الخرطوم - سارعت قيادة الجيش السوداني اليوم الأحد لنفي أي صلة لها من قريب أو من بعيد بتحركات حزب المؤتمر الوطني الذي ينتمي إليه الرئيس المعزول عمر البشير والحركة الإسلامية التي تعتبر مرجعية لهذا الحزب، محذرا كليهما من التخفي خلف الجيش. ويأتي هذا التحذير بينما نظم إسلاميو السودان مؤخرا احتجاجات أمام مقر بعثة الأمم المتحدة في الخرطوم تنديدا بما اعتبروه تدخلا خارجيا في الأزمة السودانية التي تفاقمت منذ انقلاب أكتوبر/تشرين من العام الماضي. وكانت تلك الاحتجاجات الأكبر التي تقودها الحركة الإسلامية منذ إعلان أمينها العام بالوكالة قبل نحو أقل من عامين العودة للمحاضن والابتعاد عن الساحات والتركيز على الشؤون الاجتماعية والعمل الدعوي. وتحاول الحركة الإسلامية استثمار الأزمة السياسية بين القوى المدنية والجيش من أجل العودة للتموقع وإظهار قوتها وقدرتها على توحيد السودانيين خلفها، في خطوة فسرها البعض على أنها مدعومة من قيادة مجلس السيادة الانتقالي بزعامة قائد الجيش عبدالفتاح البرهان الذي كان قبل الاحتجاجات التي أسقطت حكم البشير جزء من النظام. وحذر البرهان اليوم الأحد حزب المؤتمر الوطني (الحاكم سابقا) والحركة الإسلامية من "التخفي وراء الجيش"، مشددا على أن المؤسسة العسكرية لا توالي أي فئة أو حزب. وقال في خطاب بقاعدة "حطاب العسكرية" شمالي العاصمة الخرطوم بثه التلفزيون الرسمي "الذين يتهمون الجيش بموالاة بعض الأحزاب نقول لهم: الجيش ليس له فئة أو حزب، ولن يدافع في يوم من الأيام عن فئة أو حزب". وتابع "نحذر من يريدون التخفي وراء الجيش وكلام خاص للمؤتمر الوطني أو الحركة الإسلامية نقول لهم: ابعدوا وارفعوا أياديكم من القوات المسلحة"، مشددا على أن "القوات المسلحة لن تسمح لأي فئة أن تعود من خلالها سواء المؤتمر الوطني أو الحركة الإسلامية أو غيرهما. نحن جيش السودان". وفي 11 أبريل/نيسان 2019، عزلت قيادة الجيش الرئيس عمر البشير من الرئاسة (1989-2019) تحت ضغط احتجاجات شعبية بدأت أواخر 2018 تنديدا بتردي الأوضاع الاقتصادية. وقال البرهان إن "القوات المسلحة وقيادتها ظلت تتعرض لهجوم من بعض الفئات، ونحذرهم ونقول لهم: لن تنالوا من هذه القوات إلا على أجسادنا، ولن ينال أحد من السودان". واستطرد "نحن مع الثورة ولن نسمح بعودة النظام الحاكم السابق ولن نمضي أو نبصم على وثيقة سياسية تفكك الجيش والمؤتمر الوطني ليس له مكانة في الفترة الانتقالية.. الجيش لن يعيد المؤتمر الوطني إلى السلطة.. يكفيكم 30 سنة في الحكم". وأكد البرهان أنه "لن يتمكن أحد من تفكيك الجيش أو التدخل في تنظيمه وكل من ساهم بإزاحة النظام السابق فهو شريكنا لننهي المرحلة الانتقالية، وما يقال حول الوثيقة الدستورية أنها ترمي لتفكيك الجيش غير صحيح على الإطلاق". وهذه الوثيقة هي مشروع مسودة دستور انتقالي قدمتها لجنة تسيير نقابة المحامين ومن بين ما تنص عليه: إلغاء الوثيقة الدستورية الخاصة بالمرحلة الانتقالية لعام 2019 وإلغاء كل القرارات التي صدرت في أو بعد 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021. وقال البرهان "لن نتردد في الاتفاق مع أي شخص يريد إنقاذ السودان وسنضع يدنا في يده، وأي شخص يريد العمل ضد السودان أو العمل على تأخيره سنقف ضده". ومنذ 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، يشهد السودان احتجاجات تطالب بحكم مدني كامل وبإبعاد المكون العسكري عن السلطة الانتقالية وترفض إجراءات استثنائية فرضها البرهان وأبرزها حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين. ونفى البرهان صحة اتهامات له بتنفيذ "انقلاب عسكري" عبر تلك الإجراءات. وقال إنها تهدف إلى "تصحيح مسار المرحلة الانتقالية"، وتعهد بتسليم السلطة عبر انتخابات أو توافق وطني. وقبل إجراءات البرهان كان السودان يشهد منذ 21 أغسطس/آب 2019 مرحلة انتقالية تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024 ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقعت اتفاق سلام مع الحكومة في 2020. وأكد رئيس مجلس السيادة في السودان الأحد أن المحادثات بشأن إطار عمل سياسي جديد للبلاد، فيما كان الجيش قد قدم يوم الجمعة الماضي ملاحظات على مسودة الدستور مما يمهد الطريق لخطوات صوب اتفاق جديد رسمي مع الأحزاب السياسية للبلاد. ومنذ الانقلاب، عاد بعض أفراد حزب المؤتمر الوطني، حزب البشير، للحياة العامة والخدمة في الدوائر الحكومية. ويقول محللون إن الجيش سمح بذلك كسبيل لبناء قاعدة سياسية وبيروقراطية جديدة، لكن البرهان نفى اليوم الأحد تأييد الجيش لحزب البشير. وقال البرهان "كل الناس الموقعين أو اللي بيضمهم التنظيم اللي زاح التنظيم السابق في 2019 عندهم حق مشروع في أنه نحنا نقف معاهم عشان نكمل الفترة الانتقالية عشان تجينا انتخابات"، مضيفا أن المجموعات السياسية الأخرى مشمولة أيضا من أجل زيادة التوافق. الخرطوم - عاد إسلاميو السودان إلى الساحات بعد أقل من عامين من إعلان الحركة الإسلامية التي تعد المرجعية لحزب المؤتمر الوطني الحاكم في عهد الرئيس المعزول عمر البشير، العودة للمحاضن، من بوابة التنديد بما اعتبروه تدخلا أمميا في الشؤون السودانية ورفضا لوساطة تقودها بعثة الأمم المتحدة بين العسكريين والمدنيين. وشكل إعلان الحركة الإسلامية في يناير/كانون الثاني 2021 خطوة تكتيكية من إخوان السودان لإعادة ترتيب صفوفهم والبحث عن ملاذ آمن من باب التفرغ للعمل الاجتماعي والدعوي وهي خطوة بدت في توقيتها ومضمونها محاولة لاستعادة شعبيتها بعد انهيار حكم البشير. وركزت الحركة خلال الفترة الماضية على استقطاب المزيد من الأنصار وعززت حضورها اجتماعيا مستثمرة الأزمة التي غرق فيها السودان وسط شد وجذب بين العسكر والمدنيين، فيما تحاول البروز كقوة بديلة للفوضى السياسية والاجتماعية. وتجمع قرابة ثلاثة آلاف متظاهر من الإسلاميين أمام مقر بعثة الأمم المتحدة في الخرطوم، احتجاجا على وساطتها في الأزمة السودانية الناجمة عن الانقلاب العسكري الذي نفذه قائد الجيش عبدالفتاح البرهان قبل عام. وأقام المتظاهرون منصة مزودة بمكبرات صوت أماما مقر البعثة الأممية في العاصمة الخرطوم وحملوا لافتات كتب عليها "لا للتدخلات الأجنبية" و"لا للرباعية"، في إشارة إلى وساطة الأمم المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات. وتمركزت قوات الشرطة على مقربة من الاحتجاج، بينما قام المحتجون بإحراق صور المبعوث الأممي للسودان فولكر بيرثيس وهم يهتفون "الله أكبر" و"نحن للدين فداء فليعد للدين مجده أو ترق كل الدماء". وفي مطلع العام الماضي قالت الحركة الإسلامية التي تعرض الكثير من قادتها للاعتقال في السنوات التي تلت سقوط نظام البشير، إنها تعود إلى محاضنها في المجتمع، داعية كوادرها إلى "النهوض لنصرة الحق وقهر الباطل". وجاء ذلك حينها في رسالة صوتية بعث بها علي أحمد كرتي الأمين العام المكلف للحركة وبثت عبر المنصات الاجتماعية "فلتنهضوا لنصرة الحق وقهر الباطل وإصلاح حال البلاد وأهلها ولتتسابقوا في طريق الخيرات وتتحد صفوفكم وتجتمع إرادتكم وتتحرك كوامن قوتكم لاقتلاع الباطل دونما تردد". وتابع "فلتتكاتف سواعدكم وتجعلوا أياديكم في خدمة المجتمع وصيانة كرامته وسد حاجته ونجدة ملهوفه مع المحافظة على إرثه الطيب. أنتم شهود على اصطفاف الحق وأهله وتراكم الخبيث وأهله رغم ما تتعرض له الحركة من كيد وتهديد ومطاردة واعتقال لإخوة كرماء وقادة شرفاء فك الله أسرهم وفرج كربتهم". وقال أيضا "ها هي تعود عبركم (الحركة الإسلامية) إلى محاضنها في المجتمع ومواقفها للمدافعة عن الحق وأهله وصمودها في وجه" من سماهم "أعداء الله والوطن والعملاء والمأجورين" الذين "يسوقون البلاد كل يوم من فشل إلى فشل ولا يأبهون بعيش المواطن بل يعبرون به من حالة الكفاف إلى حالة العوز والمهانة". واعتبرت رسالة كرتي وقتها بمثابة خطوة للوراء من الحركة الإسلامية وهي دعوة لكوادر الحركة إلى التخلي عن تصدر الواجهة السياسية الذي تواصل لعقود في عهد البشير (1989 ـ 2019) والعودة لتكثيف العمل الدعوي والخيري في المجتمع عوضا عن ذلك. ورأى متابعون لشؤون الحركات الإسلامية أن تلك الخطوة كانت خيارا استراتيجيا لمواجهة الضغوط الكبيرة التي تتعرض لها مثل الاعتقالات في صفوف قيادتها وللحفاظ على حيويتها في بنية المجتمع السوداني. لكن في المقابل فإن دعوة العودة إلى المحاضن تعني عمليا مسعى لإعادة التغلغل في النسيج المجتمعي ومنه العودة إلى بسط النفوذ والاحتكام للشارع. وبالفعل بدأت الحركة الإسلامية تتحرك تدريجيا لاستعادة السيطرة على الشارع وهو ما حدث اليوم السبت في أحدث خطوة تبرز أن فترة الانكفاء لما يقل عن عامين كانت تكتيكية لاستعادة زمام المبادرة وإعادة التموقع وشكلت العودة للمحاضن انحناءة للعاصفة، بينما تبدو العودة للشارع اقتناصا للحظة الفوضى. ويقول خبراء مهتمون باستراتيجيات حركات جماعات الإسلام السياسي، أن هذه الجماعات تجيد استثمار الفوضى وتطويعها لجهة خدمة أجندتها بل إن البعض يذهب في تفسيراته إلى أبعد من ذلك معتبرا أن تلك الجماعات تتغذى أصلا من العنف والفوضى وتعيد بناء نفسها من خلال هذا الثنائي (العنف والفوضى) مستشهدين في ذلك بالتاريخ الدموي لجماعة الإخوان في مصر التي رفعت السلاح بوجه الدولة وهي نهج لم تتخلى عنه إلى الآن رغم انحسار نفوذها وقوتها. وقبل قرار الانكفاء للمحاضن، كانت الحركة الإسلامية تدعو لاقتلاع النظام الذي تشكل بعد سقوط البشير، خاصة بعد قرار السلطة الانتقالية التي يقودها الجيش، التطبيع مع إسرائيل والتضييق على التيارات الإسلامية في البلاد. وأعلن البرهان في الرابع من يوليو/تموز "عدم مشاركة المؤسسة العسكرية" في الحوار الوطني الذي دعت إليه الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي "لإفساح المجال للقوى السياسية والثورية... وتشكيل حكومة من الكفاءات الوطنية المستقلة" إلا أن إعلان البرهان قوبل برفض المتظاهرين وقوى المعارضة. ووصفت قوى الحرية والتغيير الإعلان بأنه "مناورة مكشوفة". وعلى مدى الأيام الماضية خرج آلاف السودانيين لإحياء ذكرى الانقلاب العسكري الأولى الذي نفذه قائد الجيش في الخامس والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول 2021. وفي هذا اليوم تراجع البرهان عن كل التعهدات التي قطعها قبل عامين بتقاسم السلطة مع المدنيين تمهيدا لانتخابات حرة في السودان. وأمر يومها باعتقال كل القادة السياسيين والوزراء المدنيين في الحكومة واستأثر الجيش بالسلطة. ومنذ ذلك الحين، ينقطع الاتصال بالإنترنت في الوقت الذي يُنظّم فيه أيّ تحرك ضدّ الانقلاب. والثلاثاء الماضي، قُتل متظاهر سوداني دهسا بعربة تابعة لقوات الأمن خلال تظاهرات شارك فيها الآلاف في الخرطوم وعدة مدن أخرى، بحسب لجنة الأطباء المركزية المناهضة للانقلاب. وبذلك ارتفع إلى 119 عدد القتلى الذين سقطوا جراء القمع في عام واحد.
مشاركة :