل من الانتقادات على خلفية سجلّها في مجال حقوق الإنسان ومن بينها خصوصا حقوق العمّال المهاجرين. وتردّ السلطات القطرية على هذه الانتقادات بتسليط الضوء على الإصلاحات التي أجرتها في السنوات الخمس الماضية لناحية سلامة مواقع البناء وظروف العمل. وفي الآونة الأخيرة أشادت اتحادات العمال الدولية والاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بهذه الإصلاحات، لكنّها مع ذلك دعت الدوحة إلى القيام بالمزيد على هذا الصعيد. ويأتي نشر هذين التقريرين غداة وصول وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فايسر إلى الدوحة بعدما أدلت بتصريحات شكّكت في أهلية قطر لاستضافة البطولة، الأمر الذي أثار عاصفة دبلوماسية بين البلدين. وفي الدوحة التقت فايسر يرافقها رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم بيرند نيوندورف بممثّلين عن نقابات ومسؤولين في منظمة العمل الدولية، وفق ما أفاد دبلوماسيون. ونوّهت منظمة العمل الدولية بأنّ "قطر أظهرت عزمها على دفع أجندتها الإصلاحية إلى الأمام"، مشيرة إلى أنّ "ثمة اعترافا عالميا باستمرار وجود تحدّيات في تنفيذها وهو أمر لا يثير الاستغراب بالنظر إلى حجم الإصلاحات ووتيرتها". واستحدثت منظمة العمل الدولية في 2018 مكتبا موقتا لها في قطر بعدما رفعت أمامها في 2014 اتّحادات دولية شكوى تتّهم فيها السلطات القطرية بانتهاك حقوق العمال الأجانب. وتبدي منظّمات حقوقية قلقها لجهة احتمال أن تتخلى قطر عن كل هذه الإصلاحات بعد انتهاء المونديال الذي ينطلق يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني وينتهي يوم 18 ديسمبر/كانون الأول لكن المنظّمة أكّدت أنّ الحكومة القطرية طلبت منها أن يصبح مكتبها في الدوحة دائما، وهو أمر، إن حصل، سيؤسّس لسابقة في منطقة غالبا ما تنتقد دولها بسبب ظروف العمالة الأجنبية فيها. وفي أحد تقريريها شدّدت المنظمة على أنّه من بين المسائل التي ترتدي معالجتها أولوية يتعيّن على الدوحة "ضمان استفادة جميع العمال وأصحاب العمل من القوانين التي ترعى تغيير" العامل مكان عمله من صاحب عمل إلى آخر. وأضافت "يجب تعزيز الآليات الخاصة بالعمال لتقديم الشكاوى وتحصيل أجورهم"، كما "يجب حماية حقوق العمال المنزليين بشكل أفضل، بما في ذلك أوقات العمل والراحة". وأشادت المنظمة بأنّ "قطر هي الدولة الأولى في المنطقة التي تعتمد حدا أدنى غير تمييزي للأجور ينطبق على جميع العمال من جميع الجنسيات وفي جميع القطاعات، بما في ذلك العمل المنزلي". وكان تقرير للمنظمة صدر في 2021 أفاد بأنّ 50 عاملا لقوا حتفهم في ورش بناء في 2020. ولم تقم المنظمة في أيّ من تقريريها الجديدين بتحديث هذه الأرقام، لكنّها نوّهت بما بذلته الدوحة من "جهود كبيرة" في مجال "حوكمة هجرة اليد العاملة وإنفاذ قانون العمل والوصول إلى العدالة وتعزيز صوت العمّال والحوار الاجتماعي". ولفتت إلى أنّ أكثر من 300 ألف عامل في قطر تمكّنوا من تغيير وظائفهم بعدما تخلّت السلطات عن كثير من أحكام نظام "الكفالة" الذي كان يمنع العامل من تغيير عمله أو حتى أن يغادر البلاد ما لم يأذن له بذلك صاحب العمل. ومنذ منح الاتّحاد الدولي لكرة القدم قطر استضافة المونديال عام 2010، تتعرّض أول دولة عربية تستضيف العرس الكروي العالمي لانتقادات بسبب مواضيع شتّى تراوح بين ظروف عمل ومعيشة العمّال المهاجرين في البلاد وحقوق المثليين والنساء فيها فضلا عن تكييف الملاعب المخصصة لاستضافة المباريات.
مشاركة :