يتساءل الكثيرون عن المدى الزمني لوقف زيادة أسعار الفائدة الأمريكية التي أطلقت سيلاً من التقلبات في الأسواق وتشويش التوقعات على المدى القصير، باعتقادي، فإن الاحتياطي الفيدرالي سيبقي على سياسة رفع الفائدة حتى الربع الأول من العام القادم، قبل أن يعاود خفضها بنهاية 2023، شريطة سحق التضخم، وإذا كانت الأسواق سعرت زيادة نوفمبر عند 75 نقطة أساس، وهو ما حدث بالفعل نهاية الأسبوع، فإنها تأمل أن تسفر زيادة ديسمبر عن 50 نقطة أساس فقط، خاصة بعد إزالة الضغوط عن كاهل الفيدرالي بانتهاء انتخابات التجديد النصفي للكونجرس. يعتمد رفع الفائدة على البيانات الاقتصادية المقبلة، إذ سيكون هناك تقريران للبطالة والتضخم قبل اجتماع لجنة السوق المفتوحة في 14 ديسمبر، والأرجح أن يخفض الفيدرالي سرعة الزيادات إلى نصف نقطة مئوية، ثم ربع نقطة مئوية أوائل عام 2023، وهذا يجعل ذروة سعر الفائدة في نطاق 4.5%، إلا أن أي إشارة سلبية من الفيدرالي تستبعد تحقيق هدف التضخم ستؤدي إلى ترنح سوق الأسهم وعائدات الخزانة، وبدء العد التنازلي للركود في سوق السندات. يعتمد نجاح باول، ومدى تذكر الأمريكيون له كخبير مخضرم ورئيس محنك للفيدرالي على سحق التضخم وتفادي الركود، بينما يرى صقور الفيدرالي أن الوقت غير مناسب لمراجعة أخطاء السياسة النقدية في 2020، ومنها سوء القراءة لقوة سوق العمل والتعافي الاقتصادي بعد الجائحة، والتي استند إليهما باول في التهوين من التضخم باعتباره حالة مؤقتة ستتبدد سريعًا بمجرد إعادة فتح الاقتصاد بشكل كامل، فبينما كانت أسعار المستهلكين مرتفعة 7.9 % خلال مارس الماضي كان الفيدرالي يختتم للتو ضخ سيولة هائلة راكمت مدخرات تريليونه في جيوب العائلات. تاريخياً، ارتكب البنك المركزي الأمريكي خطأً فادحاً، عندما ترك النظام المصرفي يتآكل على مدى ربع قرن بفعل سندات الرهن العقاري المعقدة ذات التصنيفات الائتمانية عالية المخاطر، والتي تبين لاحقاً أنها كانت رهونات سامة أثناء التراجع الكبير في سوق العقارات، وتسبب انهيار التقييمات في اندلاع الأزمة المالية العالمية في 2008، والتي أعاقت الاقتصاد لسنوات عديدة، بينما مهد خطأ السياسة النقدية الراهنة الطريق أمام جعل 2022 أسوأ عام يضرب الأسواق المالية منذ سنوات الكساد العظيم في الثلاثينيات. خلال حقبة التحفيز السخي وشراء الفيدرالي لـ120 مليار دولار شهرياً من سندات الخزانة والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري كان الهدف واضحا وهو دعم الأسواق والاقتصاد، والحفاظ على تماسك أسعار الفائدة شبه الصفرية، بينما كانت قناعات رئيس الفيدرالي تشير إلى أن التضخم مجرد لغز لا بأس بحله على مهل، ولهذا، مرت عليه ساعات الحسم مرور الكرام، وعندما بدأ يدرك أن سياسته النقدية متساهلة للغاية، كان جني التضخم قد خرج من قمقمه، وعجز البنك عن السيطرة، وهذا بالضبط ذات النهج الذي أوقع الفيدرالي في الكثير من المشكلات أواخر الستينيات والسبعينيات.
مشاركة :