دموع التماسيح

  • 1/14/2016
  • 00:00
  • 48
  • 0
  • 0
news-picture

ليس في الحروب ما يستدعي الفرح والاستبشار؛ لكونها أكبر كارثة يسير لها البشر بأرجلهم. الحروب الأهلية أكثر سوءاً من كل أنواع الحروب الأخرى، التي قد تفرض على الأقوام فرضاً، فتكون إما بدافع حفظ الجماعة السياسية، أو حماية حدود الدولة الوطنية. ثمة حروب نخوضها مجبرين، كحروب الدفاع عن النفس، أو الحروب ضد الاستعمار والاحتلال الأجنبي، تماماً كما يحصل الآن، من المقاومين للاحتلال الإسرائيلي في أرض فلسطين، أو كما حصل مع الاحتلالين الأمريكي والسوفيتي في أفغانستان. لكن عرفت منطقتنا حروبا عبثية كثيرة أيضاً، تحت حجج ومبررات واهية: كغزو صدام حسين للكويت، فقد دفعت شعوب المنطقة أثمانا باهظة له، أو كالحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت قرابة العقدين من الزمن، قبل أن يتصالح أمراء الحرب في الاتفاق الشهير الذي تم في مدينة الطائف. هذا النوع من الحروب، أقصد الحروب الأهلية، ليس من السهولة مقاربتها، أو محاولة التعاطي معها بموضوعية وعقلانية؛ لأنها دائماً ما كانت بين جماعات ومليشيات لا تعترف بالأعراف والقوانين الدولية التي تحكم بين المتحاربين، أو أنهم لا يبالون بها أصلاً، ولأنها دائماً ما تكون لصيقة بعواطف أهالي الجماعات المتقاتلة، فإنها تجرّ جميع الجمهور الذي يشعر بالقرب أو الانتماء لهذا الفصيل أو ذاك للتفاعل معها، من خلال الانحياز التام لطرف يُعتقد بأنه ممثل مصالح الجماعة. إن ما يجعل من حروب اليوم تبدو أكثر خطراً على المجتمعات العربية، ليس شدة الصراع أو شراسته، فبالإضافة لحجم المأساة التي حلت بالسوريين والعراقيين نتيجة لها، ثمة انغماس غرائزي غير مسبوق للجمهور العربي فيها، وذلك عبر متابعة تفاصيلها لحظة بلحظة، عن طريق إعلام منخرط بقضه وقضيضه في تسعير الحرب والتحريض على المزيد منها.لا ريب في أن الجميع يرغبون في رؤية تغيير حقيقي في هذه البلدان، التي ننتمي لها بقدر ما تنتمي لنا، لكن الأمور انحرفت عن مسارها الأصلي، وانزاحت من مجرد مطالب إصلاحية، لنزاعات مذهبية وعرقية. واستناداً على ذلك، فإن النظر لأثر هذا الحراك الاجتماعي، أو أي حراك آخر، يقاس بخاتمته، أي من خلال تقييم نتائجه النهائية، حيث لا بد وأن نأخذ بالحسبان سلامة حياة المواطنين ومصالحهم أولاً. مع إن هؤلاء لا زالوا يصرون على الادعاء بأن إصلاح أوضاع الناس، وتحسين مستواهم المعيشي هو الهدف الأساسي، لكن سير الأحداث والإصرار على المضي في الحرب حتى آخر مواطن، لا يعبّر عن حرص، ولا عن حصافة سياسية، بقدر ما هي روح الانتقام التي تغلبت على عقولهم. إن الحروب الأهلية لا تثمر إلا الدم القاني. لذا، يجب النأي بالنفس عن الانحياز لطرف فيها. لذا لا يمكن أن يلعب هؤلاء دور الفتاة البريئة، فدموع التماسيح التي يذرفونها بهدف التكسب يجب ألا تنطلي على أحد، حتى لو ملكوا عشرات المواقع الإلكترونية وفتحوا مئات الهاشتاقات الجنائزية.

مشاركة :