على أحد منحدرات سلسلة الجبال الصخرية الساحلية التي تحاور فيروز البحر الأبيض المتوسط وتدفئه بتربتها الحمراء النارية، كنت من بين الصحفيين القلائل الذين حضروا استقبال دار المجوهرات التاريخية "فان كليف أند آربلز" Van Cleef & Arpels بهجة الصيف الفائت بإطلاق التصاميم الجديدة التي تكمل سرد حكاية مجموعة "بيرليه" Perlée الأيقونية، في مبنى "باليه بول" المتميز بوحداته الكروية وخطوطه المتقوسة التي تزخرفها شرفات مفتوحة وأحواض مائية، وكان هذا البيت المشرف على شواطئ الريفييرا الفرنسية وخلجانها الصغيرة، في ما مضى، منزل إجازة لمصمم الأزياء الراحل "بيير كاردان"، ويستقبل اليوم فعاليات خاصة في مكان يبدو عالقا بين السماء والبحر. في هذا المكان العريق نظّمت "فان كليف أند آربلز" لقاء عابقا بعطر الفرح والأمل والطاقة تحت نور الشمس الذي يبقى أقوى من سواد الغيم الذي كبّل عالمنا في السنوات الأخيرة، وكشفت الفصل الجديد من مجموعة "بيرليه" التي تمسكت منذ ولادتها عام 2008 بأنوثة مبتهجة وجمالية تجريدية حوّلت رسمها الكروي الأساسي إلى تصاميم مجوهرات عصرية مثالية لنمط العيش الحديث. والتزاما منها بدعم الفنون التي تلهمها منذ عقود، تعاونت الدار لهذه المناسبة مع فنّانين موهوبين عبّرا عن نظرتيهما إلى مجموعة "بيرليه". لبيت دعوة دار "فان كليف أند آربلز" لحضور فعاليتها الساحرة في ذلك المكان المدهش، والتقيت برئيسها التنفيذي "نيكولا بوس" Nicolas Bos الذي كان يشع فرحا وحماسا حين حدّثني عن قصة "بيرليه"، ومصدر إلهامها، وقطعها الجديدة، والتعاون مع مصور ومصمم للاحتفاء بها، واختيار "باليه بول" على الريفييرا الفرنسية لإطلاقها، وذكّرني في اللحظات الأخيرة من لقائنا أن علينا "الاستمتاع بكل لحظة نعيشها". لماذا اخترتم هذا المكان في الريفييرا الفرنسية للاحتفال بمجموعة "بيرليه" الجديدة؟ تنبض مجموعة "بيرليه" بالألوان والمرح والفرح والسعادة، على الرغم من أسلوبها التجريدي. إن طريقة تعاملنا مع الذهب وصياغته جعلته في غاية الجاذبية والنعومة حتى صار يشبه أحيانا قطع الحلوى السكرية؛ كما أن خيار الألوان مثل تدرجات المرجان والفيروز وبعض الأحجار الكريمة الكلاسيكية مثل الياقوت والزمرد، أضاف لمسة حياة وحيوية. أردنا إقامة احتفال بدلا من مجرد فعالية إطلاق لتشكيلة جديدة، ورغبنا في دعوة أصدقائنا والمحررين الذين دعمونا في الفترة الأخيرة التي لم نستطع خلالها أن نجتمع بهم سوى نادرا أو أن نمضي وقتا كافيا معهم. اغتنمنا هذه الفرصة للاحتفال في أجواء تشبه "بيرليه" وتلمح إليها، وفي مكان منطقي ومنسجم وملائم للمناسبة. فنحن هنا تحت شمس الريفييرا الفرنسية، حيث تتعدد أوجه الشبه بين المشهد المحيط ومجموعة “بيرليه”: لون الفيروز يشبه البحر، والمرجان يذكّرنا ببعض الجبال المحيطة، وخرز الذهب يحاكي جمالية الموقع الذي نستضيف فيه الحفلة المسائية. بالنسبة إلي، إن التجربة بأكملها احتفال صيفي بالمجوهرات نتشاركه مع أصدقائنا. أخبرنا أكثر عن قصّة مجموعة "بيرليه" التي بدأت عام 2008 وما زالت تكشف فصولا جديدة حتى اليوم. إن "بيرليه" مجموعة مرتبطة ارتباطا وثيقا وقويا بتاريخ الأعمال الزخرفية لدى "فان كليف أند آربلز"، لأن حبات الخرز الذهبية تشكّل منذ نحو قرن أحد العناصر الزينية الأساسية في مجوهرات الدار الراقية، وصارت منذ الخمسينيات توقيعا للدار يظهر خصوصا في مجوهراتها المصممة للاستعمال في ساعات النهار، فنجد هذا الخرز مثلا يزيّن مجموعة "ألامبرا". حين ولدت المجموعة التي تحمل اسم "بيرليه" عام 2008، كان الهدف خلفها جعل هذا العنصر الزخرفي محور التصميم وتطوير فكرته في نهج تجريدي. وهكذا أنشأنا مجموعة مبنية حوله من القطع النهارية المصنوعة إما من الذهب بمفرده أو الذهب المجتمع بالماس والأحجار الملونة، والتي تغطي تقريبا كل وظائف المجوهرات من القلادات إلى الأساور والخواتم والساعات. الكثير من قطع "فان كليف أند آربلز" رمزية ومجازية إلى حد بعيد، وقد وجدنا في "بيرليه" فرصة مشوقة لابتكار شيء يكملها بأسلوب تجريدي، لكن متمسك في الوقت نفسه بالرؤية التي تعبّر عنها مجموعات "فان كليف أند آربلز" الأخرى الموجودة. كما أن التصاميم التجريدية تنسجم مع قطع لا تبدو طبيعية أو منطقية في تصاميم رمزية، وأقصد مثلا أقراط الأذن الدائرية والأساور الرفيعة. ومنذ عام 2008، تطور عالم "بيرليه" تدريجيا، وظهرت فيه عائلات مختلفة لكل منها خصائصها، مثل "بيرليه سيغنتشر"، و"بيرليه بيرلز أوف غولد"، و"بيرليه دايموندز"، و"بيرليه كولور". وقد واصلنا إثراء هذه العائلات مع الوقت، ولمسنا تفاعل الناس معها، وردود فعلهم الإيجابية جدا حتى الآن، والإيجابية بشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط. ما سبب النجاح الكبير الذي لاقته "بيرليه" في منطقة الشرق الأوسط تحديدا؟ إن الشرق الأوسط هي على الأرجح المنطقة التي حصدت فيها "بيرليه" أكبر تقدير فوري، والتي لا تزال فيها "بيرليه" توقيعا مهما وقويا ومؤثرا لدار "فان كليف أند آربلز". وأعتقد أن قوة هذا الرابط تكمن في هوية هذه المجموعة غير المجازية، لأن عملاءنا الذين يحبون رموز "فان كليف أند آربلز" فرحوا بإيجاد تصاميم هندسية تجريدية تجسّد هوية الدار، وتتماشى في الوقت نفسه مع نمط العيش اليومي، مثل الأساور الرفيعة وأقراط الأذن السهلة التنسيق. وقد عملنا على مبادرات محددة خاصة بالمنطقة مثل نوافذ عرض وحملات إعلانية جمعت بين رموز مجموعتنا والثقافة المحلية. بين "فان كليف أند آربلز" وعالم الفن، علاقة تاريخية قوية. ماذا عن مشروع التعاون مع فنانين مختلفين لمجموعة "بيرليه" الجديدة؟ للدار علاقة قوية جدا بالثقافة والفنون مثل الرقص والفنون المرئية وغيرها. صحيح أن كل ابتكاراتنا تحمل توقيعنا، وأن الفنانين الذين يبتدعون ويصوغون مجوهرات "فان كليف أند آربلز" هم مصممونا وحرفيونا؛ لكننا نحب تحويل قصص القطع ومصادر إلهامها إلى فرص للقاء فنانين آخرين يترجمون هذه الحكايات ذاتها في مجالاتهم الإبداعية الخاصة. وقد عملنا هذه المرة مع موهبتين نتعاون معهما منذ فترة. الفنان الأول هو المصور "إريك ماديغان هيك" الذي تعاونّا معه في السابق على مشاريع كثيرة ركّزت بمعظمها على الأزهار والطبيعة. وخلال عملنا على مجموعة "بيرليه"، قدّم “هيك” تفسيرا بصريا دقيقا للألوان القوية والتصاميم التجريدية، وقدم شيئا مرتبطا بعالم "بيرليه". أما الفنان الثاني، فهو المصمم الشاب "أرتور هوفنير" الذي تعرفنا إليه من خلال مهرجان الجوائز "فيستيفال ديير" الذي ندعمه كما نفعل في الشرق الأوسط وفي مناطق مختلفة من العالم. إن "فيستيفال ديير" الذي رسخ اسمه على مدى العقود الثلاثة الأخيرة بين أهم جوائز عالم الموضة وكرّم بعض ألمع مصممي الأزياء في بدايات مسيراتهم، يقدّم أيضا جوائز للتصميم والعمارة الداخلية؛ وقد فاز المصمم والنحّات "أرتور هوفنير" بإحدى تلك الجوائز قبل خمس سنوات، ولفت انتباهنا بعالمه الفني الغني بالأشكال التجريدية المرحة والملوّنة والمبهجة في آن معا. وجدنا في عمله صلة مثيرة للاهتمام بعالم "بيرليه"، وبدأنا العمل معه، وقد طوّر مفهوما متكاملا لنوافذ العرض وصمم منحوتات خاصة بفعالية تقديم مجموعة "بيرليه" أعتقد أنها تنسجم بشكل مثالي مع المجوهرات. كما تعاونّا معه في العام الماضي من أجل تقديم عمل فني تركيبي يحتفل بشهر رمضان. نحن سعداء للغاية بدعم فنانين موهوبين مثله، وإلقاء الضوء على أعمالهم.
مشاركة :