قال إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ د. عبدالمحسن بن محمد القاسم -في خطبة الجمعة-: المال الحرام وإن كثر فهو ممحوق البركة جالب للشؤم والمصائب مانع للسعادة مغضب للرب، وإن رفع العبد يديه إلى السماء لا يستجاب دعاؤه، والعاقل من وضع المال في يده ولم يجعله في قلبه واتقى الله فيه، خرج رفاعة رضي الله عنه مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المصلى فرأى الناس يتبايعون، فقال: يا معشر التجار فاستجابوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعناقهم وأبصارهم إليه، فقال: "إن التجار يبعثون يوم القيامة فجاراً إلاّ من اتقى الله وبر وصدق"، والمال الحلال وإن كان قليلاً فهو كثير مع القناعة وهو خير للعبد من التنافس في المال من غير ورع ولا هدى من الله، قال عليه الصلاة والسلام: "والله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم"، وقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارة عن تراض منكم". وأضاف: المال نعمة من الله عظيمة به تعمر الأرض وتفرج الكروب وتقضى الحاجات، وتؤتى المروءات وتكتسب المحامد، قال عليه الصلاة والسلام: "نعم المال الصالح للمرء الصالح"، ولا يقوم عيش الناس إلاّ بالمال، ولذلك زين لهم وحبب إلى نفوسهم، قال جل شأنه: "زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب"، وكل ما في الأرض من الطيبات فالأصل فيه الإباحة للخلق ليستعينوا به على طاعة الله، وسنة المرسلين وأتباعهم أخذ الحلال والأكل من الطيبات، وجميع الأمم السالفة امتحنها الله بفتن وفتنة هذه الأمة المال، قال عليه الصلاة والسلام: "إن لكل أمة فتنة وإن فتنة أمتي المال"، والعبد مسؤول قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيما فعل، وعن ما له من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه". وقال: ومعاملة الناس بالمال ميزان الأخلاق وميدان المروءات، فمن عامل الناس بالمال وشهدوا له بالصدق فذلك دليل على وفور عقله وكمال ديانته، وحقوق العباد فيما بينهم مبنية على المشاحة، لذا نهى الله عباده أن يأكل بعضهم أموال بعض، ولما في ذلك من إذكاء الشحناء والعداوات والبغضاء، قال سبحانه وتعالى: "ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل"، وحرمة المال كحرمة الدماء والأعراض، والمعاملة بين الناس بالمال من أصول المباحات التي لا غنى للناس عنها في حياتهم، ولا يتم انتفاعهم واستمتاعهم بذلك إلا مع الصدق والأمانة، وللشيطان مداخل عديدة في معاملات الناس المالية ليوقعهم فيما حرم عليهم، وقد جاءت النصوص بالوعيد الشديد لمن وقع في شرك الشيطان فأكل أموال الناس بالباطل.
مشاركة :