يتلون نهار أهالي مدينة البرلس المصرية هذه الأيام مع نسمات الخريف وأيادي الرسامين الذين وصلوا لتلك المدينة الساحلية، بصُحبة ألوانهم وفُرشهم، مستلهمين من طبيعتها الهادئة وهجاً وفناً عبروا عنه بتلقائية على جدران بيوت المدينة وشبابيكها وأبوابها، التي سادتها أجواء كرنفالية بهيجة مُنفتحة على الجمال والفنون. منذ أيام انطلقت فعاليات الدورة التاسعة من ملتقى البرلس الدولي للرسم على الجدران والمراكب، وهي دورة يقول مؤسس الملتقى الفنان التشكيلي عبد الوهاب عبد المحسن، إنها استرداد لروح الملتقى الذي يعتمد على التفاعل بين الفنانين والأهالي، حيث فقد الكثير من روح هذا التفاعل بسبب حالة الحظر التي فرضتها جائحة «كورونا» خلال الدورات الأخيرة للملتقى. يشارك في الملتقى هذا العام 25 فناناً من عدد من دول العالم؛ منها مصر والهند وصربيا وبولندا وإيطاليا والنرويج وتونس والأردن، ويستمر حتى منتصف الشهر الحالي في مواكبة مع الاحتفالات بالعيد القومي لمحافظة كفر الشيخ المصرية. وتعد مدينة البرلس أحد مراكز محافظة كفر الشيخ (شمال دلتا مصر)، وتشتهر بوجود بحيرة البرلس التي تتصل مباشرة بالبحر الأبيض المتوسط، ويعد صيد الأسماك من أشهر أنشطتها الاقتصادية، وكذلك صناعة المراكب الخشبية. يقول الدكتور عبد الوهاب عبد المحسن لـ«الشرق الأوسط»، إن «الفنانين المشاركين هذا العام تفاعلوا بشكل لافت مع بيئة البرلس الفطرية من بحر ومراكب صيد، علاوة على التفاعل مع أهالي المدينة من كبار وصغار، ما يجعل الفنان يشعر أنه جزء من المكان وكيان المدينة، وهو ما يظهر في الجداريات التي زينت بيوت المدينة بشكل كبير» على حد تعبيره. ويبدو أطفال مدينة البرلس هذه الأيام بعد انتهاء اليوم الدراسي وكأنهم في نزهة، يتجولون وسط الفنانين ويشاركونهم تفاصيل جدارياتهم ويلتقطون أمامها الصور التذكارية، كما يستلهم الفنانون من وجوه أطفال البرلس ملامح الفطرة والبدائية التي يمكن الالتفات للمحات منها على سطح الجدران المرسومة، إلى جانب أيقونات البيئة المحلية للمدينة، كالأسماك والمراكب والنخيل وتعريجات الأرض وشقوقها، وهناك أيضاً مفردات المقاهي البسيطة من مقاعد وطاولات وأكواب الشاي التقليدية، وكذلك مفردات مشتقة من عالم الموالد الشعبية كالبهلوانات والخيول. «الملتقى يشهد ضمن فعالياته ورش رسم للأطفال، وتعليم الرسم على مخلفات خشب المراكب، وبقايا القماش الملون، وهي ورش على يد فنانين محترفين تساعدهم على الاحتكاك المبكر بالفن وتقنياته العملية»، كما يقول مؤسس الملتقى الفنان عبد الوهاب عبد المحسن، الذي يضيف: «قمنا هذا العام باستخدام أخشاب مراكب الصيد القديمة ونحت أسماك من هذا الخشب، بحيث يقوم الفنانون بالرسم على تلك الأسماك الخشبية في تقليد جديد ينضم للرسم على الجدران والمراكب». ومن أبرز أهداف الملتقى، الذي تأسس قبل تسع سنوات، تنمية المواهب الفنية لدى أطفال مدينة البرلس، وذلك من خلال خلق تفاعل مبكر بينهم وبين الفنانين، ودعم خلق حرف فنية لدى أهالي تلك المدينة التي تشتهر بصناعة المراكب، وذلك من خلال جمع بقايا ومخلفات صناعة تلك المراكب من أخشاب يتم الرسم عليها وتحويلها لقطع من الجمال العفوي الحُر. ويقوم الفنانون المشاركون بالرسم على سطح الأسماك الخشبية الضخمة، كبديل للوحات التقليدية، ومن المنتظر أن يتم عرض تلك الأسماك والمراكب المرسوم على سطحها في معرض خاص بالعاصمة القاهرة بعد اختتام الملتقى لفعالياته. وحسب مؤسس الملتقى عبد الوهاب عبد المحسن فإنه من المنتظر دعوة فنانين من خمسين دولة العام المقبل، وهو أكبر عدد من المدعوين احتفالا بالدورة العاشرة من الملتقى الدولي.
مشاركة :