اللاهثون خلف السراب

  • 11/3/2022
  • 22:43
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

قبل أيام قرأت هذا الخبر: «في كوريا الجنوبية، أجواء الإثارة في احتفالات (الهالوين)، انتهت بمأساة عندما قتل العشرات، وجرح المئات، بعدما ازدحم الحشد في شارع ضيق لمشاهدة أحد المشهورين!».ربطت بين الخبر وبين ما نراه في مشاهد متكررة، من هوس في ملاحقة المشاهير هنا وهناك، ولن أتحدث عن متابعتهم في برامج التواصل والتطبيقات، فقد كتبت عن هذا كثيرا، حتى أصبحت كلمة (مشهور) تثير استيائي، وإنما سأركز حديثي هنا عن هدر الكرامة، وسحق عزة النفس، في ملاحقة هؤلاء.نحن لا نتجنى عليهم، ولكننا نصفهم بأوصافهم، فسيئاتهم أكبر وأكثر بكثير من حسناتهم، فلا يكاد يمر يوم دون أن تجد مصيبة لذلك المشهور الأبله، أو كارثة لتلك المشهورة الحمقاء، تتصدر العناوين، وتتوسط المشهد، ثم يقدمون اعتذاراتهم الباهتة، التي سحبوها من رصيد اللامبالاة من بنك عدم المسؤولية، ليعاودوا تكرار الأخطاء ذاتها أو يخترعوا أخرى جديدة.كانت الشهرة سابقا ترتبط بالفن والرياضة كثيرا، وبالعلم والأدب قليلا، وكان هذا الأمر مفهوم ومقبول نوعا ما، بسبب جاذبية الأشياء، وتباين الأهواء، ولكنها في المجمل كانت تدور في فلك المواهب والإنجازات، والأبطال والحكايات.أما الآن فقد ساد الهرج والمرج، فربما وجدت شخصا فارغا يتصارع مع حمار، فيشتهر الاثنان، وتصبح لديهما حسابات في جميع التطبيقات، ومتابعون كثر، ويجتهد الفارغ في إشهار أصدقائه الفارغين، ويغار الحمار فيشهر إخوته الحمير، فيشتد التنافس بين شلة الفارغين، وقطيع الحمير، في افتعال المقالب، ونشر الشائعات، وفبركة الخلافات، والهدف المنشود (صناعة محتوى)، هذه العبارة المبتذلة، والشماعة التي يعلق عليها جميع الأخطاء المقصودة، المحرمة في الشرع، والمعيبة من المجتمع.لو كان (ابن الجوزي) ـ رحمه الله ـ يعيش بيننا اليوم، لأضاف مجلدات إلى كتابه (أخبار الحمقى والمغفلين)، ولتعاملوا مع كتابه هذا بغبائهم المعتاد، على أنه مصدر فخر واعتزاز، وتوثيق لشهرتهم الموهومة.أرسل لمتابعيه، أنا اليوم في المكان الفلاني، جن جنونهم، وأجلوا أعمالهم، وعجلوا سيرهم نحو السراب، وعندما اقتربوا، تحمس أنشطهم، تسابق خطواته سرعة أنفاسه، واخترق الأجساد المتلاصقة، والتي بدت كأمواج بحر متلاطمة، فلما وصل، هاله ما رأى وسمع، وجد كائنا يتكون من جلد سميك، ودم ثقيل، شاحب الوجه، حاجباه الكثيفان تساقط شعرهما من كثرة استخدام الدهشة المصطنعة، وعيناه الجاحظتان تعد رؤوس الناس لحساب تكلفة الإعلان، وأنفه المرفوع لا يريد أن يشم رائحة المسكنة والذل، فهو على موعد لاحق معهما عند جلوسه مع المشاهير الأكبر، والمعلنين القادمين، وشفتاه متقطعتان لكثرة ما عضهما مع كل كذبة، ولسانه يتراقص تراقص الأفعى السامة المتأهبة لاقتناص فرائسها، قائلا بحذر: ابعدوا لا تقتربوا.ولا يلام على ذلك، فمنظر المتابعين المحيطين به يجسد مشهدا من مشاهد (الزومبي) في أفلام الرعب، وهم يقتربون وعيونهم التائهة في صحراء الجهل، لا تراه سوى واحة غناء، وحقيقته سراب خادع.

مشاركة :