تُصاب أجسامنا بالأمراض، وتُصاب نُفوسنا بالأمراض وكلاهُما تتطلب مِنا أن تبحث عن شفائهما. الإنسان يسعي ويبحث عن أفضل الاستشاريين لعلاج جسمه لكنه يتكاسل ويخجل ويتردد لعلاج نفسه. وفقًا لمنظمة العالمية فإن تعريف الصحة النفسية بأنها حالة تمكن الفرد من التعامل مع ضغوط حياته والعمل بشكل منتج والمساهمة بشكل إيجابي في المجتمع. المريض جسدياً قد يخفي مرضه عن الآخرين لكنه لا يخفي المرض النفسي فهو يتعامل مع مكونات المجتمع. ومثلما توجد مشاكل في عمل الجسم تمس بالإنسان وتعرقل أداءه الوظيفي، هناك أحياناً اضطرابات أو أمراض نفسية هي الأخرى تزعج الإنسان من تلك الأمراض النفسية، الرهاب الاجتماعي، اضطراب الوسواس القهري، اضطراب نقص الانتباه/فرط الحركة، الاضطراب الاكتئاب الرئيسي والقائمة طويلة وربما تتجاوز تسعين مرضاً. قد يتساءل لماذا الصحة النفسية مهمة؟ ببساطة لأن الصحة النفسية تؤثر على الحياة اليومية للإنسان وهذا يشمل العلاقات الاجتماعية والصحة الجسدية والحياة الزوجية والوظيفية. يبحث كل إنسان منا عن السعادة والراحة النفسية والطمأنينة القلبية حتى يعيش حياة مستقرة، دون كدر ومنغصات بقدر الاستطاعة، والبعض يسير في الطريق الصحيح المؤدي إلى صحته النفسية، والبعض الآخر قد يتيه في عالم آخر. مملكتنا الغالية وظّفت التجارب العالمية في مجال تعزيز الصحة النفسية، والعمل على توطين الخبرات في هذا المجال والوصول لمجتمع يحظى أفراده بصحة نفسية وجودة حياة جيّدة وفقًا لمستهدفات «رؤية المملكة 2030 لذا نفّذ المركز الوطني لتعزيز الصحة النفسية العديد من الفعاليات التوعوية والعلمية في عدد من مناطق المملكة تزامنًا مع اليوم العالمي للصحة النفسية 2022وذلك إيمانًا من المركز بأهمية الصحة النفسية وتحت شعار هذا العام الصحة النفسية ضرورة عالمية. يبلغ عدد مستشفيات الصحة النفسية في المملكة 21 مستشفى سعتها السريرية 4046 سريرًا، بالإضافة إلى 99 عيادة نفسية، و14 مستشفى متخصصًا تحت الإنشاء. وتعمل الوزارة على تنفيذ مبادرة لتهيئة المرافق الصحية في مستشفياتها لإنشاء أجنحة تنويم للمرضى النفسيين في المستشفيات العامة والتخصصية ذات السعة السريرية أكثر من 100 سرير، بحدود 10 % من السعة السريرية. دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية أن ما بين 30 و80 % من الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية لا يسعون للعلاج، وهذا يشمل 50 % من الأشخاص المصابين بالاضطراب ثنائي القطب، و55 % من الأشخاص المصابين بنوبات الهلع، و56 % من المصابين بالاكتئاب الشديد، و78 % من الأشخاص الذين يعانون من الإدمان. إن السؤال المطروح هنا: بما أنَّ مشاكل الصحة النفسية أصبحت أكثر وضوحًا من أي وقت مضى، وتوفرت الرعاية الطبية بشكل أسهل، لماذا يطلب عدد قليل نسبيًا من الناس المساعدة؟ سعوديا من خلال بحثي وجدت أرقاماً متفاوتة عن عدد السعوديين الذين يرغبون في تلقي العلاج النفسي فكانت النسبة المئوية هي 13 %. كذا 34 % من السعوديين تنطبق عليهم معايير تشخيص اضطراب واحد على الأقل من بين الاضطرابات النفسية. 83 % من السعوديين الذين شُخصوا باضطرابات حادة في الصحة النفسية لا يسعون لتلقي أي نوع من العلاج. في الحياة تحتاج إلى أمرين الحفاظ على صحة نفسية جيدة وجسم سليم. أناشد الآباء والأمهات وأولياء الأمور بالاهتمام بالصحة النفسية لأبنائهم ومتابعتهم عن قرب، من خلال العناية بهم وتفقد أحوالهم، وبناء الثقة في نفوسهم ومنحهم الدفء والحنان، واحتوائهم بالعواطف الحانية، فإن ذلك يعزِّز في الأسرة التماسك والألفة والمحبة وينسج في محيطها أجواء صحية وراحة قلبية وطمأنينة نفسية. إناّ نحسب الغنى بالمال وحده، وما المال وحده؟ ألا تقدرون ثمن الصحة؟ أما للصحة ثمن؟ - على الطنطاوي رحمة الله. ** ** - كاتب وروائي
مشاركة :