كانت ضغوط أسعار الصرف في متوسط اقتصادات الأسواق الصاعدة أقل حدة مما كانت عليه في الاقتصادات المتقدمة، بل إن سعر الصرف ارتفع في بعضها، مثل البرازيل والمكسيك. ونظرا للدور المؤثر الذي تؤديه أساسيات الاقتصاد كعوامل دافعة، فإن الاستجابة الملائمة هي السماح لسعر الصرف بأن يتعدل، مع استخدام السياسة النقدية لإبقاء التضخم قريبا من المستوى المستهدف. وسيساعد ارتفاع سعر السلع المستوردة من خلال تأثيره الخافض للواردات في تحقيق التكيف اللازم مع الصدمات التي تواجهها أساسيات الاقتصاد، ما يساعد بدوره على الحد من تراكم الدين الخارجي. وينبغي استخدام سياسة المالية العامة لدعم أكثر الفئات ضعفا دون تعريض مستهدفات التضخم للخطر. وثمة حاجة إلى خطوات إضافية أيضا لمعالجة مخاطر التطورات السلبية العديدة التي تلوح في الأفق. فمن المهم الانتباه إلى أننا قد نشهد اضطرابات أكبر بكثير في الأسواق المالية، بما في ذلك احتمال الفقدان المفاجئ للإقبال على أصول الأسواق الصاعدة، ما يمثل دافعا لخروج تدفقات رأسمالية كبيرة، حيث يتراجع المستثمرون مفضلين الاستثمار في الأصول الآمنة. وفي هذه البيئة الهشة، من الحكمة تعزيز الصلابة في مواجهة الصدمات. فرغم أن البنوك المركزية في الأسواق الصاعدة قد راكمت احتياطيات دولارية في الأعوام الأخيرة، مستفيدة من دروس الأزمات السابقة، فإن هوامش الأمان هذه محدودة وينبغي استخدامها بحكمة. يتعين على الدول المحافظة على احتياطياتها الأجنبية الحيوية للتعامل مع التدفقات الخارجة والاضطرابات التي قد تزداد سوءا في المستقبل. فالدول التي تستطيع إعادة العمل بخطوط تبادل العملات مع البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة يتعين عليها القيام بذلك. وينبغي للدول ذات السياسات الاقتصادية السليمة التي تحتاج إلى معالجة مواطن ضعف معتدلة أن تستفيد بشكل استباقي من الخطوط الوقائية التي يتيحها الصندوق لتلبية احتياجات السيولة في المستقبل. أما الدول ذات الديون الكبيرة المقومة بالعملات الأجنبية، فعليها الحد من عدم اتساق العملات الأجنبية باستخدام إدارة تدفقات رأس المال أو السياسات الاحترازية الكلية، إضافة إلى عمليات إدارة الدين بغية تمهيد أنماط السداد. وإضافة إلى أساسيات الاقتصاد، ففي ظل ضيق الأوضاع في الأسواق المالية، تشهد بعض الدول دلائل على اضطرابات في السوق مثل ارتفاع علاوات التحوط لمخاطر العملات وعلاوات التمويل بالعملة المحلية. ومن شأن الاضطرابات الحادة في أسواق العملات الضحلة أن تتسبب في تغيرات كبيرة في هذه العلاوات، ما قد ينشئ حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي الكلي والمالي. وفي مثل هذه الحالات، قد يكون من الملائم القيام بعمليات تدخل مؤقتة في سوق الصرف الأجنبية. ومن الممكن أن يساعد هذا أيضا على منع تضخم التطورات المالية المعاكسة إذا سجل سعر العملة انخفاضا كبيرا فزاد من مخاطر عدم الاستقرار المالي، مثل تعثر سداد ديون الشركات، بسبب عدم اتساق العملات. وأخيرا، فإن التدخل المؤقت يمكن أيضا أن يدعم السياسة النقدية في الظروف النادرة التي يمكن أن يؤدي فيها انخفاض سعر الصرف بدرجة كبيرة إلى انفلات التوقعات التضخمية عن الركيزة المستهدفة، ولا تتمكن السياسة النقدية وحدها من استعادة استقرار الأسعار. وبالنسبة للولايات المتحدة، فرغم التداعيات العالمية لارتفاع سعر الدولار وتشديد الأوضاع المالية العالمية، لا يزال التشديد النقدي هو السياسة الملائمة بينما يظل التضخم في الولايات المتحدة أعلى من المستهدف حتى الآن. ومن شأن عدم اتخاذ هذا المسار أن يضر بمصداقية البنك المركزي، ويتسبب في انفلات التوقعات التضخمية، ويستلزم مزيدا من التشديد في وقت لاحق ويؤدي إلى تداعيات أكبر على بقية العالم. ومع ذلك، ينبغي للاحتياطي الفيدرالي أن يأخذ في حسبانه أن التداعيات الكبيرة من المرجح أن تسفر عن تداعيات مرتدة إلى الاقتصاد الأمريكي. وإضافة إلى ذلك، فإن الولايات المتحدة، باعتبارها مصدرا عالميا للأصل العالمي الآمن، يمكنها إعادة تفعيل خطوط تبادل العملات للدول المؤهلة، مثلما فعلت في بداية الجائحة، لتوفير صمام أمان مهم خلال فترة الضغوط في أسواق العملات. ومن شأن هذا أن يكون مكملا مفيدا للتمويل الدولاري الذي يوفره الاحتياطي الفيدرالي من خلال آليته الدائمة "تسهيل إعادة الشراء للسلطات النقدية الأجنبية والدولية". ويواصل الصندوق العمل الوثيق مع دولنا الأعضاء لتصميم سياسات اقتصادية كلية ملائمة في هذه الفترة المضطربة، معتمدا في ذلك على إطار السياسات المتكامل. وبخلاف التسهيلات التمويلية الوقائية المتاحة للدول المؤهلة، يقف الصندوق على أهبة الاستعداد لتقديم موارده المخصصة للإقراض إلى الدول الأعضاء التي تمر بمشكلات في ميزان المدفوعات.
مشاركة :